جلال لقمان: المعرض تطلب جهداً مضاعفاً لترويض الخامات. تصوير: إريك أرازاس

جلال لقمان يختبئ «خلف ألف قناع»

معرض مختلف كثيرا، هذا ما يكتشفه زائر معرض الفنان الإماراتي جلال لقمان «خلف ألف قناع» الذي افتتح، أول من أمس، في قاعة «الغاف» في أبوظبي، بحضور مؤسس مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون هدى كانو، فالمعرض الذي يستمر حتى نهاية الشهر الجاري مختلف في كل شيء، في عدد القطع الفنية التي يتضمنها ولا تزيد على سبع فقط، وهو أمر غير معتاد في المعارض الفنية، وفي أحجام المعروضات الضخمة وإطاراتها المعدنية الكبيرة التي تحولت إلى قواعد في حالات تستقر بها اللوحة على الأرض، بدلا من تعليقها على الجدران كما المعتاد. ولكن الاختلاف الحقيقي في المعرض يكمن في الثراء الكبير في المعاني والمشاعر والأفكار التي تحتضنها كل قطعة معروضة.

وقال جلال لقمان لـ«الإمارات اليوم» عن تجربته في المعرض «لم أقدم عملا سهلا، وعلى الرغم من أن المعرض من أقل معارضي من حيث عدد القطع الفنية، إلا أنني بذلت فيه جهدا كبيرا، يفوق بقية المعارض الأخرى، ويعود هذا المجهود إلى تنوع القطع المعروضة، وصعوبة ترويض الخامات القاسية التي استخدمتها في المعروضات. أيضا ، كانت ضخامة الأعمال سببا إضافيا لبذل المزيد من الجهد، سواء في تنفيذ الأعمال أو في نقلها».

 جحيم «جماعي»

حالة نفسية ومزاجية أخرى تحملها لوحة «جماعي»، كانت حاضرة بين أعمال الفنان الإماراتي جلال لقمان التي تبدو أقرب لمشهد فرار جماعي من الجحيم، بما تحمله وجوه الكائنات التي تظهر في الصورة من ملامح الرعب والفزع، وبسيطرة اللون الأسود على اللوحة، وتمدده ليصبغ الإطار الضخم الذي أحاط بها واستقر على الأرض، ليشكل مثل سجن لا يمكن لكائنات اللوحة الهرب منه، عقب لحظات؛ يمكن للمتلقي أن يتخلص من الصدمة التي تسببها له اللوحة، ليكتشف بداخلها تفاصيل وعلاقات كثيرة تربط كائناتها معا، على الرغم من اختلاف أنواعها، وتولد سيل من الأسئلة والإجابات والأفكار في ذهنه.ويقول لقمان «لم أقصد أن أرسم لوحة مخيفة أو مظلمة، بقدر ما قصدت الإشارة إلى أن هناك روابط معينة تربط بيننا على اختلاف جنسياتنا وأفكارنا، ولكن اللوحة جاءت بمثابة نوع من تفريغ الطاقة السلبية التي كانت في داخلي، بعدها، أصبحت أشعر بالارتياح والسكينة، وأنا أرى مشاعري السلبية حبيسة هذا الإطار».


«العملاق الخفي»

وفي مدخل القاعة، يقف «العملاق الخفي»، وهو تمثال ضخم من الحديد، تعكس انحناءاته البسيطة تواضعه، ويديه الضخمتين بأصابع ممدودة وشرايين بارزة، رغبته واستعداده الدائمين للعطاء. وقال لقمان « يمثل التمثال يمثل كل قامة عملاقة في مجالات العلم والثقافة والفنون في بلادنا، وهم عمالقة يبدعون ويقدمون ما لديهم، بعيدا عن الأضواء، من دون أن يهتم أحد بهم وبتكريمهم نتيجة للأوضاع غير الصحيحة التي نعيشها، وتطلب هذا العمل جهدا كبيرا، وتعلمت منه الكثير، حيث بدأت العمل عليه في يونيو الماضي، ولم أنتهِ منه سوى في بداية الشهر الجاري. وواجهت تحديات عدة دفعتني للاستسلام أكثر من مرة، وفي كل مرة، كنت أعود إلى العمل من جديد». وأضاف « كل ما في التمثال يمثل تحديا، بداية من الخامة التي اعتمدت عليها في تنفيذه وهي الحديد، وأيضا أسلوب العمل من خلال اللحام وما ينتج عنه من حرارة ودخان، خصوصا أنني كنت أعمل على التمثال في شهر رمضان، وفي منطقة المصفح وسط درجة حرارة قاربت الـ50 درجة مئوية، ولكن كل هذا الجهد يهون في سبيل إيصال الرسالة التي حملها العمل». ويرى لقمان أن الفنان يجب ألا يقيد نفسه بأسلوب أو خامة معينة، وأنه يستطيع أن يقدم فنه باستخدام أي خامة تقع بين يديه، لأنه يعرف لغة الفن، ويمتلك القدرة على التعبير عنها بكل الخامات المتوافرة لديه .

و افاد بأنه قصد في اختيار حجم العمل وخامته القاسية أن يوضح لكل فنان مبتدئ يريد إثبات ذاته أن يتخلى عن الحلول السهلة، وأن العمل الجاد والجهد الصادق لابد أن يأتي بنتائجه الإيجابية».

وفي الطابق الثاني من القاعة؛ تستقبلك الموناليزا، وهي تتربع لوحة «الابتسامة» التي استلهم لقمان فيها الشكل العام للوحة الموناليزا الشهيرة، وأضفى عليه لمساته الخاصة، كما أخفى ابتسامتها التي تمثل سبب شهرتها. ويتميز إطار اللوحة بنقوشه العربية وحجمه الكبير، حيث كان في الأساس طاولة طعام، بحسب جلال لقمان.

وفي صدر المكان، وضعت لوحة «خلف ألف قناع» بحجمها الضخم وإطارها المعدني الكبير الذي يستقر على الأرض، تتوسطها لوحة لامرأة مقنعة، وبالتدقيق فيها يمكن اكتشاف أن هناك أقنعة عديدة تغطي الوجه، وليس مجرد قناع واحد. وأكد لقمان «الإنسان يبدل أقنعة عدة في حياته اليومية، حتى يستطيع أن يرضي المحيطين به، وأن يقوم بالأدوار الاجتماعية المختلفة التي يجب أن يقوم بها»، وأضاف «ما يغريني في فكرة الأقنعة هو ما تحمله من معانٍ ورموز، فالأقنعة في أعمالي وفي حياتنا معنى فلسفي أكثر من أن تكون واقعا ملموسا».

وبابتسامة، يشير لقمان إلى لوحة كبيرة الحجم أيضا، لكنها أصغر من السابقة، ما جعلها قابلة للتعليق على الجدار بإطارها المعدني، ويبدو في وسطها رجل بملامح كاريكاتيرية، وقد تحول فمه لما يشبه مبراة للأقلام الرصاص، بينما أمسك بين أصابعه بقلم رصاص، تحمل اللوحة عنوان «لوحة إدمان»، يعتبرها الفنان من الأعمال الخفيفة. وقال عنها «تشير إلى حالي عندما كنت في العشرينات، وكنت لا أرسم إلا وأنا أدخن، ومع الوقت، اكتشفت ان إدماني الحقيقي على الرسم، وليس على تدخين السجائر».

حرية «مملوك»

على الجدار المقابل، تقف لوحة «مملوك» لتنتزع الزائر من لمحة الفكاهة التي تبعثها «لوحة إدمان»، وتضعه مباشرة في حالة نفسية مغايرة تماما، وهو يرى ملامح آلام رهيبة، تكسو الشخص الذي يبدو في اللوحة، وهو يحاول الابتعاد عن قيود حديدية غرست في جلده، ما جعل محاولة الهرب تعني الانسلاخ عن جلده، بكل ما في ذلك من ألم ومعاناة، وعلى الرغم من ذلك، يصر الشخص على الهرب بحثا عن حريته.

بعيدا بخطوة، علقت لوحة «الرسول» بإطارها المعدني الذي عمد الفنان لإبرازه عتيقا، ويبرز فيها شخص مغطى بالدروع لا يبدو من ملامحه شيء، وعلى الرغم من ذلك تستشعر مدى حرصه على رسالة من الورق في يده، ومدى إصراره على تسليمها، طارحا أسئلة كثيرة، حول زيه الذي يبدو مثل فرسان العصور الوسطي. وبالتدقيق فيه، تجده مدججا بأحدث أنواع الأسلحة، وحول جروح تغطي يده حاملة الرسالة، ودماء تلطخ الرسالة، وتسيل على طرف الإطار المعدني، وغيرها تساؤلات عديدة أخرى فضل الفنان أن يتركها للمتلقي.

الأكثر مشاركة