«دار الحي».. تناغم أحلام وخيبات
يمرّ اسم دبي عابراً في فيلم هوليوودي، ويمكن لها في أفلام كثيرة أن تكون موقع تصوير نشهد فيه أحداثاً عابرة، سرعان ما تنتقل إلى مكان آخر، لكن، مع عروض الدورة السادسة من مهرجان دبي السينمائي الدولي، يأتي فيلم الإماراتي علي مصطفى «دار الحي» الذي افتتح أمس عروض برنامج «ليالٍ عربية» لنكون أمام أول فيلم إماراتي عن مدينة تحتمل الكثير من الفن الخاص الذي يأتي من خصوصيتها هي بالذات، ونحن نتحدث هنا عن 200 جنسية تعيش وتحلم وتحزن ضمن حدودها.
فيلم مصطفى محمّل تماماً بالعيش المختلط، بنقاط الاشتباك بين الجنسيات، وعلى تناغم مع الأحلام والخيبات. إنه يوثق نمط العيش الذي تمليه هذه المدينة «الكوسموبوليتانية»، ويأتي بثلاث لغات، لنا أن نسمعها تتردد يومياً في دبي، وهي العربية والانجليزية والهندية، إنه فيلم مأخوذ بمدينته، وينسج حكايته وفق إملاءاتها وواقعها.
ويأتي بناء الفيلم الدرامي من خلال ثلاثة خطوط رئيسة، تبدو أول الأمر أنها بعيدة عن بعضها ، إلا أنها تتشابك في النهاية، مازجة المصائر والشخصيات والجنسيات كما هي الحياة في دبي.
فيصل شاب إماراتي ضائع يعيش الترف والفراغ معا، ومعه صديقه الذي يتكشف دائماً عن شخصية مستعدة للاستفزاز في أية لحظة، ومعها تلك الطيبة العذبة. يعيشان الحياة، لا لشيء إلا لتزجية الوقت، بينما يمضي والد فيصل طوال الفيلم وهو يوبّخه واجداً فيه مثالاً للفشل، كونه، أي الأب، يعيش النعيم الذي وصل إليه بعد قصة كفاح طويلة.
إلى جانب الحياة التي يعيشها فيصل، نمضي مع سائق تاكسي هندي يشبه بيتر باتيل، الأمر الذي يقوده إلى العمل في ناد ليلي، لا لشيء إلا لأنه يشبه بيتل، والنوم بينما يقود التاكسي. سيقل السائق نتالي مضيفة الطيران الأوروبية، والمرأة الرقيقة العاشقة للباليه التي سرعان ما تقع في غرام غاي المدير الإبداعي في شركة إعلانات.
في البداية، سيبدو كل شيء مشرقاً من دون أن يغيب الترقب، فيصل وصديقه ونتالي يعيشون الترف الذي تتيحه دبي، سائق التاكسي غارق في أحلامه البوليوودية. ومع اقترابنا إلى النهاية، يمسي الفيلم سوداوياً وانقلابياً من خلال حادث سير يقع لفيصل وصديقه ولسائق التاكسي الذي يكون في طريقه لإجراء اختبار خاص بالتمثيل والغناء، إضافة لنتالي التي تكون في طريقها لمغادرة دبي، بينما يفقد فيصل صديقه الذي يكون منقذه من موت قد يطاله.
سيضيئ هذا الانقلاب ما حلّ بنتالي على يد غاي الذي يخونها ويهددها بإجهاض الجنين الذي تحمله منه، مستعيناً بما له أن يكون سلطة متأتية من جنسيته الانجليزية ربما، بينما يتشوه وجه سائق التاكسي فيفقد ملكة شبهه بالنجم البوليوودي.
يراهن علي مصطفى على الواقع، وعلى شيء من تقديم توثيق جمالي للعيش من دبي التي لا تشكل في النهاية وجهة سياحية أو اقتصادية فقط، بل مكاناً للعيش يشهد يومياً آلاف الحكايا والمصائر. إنه الفن من عليه أن يقدم رواية موازية تتخطى أسعار البورصة ومؤشرات الأسهم وأسعار العملات والصفقات التجارية، إنها دبي للحياة، والتي تحتمل الأسود والأبيض، الأحلام والكوابيس، والحب والبغض، وكل أشكال المشاعر الإنسانية وبكل اللغات.