المهرجان يحتفي بالسينما الفلسطينية
عبر 14 فيلماً ومجموعة من الندوات المتخصصة، شهدت فعاليات مهرجان دبي السينمائي في يومه الرابع أمس، ليلة فلسطينية خالصة، في حين كان يوم أول من أمس احتفاء بالسينما العربية التي افتتح برنامجها لأول مرة بفيلم إماراتي هو «دار الحي» للمخرج علي مصطفى.
ورغم أن الجمعة لم يكن يوماً شديد الزخم في ندوات المهرجان ومؤتمراته، إلا أن تزامن ندوة خاصة بتحديات السينما الفلسطينية مع مؤتمر صحافي لأسرة فيلم «دار الحي» تسبب في إرباك إعلامي كبير، في الوقت الذي تضمن أمس، مؤتمرين لفيلمين فلسطينيين، أولهما صباحاً لأسرة فيلم «حاجز الصخرة.. موسيقى تضرب الجدران»، وثانيهماً عصراً لفيلم «صداع»، في حين يُعقد اليوم أحد أكثر أحداث مهرجان دبي السينمائي على مدار دوراته المختلفة أهمية، وهي ندوة الجسر الثقافي التي تستضيف الملكة نور متحدثة رئيسة، جنباً إلى جنب جوليا باشا - مخرجة فيلم «بُدرس»، والمنتج الهوليوودي مايك مدافوي، والبروفيسورة في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا ريبيكا ساكس.
المشهد الطفولي تسيد سجادة المهرجان الحمراء نهار أول من أمس بفضل الاحتفاء بسينما الأطفال، فيما كان المساء موعداً مع مرور أسرة فيلم «دار الحي»، الذي عُرض في الثامنة مساء وشهد إقبالاً كبيراً من قبل الجماهير التي تحدت زخات المطر وبرودة الأجواء، ليبقى عدد كبير منهم منتظرين آمال تخلف حاملي بعض التذاكر المؤكدة، أما ليلة أمس، فقد انتصر المشهد للرمز الفلسطيني الأشهر المتمثل بالكوفية الفلسطينية التقليدية.
وفي تصريحات خاصة لـ «الإمارات اليوم»، قال المخرج الفلسطيني المهم ميشيل خليفة، الذي يشارك ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان بفيلم «زنديق»، أن هناك حقيقة أساسية يجب أن نسلم بها قبل مناقشة أي قضية تتعلق بالسينما الفلسطينية، وهي أن «الإنسان الفلسطيني أهم من الفيلم الفلسطيني»، مشيراً إلى أن «الظرف السياسي الفريد الذي يعيشه الفلسطيني يبلور دائماً الهم الفلسطيني حول مفاهيم تتعلق بالاحتلال والاغتصاب والاغتراب، سواء داخل الوطن أو خارجه».
ونفى ميشيل، الذي يقيم في بلجيكا، صحة ما يردده البعض بأن الفلسطيني المقيم خارج فلسطين ويحمل جوازات سفر أجنبية لا يشعر بمرارة ما يصادفه يومياً فلسطينيو الداخل، مضيفاً: «قد اشعر بمرارة تفوق ما يشعر به فلسطينيو ،48 وعندما اصنع فيلماً يحكي همومهم، فإنني في هذه الحالة قد أكون حققت ما لم يحققه الملايين بالداخل، وبكل تأكيد يجب أن يكون هذا العمل مقدراً، بدلاً من أن يثير استنكاراً ما، كما ضمت الندوة الخاصة بالسينما الفلسطينية مي مصري ورشيد مشهراوي، وتطرقت إلى تجارب المنتدين ومشكلات الإنتاج وعلاقة السينما الفلسطينية بالسينما العالمية.
المؤتمر الصحافي الخاص بفيلم «حاجز الصخرة.. موسيقى تضرب الجدران»، كان بمثابة جلسة تلقائية سمع الحضور فيها اللهجة الفلسطينية الأصلية تماماً كما تُنطق في الزقاق الفلسطيني، وأغنيات لامست وجدان الجميع عبر بعض فتيات فرقة «عربيات»، التي تُعد أول فرقة غنائية لفتيات ينتمين إلى عرب ،48 بالإضافة إلى سمير جبران أحد أعضاء الفرقة الموسيقية الفلسطينية الشهيرة ثلاثي جبران.
الفيلم الذي عُرض لأول مرة أمس، ضمن فعاليات المهرجان وتبعه عرض موسيقي حي لثلاثي جبران وفرقة عربيات، من تأليف وإخراج الباسيكي فيرمين موغوروزا، الذي سعى عبر العمل إلى رصد ثراء وتنوع الفولكلور والموسيقى الفلسطينية بمعاونة عدد من الموسيقيين الفلسطينيين مثل حبيب الديك ومثنى شعبان والثلاثي جبران وأمل مرقص، التي اندمج معها حضور المؤتمر عندما استعارت مقطعاً غنائياً من الفيلم وأنشدت: «آه يا جرح يا مكابر.. وطني ليس حقيبة.. وأنا لست مسافر.. فأنا العاشق والأرض الحبيبة»، لتعقب بعدها إحدى فتيات عربيات بلكنة فلسطينية خالصة منشدة مقطعاً بعنوان «حرقت دمي» لتحيل إلى مأساة دفاع الغرب عن إصابة كلب بدعوى حقوق الحيوان، والتغاضي عن السفك اليومي لدم الإنسان الفلسطيني.
سهيل نفر الذي كان ضمن المتحدثين الرئيسين في المؤتمر بصفته مشاركاً في الأداء الموسيقي للفيلم أيضاً، انفعل أدائياً وراح يحكي مشهداً من الفيلم يخاطب فيه الآخر ليقول: «مين إرهابي.. أنا إرهابي.. كيف إرهابي وانا عايش في بلادي، ماكلني وتقول إرهابي»، ليختتم بوعد الدفاع عن الأرض والعرض والنفس بالإرهاب: «سأقاوم ولو بالإرهاب».
في سياق آخر شهد المؤتمر الصحافي الخاص بفيلم «دار الحي» اهتماماً ملحوظاً من وسائل الإعلام الغربية، وهو أمر التفت إليه المدير الفني للمهرجان مسعود أمر الله الذي أدار المؤتمر، ما جعله يحدد المداخلات الصحافية بسؤال واحد، لاسيما مع تعدد المتحدثين الرئيسين فيه، وهم إلى جانب المخرج علي مصطفى أبطاله الرئيسين المذيع الإماراتي سعود الكعبي والممثلة الرومانية ألكسندرا ماريا لارا، والكندي من أصل عراقي ياسين سامان والمنتج البريطاني تيم سميث، لافتاً إلى أن اختيار فيلم إماراتي لافتتاح برنامج الليالي العربية سوف يشكل دفعة مهمة للسينمائيين الإماراتيين الشباب.
من جانبه نوه مخرج «دار الحي» إلى جهود الممثل الإماراتي الذي يعد أحد أبطال الفيلم د.حبيب غلوم، وخبرته في الدراما التلفزيونية التي سخرها أيضاً لصالح السوية الفنية للعمل، فضلاً عن الممثل الهندي سونو سود وكلاهما لم يتمكن من حضور المؤتمر، بالإضافة إلى كل من جاسون فليمينغ وناتالي دورمر وسوزان جورج من بريطانيا، والممثل الكوميدي المصري الأميركي أحمد أحمد، والأميركي من اصل هندي جافيد جافري، قبل أن يشير إلى أن « قصة الفيلم الأساسية تتمحور حول ثلاث شخصيات مختلفة تتنقل بالمشاهد بين رغد حياة المواطن الإماراتي وخيبة أمل سائق الأجرة الهندي وسذاجة المضيفة الرومانية، وجميع تلك الشخصيات تعيش في دبي، حيث الطموح والنمو والفرص هي وسائل للحياة.
وفي حين أشارت ألكساندرا إلى أن تحديات الدور وصعوبته بسبب اختلافه الكلي عن شخصيتها الحقيقية بما فيها اللكنة الإنجليزية الروسية للبطلة، كانت ضمن أهم أسباب قبولها للدور، قال المذيع سعود الكعبي إن التقارب الشديد بين شخصيته الحقيقية والدور المنوط به منحه انطباعاً بسهولة مهمة التمثيل لأول مرة، مضيفاً: «لم أخش الخروج من عباءة التقديم التلفزيوني التي عرفني بها الجمهور على شاشة قناة «سما دبي»، وسوف أكرر التجربة ثانية، فقط في حال نجاح الفيلم الذي شدتني إليه رسالته العالمية في التواصل ما بين الحضارات، في حين طلب الكعبي من أولئك الذين سيقدمون قراءات خاطئة للفيلم التريث والالتفات إلى أن العمل في النهاية يعالج هموم نماذج من البشر الذين التقوا على أرض هذه الإمارة، وليس هناك من داعٍ لتعميم تلك النماذج بشكل مغلوط على أنها تمثل رسالة سلبية».
هوية الموسيقى وجه سمير جبران سؤالاً ذاتياً سعى بنفسه إلى الإجابة عليه، حين قال «هل نحن موسيقيون فلسطينيون أم نحن موسيقيون حدث أننا من فلسطين؟ هل نستحق كل هذا الاهتمام والاحتفاء، لأننا موسيقيون متميزون أم لأننا بالأساس فلسطينيون؟». أما في إجابة جبران فقال «أعتقد أن في ما يتعلق بهذه الجزئية على وجه التحديد ،على الفنان الفلسطيني التخلص من شفاعة الهوية والتركيز على الإخلاص للتقاليد الفنية والإبداعية لكل فن على حدة»، مؤكداً أن المعادلة الأنجع تحققت في شخصية شاعر مثل محمود درويش، مضيفاً «عالمية درويش ليس مردها أنه شاعر فلسطيني، بل لأنه شاعر فريد وذو طراز خاص من فلسطين، وهكذا يجب أن نكون». |