الرحالة باتريك فايل وزوجته ماريون وبارنت ياكوبي وزوجته باربيل في لحظة مرح على شاطئ الخان في الشارقة.                          الإمارات اليوم

حياة في «منازل متـنقّلة» تجوب العالم

على الضفة المقابلة لمنطقة الخان القديمة في الشارقة، التقت عائلتان ألمانيتان، للمرة الأولى، إحداهما تتكون من أربعة أفراد والثانية من زوجين. هناك تعارفوا، وأصبحوا يتقاسمون قصصهم وصباحاتهم ومساءاتهم أيضا، منذ يوم الخميس الماضي.

العائلتان احداهما من فرانكفورت والاخرى من بافاريا، اجتمعتا على الشاطئ المطل على مربى الحيوانات البحرية الواقع في الخان القديمة، وفي تلك المساحة المائية تنتشر قوارب الصيادين، وعلى الرمال يتنزه الأهالي.

عائلتان رحالتان، اجتمعتا في حلم واحد يتمثل في القيام بجولات في العالم، تسكنان في سيارتين من نوع «مرسيدس، فاريو» مجهزتين بغرفتين متكاملتين، في كل منهما مطبخ وحمام وطاولة ومقاعد وجهاز كمبيوتر وخرائط وكتب وأسرة نوم، وكذلك أجهزة اتصال مع الانترنت، علاوة على ألواح للطاقة الشمسية. إن كل عائلة تعيش في بيت متنقل على ظهر عربة تجوب البلدان.

العائلة الأولى تضم الزوجين باتريك فايل وماريون وابنتهما مارلا (10 أعوام) وابنهما لويس (سبعة اعوام). وكان حلم القيام بجولة خارج ألمانيا بالنسبة لباتريك الذي يحب تدخين التبغ الثقيل، وزوجته ماريون راودهما قبل 20 عاماً، لكنهما قبل عامين قررا تحقيق ذلك الحلم الأثير على قلبيهما، لينضم إليهما ابناهما ويرافقهم كلبهم الاسود الذي يطلقون عليه اسم «ايلي». وقد بقيت ابنتهما الكبرى (19 عاماً) في منزلهم في فرانكفورت.

حلم قديم

يقول باتريك لـ«الإمارات اليوم» ان حلم السفر بالسيارة الى مناطق جديدة في العالم تحقق بعد طول انتظار، ففي العام 2007 قررنا القيام بهذه الرحلة، وقمت بتجهيز السيارة وتزويدها بمنزل متنقل، موضحاً انه يعمل في ألمانيا في بناء البيوت، ما سهل عليه مهمة تعديل السيارة، بحيث تتحول الى بيت متنقل. رحلة باتريك وعائلته انطلقت يوم الخميس 30 يوليو من العام الجاري، من قارة اوروبا باتجاه آسيا، القارة التي تظل مثل «مغناطيس روحي» يجتذب المغامرين والرحالة والحالمين أيضاً، على الرغم من الصعوبات التي قد تعترض طريقهم. وتقول ماريون عن الساعات التي سبقت بدء الرحلة «كان في وداعنا نحو 180 صديقا، في حفل كبير، حيث كتبوا على سيارتنا عبارات مؤثرة تعبر عن أمنياتهم لنا بالتوفيق في هذه الرحلة الى جزء من الشرق، وقد اختارت ابنتنا فرانسيسكو التي لم ترافقنا في الرحلة، الباب لتكتب عبارات الحب والامل والامنيات». وكانت اللحظة الاخيرة مؤثرة وحافلة بالامنيات والتحذيرات والدموع أيضا، وفق وصف ماريون.

هدف

عن هدف الرحلة، يقول باتريك «أردنا ان ندخل تغييرا الى حياتنا، ففي السفر عبر الحدود يتجدد الانسان. كما أردنا ان نطلع مباشرة على ثقافات ومجتمعات اخرى».

وتضيف ماريون بهدوء «إننا نقوم برحلة كانت حلما قديما لنا، ونهدف الى التعرف إلى ثقافات اخرى غير الأوروبية. انها رحلة العبور بين الثقافات. نرغب في معرفة أنماط التفكير والحياة في البلاد العربية والاسلامية وغيرها، وسنرصد كل تفاصيل الرحلة والتعايش مع الناس في كتاب نصدره بعد اختتام الرحلة». وتوضح ان «الشعوب تتميز بالطيبة والمحبة والود، وهو الاساس الانساني لالتقاء الثقافات وليس صراعها»، مشيرة الى ان صورا مغلوطة أو ناقصة تنقلها وسائل الاعلام الغربية عن بلاد الشرق، لكننا في الكتاب سننقل ما عايشناه، وكيفية تعايش الثقافات والبشر، اذ لاحظت ان طفليهما عندما يلعبان مع أطفال آخرين خلال الرحلة، يتفاهمون ويمرحون بود، على الرغم من اختلاف لغاتهم وثقافاتهم وعاداتهم. ويؤكد باتريك أهمية احترام ثقافات الشعوب، موضحاً أن زوجته ماريون اعتمرت غطاء للرأس أثناء زيارتهم ايران خلال الرحلة، قبل وصولهم الى مدينة الشارقة، عن طريق ميناء بندر عباس.

ويضيف «أصدقاء نصحونا بعدم العبور من ايران، لكن آخرون نصحونا بزيارتها، لأن كثيرا من المعلومات المنقولة عبر وسائل الاعلام عن الحياة في إيران مغلوطة، لذلك ذهبنا وعايشنا الحياة هناك، والتقينا أشخاصاً ودودين ولطفاء وطيبين».

مسار الرحلة

انطلقت رحلة ماريون وباتريك مع طفليهما من مدينة فرانكفورت، الى النمسا، وسلوفينيا ثم كرواتيا، ومنها الى جمهورية الجبل الاسود ثم ألبانبا، مروراً باليونان وتركيا وايران وصولاً الى الامارات، حيث استقروا في الشارقة ثم دبي، ثم الى سلطنة عمان، ومن هناك يواصلون رحلتهم بحراً الى الهند ونيبال. وتقول ماريون «كنا نخطط للمرور بباكستان ثم الهند، لكن الوضع المضطرب هناك حال دون ذلك، فالوضع غير آمن، خصوصا لطفلينا».

الشارقة

عند وصول عائلة باتريك الى شاطئ الخان، كانت سيارة «مرسيدس، فاريو» زرقاء تقف هناك، وفيها عائلة ألمانية أخرى تضم الزوجين بارنت ياكوبي (70 عاما)، وباربيل (69 عاما).

يقول باتريك «غادرنا ميناء بندر عباس في ايران، ووصلنا الى الشارقة ليلاً، وشاهدنا تلك السيارة الزرقاء فوقفنا قريبا منها، ونمنا. وفي الصباح كان المشهد رائعا، حتى إننا ظننا أنه حلم، كان صباحا فردوسياً بحق». وبعد ساعات من صباح الخميس الماضي التقت العائلتان للمرة الاولى، لتواصلا شغفاً مشتركاً بالتجوال حول العالم.

عاشق التجوال

الرجل السبعيني بارنت الذي يتميز بروح الفكاهة والحيوية خبير في الرحلات حول العالم، اذ إنه بدأ رحلته الاولى الى المغرب في العام 1977 ،وحتى الآن يواصل عشقه للرحلات. يقول «أعشق البلاد العربية كثيرا، وقد زرت كثيرا منها، مثل تونس والجزائر وليبيا وسورية والاردن والسودان»، مشيراً الى انه عضو في نادي الصداقة العربية - الالمانية. كما قام برحلات الى كينيا وتنزانيا وجنوب افريقيا والاميركتين الجنوبية والشمالية، وعانق جبال الانديز واستمتع بموسيقاها.

أبوظبي

يضيف بارنت «زرت العاصمة أبوظبي للمرة الاولى في العام 1968 ،أثناء تشييد ميناء أبوظبي، اذ قمت بإنجاز شبكة اتصالات بالراديو بين امارتي ابوظبي ورأس الخيمة»، موضحاً أن ذلك كان ضروريا لأن الصخور التي استخدمت في الميناء كانت تجلب من رأس الخيمة، وكان ذلك يتطلب سهولة الاتصال لتوفير الكميات المطلوبة من الحجارة.

وحول هدف رحلاته، يقول بارنت وهو يلف رقبته بوشاح «اليوم الوطني» الذي أهداه إياه شاب إماراتي «كل الناس العاديين متحدون ومتآلفون ولا حواجز بينهم، مهما تعددت لغاتهم وثقافاتهم وحضاراتهم»، مضيفاً «على الشعوب ألا تصدق ما تقوله حكوماتها، فهناك صور مغلوطة عن العالم العربي والاسلامي تروجها وسائل إعلام غربية، لذلك رغبنا في التواصل مع الناس مباشرة والتعايش معهم»، مشيرا الى ان في بلده ألمانيا تنوعاً ثقافياً، كما في الامارات توجد جنسيات متعددة.

ويضيف ان مسار رحلته مع زوجته انطلقت من بافاريا، الى تشيك وسلوفانيا وهنغاريا ثم رومانيا وبلغاريا، وتركيا وقيرغسستان وارمينيا، وايران ثم الامارات، حيث توقفنا في الشارقة، ومنها سننتقل الى دبي ثم سلطنة عمان، ثم نعود الى أبوظبي مرورا بالسعودية ثم الاردن وسورية وتركيا، ثم نعود الى بافاريا، موضحاً ان مسار رحلته يصل الى نحو 25 ألف كيلومتر.

 
مدرسة للرحّالة الصغار

  الطفلان مارلا ولويس اللذان يدخلان المغامرة الجميلة مع والديهما باتريك فايل وماريون، لم يتواءما في الشهر الأول من الرحلة مع الوضع الجديد عليهما، اذ انهما بقيا مشتاقين لبيت العائلة في فرانكفورت. كانا مصابين بالحنين الى البيت الثابت والحديقة وغرف النوم الدافئة والمدرسة واللعب مع أصدقائهما، لكنهما وجدا نفسيهما مغامرين في رحلة على متن بيت متنقل بين مدن وقرى وبحيرات وجبال ومنحدرات وشعوب وثقافات وصباحات وليال مختلفة.

يقول باتريك «لقد تغير على ابنيهما نمط الحياة، لكنهما بعد شهر من بدء الرحلة، تأقلما مع الحياة الجديدة».

وحول تدريس مارلا ولويس، توضح ماريون ان في المانيا توجد مدارس الرحالة، اذ تسلما كتب طفليهما، وهي وباتريك يقومان بتدريسهما المنهاج المقرر، كل صباح، يعلمانهما الرياضيات واللغة الألمانية وكذلك الانجليزية، ويتابعان مع المدرسة تفاصيل الدروس عبر الانترنت، وبذلك فهما يدرسان لكن خارج صفوف المدرسة المعتادة، ويتعرفان إلى جغرافيا وشعوب وثقافات أخرى، ويبدو ان الرحلة هي مدرسة جديدة للرحالة أيضا.

الأكثر مشاركة