«فن أبوظبي».. مساحة للحداثة
بغلالة ضخمة من اللون الأبيض- لون الحِداد في الصين- وقفت بجلال لوحات «جنازات الموناليزا» الخمس للفنان الفرنسي من أصل صيني يان بي-مينغ، في الردهة الرئيسة في «قصر الإمارات» في ابوظبي، لتستقبل زائر معرض «فن أبوظبي»، وهي لوحات رسمها الفنان تعبيراً عن رغبته في الاحتفاء بلوحة الموناليزا الشهيرة التي تأثر بها منذ طفولته عندما شاهدها في أثناء دراسته في شنغهاي، معتبراً أن بعث حياة جديدة في اللوحة ومنحها المزيد من الجاذبية يجب أن يتم عبر تأبينها ودفنها بجلال.
من بين مشاعر الانبهار الممزوج بالقليل من الرهبة، والتي تبثها لوحات «جنازات الموناليزا»، بأحجامها الضخمة، في نفس المتلقي، تبرز أفكار رئيسة يطرحها مينغ في لوحاته الخمس، أبرزها فكرة الموت والحياة، والارتباط بين الأجيال، والتأثير العالمي للأعمال الفنية الخالدة، حيث تقف الموناليزا بابتسامتها الغامضة لتتوسط المعرض، ولكن هذه المرأة غطى وجهها ما يشبه قطرات من الدماء انسابت بهدوء. وتجاوزت خلفية اللوحة التي بدت أرضاً عمها الدمار وتناثرت فيها الجماجم مساحة اللوحة لتمتد إلى لوحتين مجاورتين في تناسق تام.
وإلى جانب الموناليزا، تقف لوحات أخرى لوالد الفنان الراحل، وقد بدا وجهه نابضاً بالحياة والمعاني دليلاً على حضوره القوي في حياة ابنه، وللفنان أيضا، وقد توفي، وهو ما قد يقصد به الإشارة إلى أن كل حياة مصيرها في النهاية الموت، ولدورة الزمن التي لا تتوقف أو تنتهي.
وعلى الرغم من أهميته الفنية الكبيرة؛ لا يمثل معرض «جنازات الموناليزا» القيمة الفنية الوحيدة التي يحتويها معرض «فن أبوظبي» الذي يقام بمشاركة أكثر من 50 صالة عرض من 19 دولة، حيث يضم المعرض ما يزيد على 300 عمل فني، تقدر قيمتها بعشرات الملايين من الدولارات، بما يجعله فرصة نادرة أمام عشاق الفن للاطلاع على مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية لأبرز فناني العالم المعاصرين.
في المساحة الواسعة التي احتلها المعرض في «قصر الإمارات»، يجد الزائر صعوبة كبيرة في تحديد مساره، من أين يبدأ؟ وفي أي طريق يتجه؟ ففي كل اتجاه هناك عمل ما يشد الانتباه ويجذب العين لتقترب منه. فهناك قدر كبير من التنوع في الأعمال الفنية المعروضة، من حيث طبيعتها، فهناك لوحات ومنحوتات ومجسمات وأعمال فيديو وغيرها، وأيضاً من حيث المدارس الفنية التي تختلف بين الشرق والغرب والكلاسيكية والحداثية. وتضم أعمالاً لرواد الفن في العالم، أمثال بيكاسو وماتييس وميرو وشجال وسيزان وغيرهم، إلى جانب فنانين شباب نجحوا في أن يصنعوا لأنفسهم بصمة وشخصية فنية متميزة.
المزروعي: تظاهرة متميزة وجذابة
قال مدير عام هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، محمد خلف المزروعي، إن معرض «فن أبوظبي» يعتبر خطوة مهمة وأساسية في الاستراتيجية الثقافية لأبوظبي.
وأوضح أنه تظاهرة عالمية تجتذب عشاق الفن ومحترفيه، وتجمعهم في مكان واحد، فيما يتم عرض بعض أعمال الفن الحداثي وما بعد الحداثي للمرة الأولى في الشرق الأوسط خلال فعالياته. وأشار إلى أن المعرض يتضمن تنظيم ورش عمل يتوحد فيها مشاهير الفن العالمي مع فنانين عرب صاعدين، إلى جانب عرض أعمال المواهب الشابة والهواة لتقديم الدعم اللازم لها.
شرق أوسطية
من الأمور اللافتة، حضور الفن الإيراني في المعرض بمدارسه الفنية المختلفة، وبأيدي فنانين من مختلف الأجيال، وبرزت بشكل واضح أعمال الخط العربي بما تحمله من بهاء وجمال، من بينها لوحات الفنان حسين خسرو جيردي التي جمعت بين السريالية والتعبيرية، وحفلت بالمعاني والأفكار الفلسفية التي تتناول مشاعر عدة، وتركز على أهمية الإنسان والوعي الذاتي. ومن أعماله في المعرض لوحة «النائم» التي يبدو فيها شخص نائم على رمال الصحراء، وقد غُطي جسمه باللفائف مثل المومياء، وبدت الحروف العربية تملأ فضاء اللوحة، وكذلك لوحة «خمسة نائمين» التي يبرز فيها خمسة أشخاص نائمين في الأجواء نفسها التي حملتها اللوحة السابقة، واتخذوا وضعيات مختلفة، ولكنها قلقة.
هناك أيضاً أعمال الفنانة فريدة لاشاي، منها لوحة «مجنون ليلى»، وكتبت فيها قصة مجنون ليلى على خلفية سوداء، برزت فيها مكعبات حمراء متناثرة. وأيضاً الفنانة شيرين نشأت التي قدمت لوحة «عرض من عين»، وبدا فيها جانب من وجه فتاة مع التركيز على عينها وفي داخل بياض العين خطت الفنانة كلمات بخط دقيق للغاية. وقدمت الفنانة شيفا أحمدي عملين لافتين، كل منهما برميل للبترول، أحدهما باللون الأسود والآخر بالذهبي، وغطتهما بالنقوش والرسوم الفارسية الأنيقة.
سيارات الموبايل
ضمن إطار فعاليات معرض فن أبوظبي، عقدت جامعة «باريس- السوربون» أبوظبي أمس محاضرة بعنوان «أليكساندر كالدير: الحركة، التجريد، الواقعية» في «قصر الإمارات»، ألقاها البروفيسور أرنولد بيير، وهو أستاذ جامعي في تاريخ الفن المعاصر في جامعة «باريس- السوربون» في فرنسا. وتحدث عن الفنان والنحات الأميركي أليكساندر كالدير (1898-1976) الذي صمم نماذج سيارات في السبعينات والنموذج المسمى «الموبايل»، والذي يعبر عن حالة الاتزان. ولكالدير نظريات تضاهي أعماله الإبداعية. وسلط المحاضر الضوء على إنجازات واختراعات كالدير، في محاولة لإعادة إحياء المشروع الحقيقي في هذه الاختراعات.
أعمال الرواد
من أعمال الفنانين الأجانب، هناك لوحة «النساء الميرلينات التسع» للفنان آندي وارهول، وبدت فيها أيقونة الجمال مارلين مونرو التي كانت الموضوع المفضل للفنان الشهير، وقدمها في أكثر من عمل حققت شهرة عالمية، إضافة إلى لوحة «الزهرة الباسمة» من 1963 للفنان والممثل والمخرج الأميركي دينيس هوبر.
ومن أهم الأعمال الآتية من أوروبا معرض فردي للأعمال الأصيلة للفنان خوان ميرو، منها «سعادة فتاة صغيرة أمام الشمس»، وهو عمل متميز اشترته عائلة ميغت مباشرة من الفنان ويعرض في صالة ميغت في باريس، كما تقدم صالة تاديوس روباك في باريس أعمالا للفنان الإيراني رامين حايرزاده، وتستعرض صالة بارادايس رو في لندن نخبة مختارة من أعمال شيزاد داوود. وتمثل لوحة الفنان التجريدي شون سكالي المسماة «هيلين»، وتعود إلى 1997 واحدة من لوحتين للفنان تعرضهما صالة كيرلين (دبلن). وتقدم صالة الفنون العظيمة «دي آرت ماجوري» (بولونيا) أعمال الفنان الإسباني أنتوني كلافي.
وتستعرض صالة أكوافيلا غاليري عملاً مهماً للرسام فرانسيس بيكون، أنجزه لكي يعرض في أول معارضه المنفردة، وهي لوحة «الرأس 3» العائدة إلى 1949 ،وتعتبر من اللوحات القليلة التي بقيت لهذا من الثلاثينات والأربعينات. وتقدم صالة «إل آند إم آرتس» لوحة بول سيزان «صورة امرأة» من 1900 ،وهي تنتمي إلى مجموعة من صور الوجوه التي رسمها الفنان في أواخر حياته، ومن اللوحات القليلة التي لاتزال مملوكة لجهات خاصة.
وتستعرض صالة ريتشارد غراي لوحة للفنان بابلو بيكاسو والعائدة إلى ،1934 وهي صورة لحبيبة بيكاسو ماري تيريزا والتر، والتي بقيت في حوزة الفنان خلال الحرب. وتقدم صالة بايس فيلدنشتاين لوحة زيتية على الخشب للفنان بابلو بيكاسو، ومن الأعمال الأصيلة التي تقدمها صالة باتريس تريغانو (باريس) لوحة بابلو بيكاسو الزيتية «منزل في فالوريس» من 1953.