«بلطية العايمة» لا تعرف العوم
لابد أن من مشاغل السينما الدائمة مقاربة الواقع، وعلى شيء من البديهي، وبالتالي مقاربة البؤس إن كانت تلك هي صفة الواقع الذي يقاربه الفيلم، وليكون الأمر مفتوحاً على مصراعيه أمام دوافع هذه المقاربة التي قد تكون منغمسة بهذا البؤس لنقله، بحيث يحدث صدمة اجتماعية ما، وتوثيقه في قالب درامي له أن يقول ما يقول، وقد يكون في جانب آخر تجميلياً، أو عائماً يتخبط يميناً وشمالاً، وشاءت المصادفة أو السيناريو أن تقع أحداث الفيلم في بيئة فقيرة.
فيلم «بلطية العايمة» الذي يعرض حالياً في دور العرض المحلية مدعاة للبحث في ما تقدم، ولعله مدعاة أيضاً للتوقف عند الطرح، والكيفية التي يقارب فيها مخرج الفيلم علي رجب وكاتبه بلال فضل البؤس الذي يمكن أن يحاصر امرأة هي بلطية نفسها (عبلة كامل)، وكل ما تحتكم عليه طيبتها، والتي تجعلنا وجهاً لوجه أمام امرأة يسعى مخرج وكاتب الفيلم أن يختزلا فيها المرأة المصرية الطيبة، وللدقة «الاسكندرانية»، كون أحداث الفيلم تجري في الاسكندرية، ونحن دائماً على مقربة من البحر الذي سيتحول في النهاية باب الخلاص الأوحد لبلطية ومن هم مثلها.
بلطية تعيل وحيدة أولادها الثلاثة وأختها الصغرى، وأمها المريضة، تبيع «البليلة» على عربة ورثتها من والدها، وزوجها توفي وهو في الغربة، بينما كان يسعى لتحصيل الرزق. تسكن بلطية في بيت مجاور للبحر، كما هو كامل الحي الذي تسكن فيه، والذي يتم التنقل منه وإليه بواسطة القارب.
إنه حي عشوائي، ليس يشبه البندقية في شيء، إلا مطمح رجل أعمال ثري في تحويله إلى ما يشبه المدينة الإيطالية، من خلال إقامة منتجع سياحي ضخم، وعليه، فإن على الأهالي مغادرته وبيع بيوتهم له، الأمر الذي يصطدم بمعارضة بلطية الذي نعرف في النهاية أن دوافعه وراثية كون والدها قد أوصاها بألا تفرط به، مثلما هو الحال مع العربة التي تعمل عليها.
كامل العتاد الدرامي متوافر، الخسارة ستطال بلطية في النهاية، خسارة كل شيء عدا البحر، كونهم لم يتركوا غيره، كما ستقول في النهاية، لكن الوصول إلى هذه الخلاصة ستكون محفوفة بشتى أنواع التشتيت والضياع، مع بعض الكوميديا هنا، ومعها أغنيتان هناك - لابد من حضورهما ليحلو الجو- كما أن دوافع بلطية في مواجهة توحش رأس المال سرعان ما تظهر واهية، فمع كل رفضها الذي يأتي دافعه في الأصل غريباً، سرعان ما تتنازل عنه، وتمضي إلى رجل الأعمال، وتعرض عليه بيع بيتها بعد رفضها القاطع سابقاً، ولتجابه هذه المرة برفض الثري نفسه، الأمر الذي يضعنا في تناقض وتخبط كبيرين. ثم إن الوعي الذي تتحلى به بلطية فطرياً سرعان ما يبدو مؤقتاً، ولتزجية الوقت لا أكثر ولا أقل، نعم هي امرأة طيبة، لكن رفضها مدعاة للرثاء. بصرياً هناك شيء يستدعي التوقف حقاً، ألا وهو مشهد بلطية، وهي تعوم أو تسبح في البحر، بما يشبه لازمة الفيلم، كما ليقول لنا إن البحر مساحة حريتها الوحيدة، لكنها على ما يبدو لا تعرف العوم إلا لمرة واحدة، توهمنا بها بأنها تفعل، مساحة مقيدة أصلاً بكل ما ترزح تحته، وأولها إصرارها على أن تكون كل شيء، ولا شيء في الوقت نفسه، ومطالبتنا بقبول تغيرها لطيبتها، وعليه، فإن على الطيبين أن يحتذوا بها، أن يجدوا في البحر خلاصهم وإن كانوا مكفنين بثيابهم، عليهم أن يتلقوا مصائرهم السوداء بوداعة وتصالح مع الضحك الذي قد يكون فوق الخراب مباشرة، وعلى تلاله المترامية الأطراف، ثم إن كان الفيلم يفترض أنه يعالج واقعاً ما، فلماذا على نهايته أن تكون قفزة في الهواء، لا تدفع إلى الاستغراب.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news