«دبـي السينمائي».. انتصار للغة الضاد
بعيداً عن المفردات القليلة التي يتعلمها الضيوف الأجانب، مثل كلمات الامتنان والمجاملات، والتي غالباً ما تُختزل في كلمات يبدأون أو يختتمون بها كلماتهم في المؤتمرات الصحافية، مثل «السلام عليكم، وشكراً»، فقد كان للغة العربية حضورها المهم خلال فعاليات مهرجان دبي السينمائي الدولي، الذي اختتم فعالياته أخيراً، تحدت عبره واقع تغييبها، فسمعها الضيوف الأجانب في جميع مؤتمراتهم الصحافية، وانعكس التمسك بحضورها لغة أولى للحدث رسالة واضحة بأن أهلها مستعدون للتواصل الحضاري في الوقت نفسه الذي يقبضون فيه على هويتهم التي تشكل العربية أحد أهم ملامحها.
وأثارت اللغة العربية بحضورها تارة وتحدي تغييبها تارة أخرى في أروقة مهرجان دبي السينمائي جدالاً محتدماً وشكل حضورها مطلباً ملحاً للصحافيين الذين قاموا بتغطية وقائع المؤتمرات الصحافية، وهو مطلب توافق مع رغبة إدارة المهرجان التي اعتمدت عدداً من المترجمين المحترفين، الذين توزعوا على الفعاليات باستثناء مؤتمر وحيد غابت عنه الترجمة لظروف خارجة عن المهرجان حسب رئيسه عبدالحميد جمعة.
وفي الوقت الذي عاد المخرج الإماراتي علي مصطفى إلى العربية، بعد أن أصر العام الماضي على إدارة مؤتمر له باللغة الإنجليزية بدعوى عالمية فكرة الفيلم، أكد المخرج الاسكتلندي الأصل جيرار باتلر أنه لن يقوم بأي مجهود لتعلم العربية، رداً على سؤال وُجه له أثناء مؤتمر صحافي، قبل أن يعود ويستدرك «من الممكن أن أقول نعم، فقط حتى أخرج من هذا المؤتمر».
تمسك
وشكل تمسك الصحافيين بحضور العربية في المؤتمر الوحيد الذي شهد غياب المترجمة عنه مطلباً واعياً، واضطر الممثل المصري العالمي عمر الشريف إلى أن يتولى الترجمة، بعد أن اقترحت مديرة المؤتمر شيللا الاكتفاء بترجمة فرنسية للحوار الإنجليزي، لكن اعتراضاً وجدلاً في القاعة أعادا «العربية» إلى الحضور فوق منصة المتحدثين الرئيسين للمؤتمر.
رئيس المهرجان عبدالحميد جمعة، أكد لـ«الإمارات اليوم» حرص المهرجان على تفعيل حضور اللغة العربية، لغةً أولى وأساسية في هذا الحدث، وأشار إلى أن «العالمية لا تعني على الإطلاق إغفال أن (العربية) أحد أهم مقومات الهوية الوطنية التي نفخر بكل ملامحها»، وأضاف أن «ما حدث في المؤتمر الخاص بالفنان عمر الشريف كان نتيجة خطأ فردي يعود لغياب المترجمة بسبب الأزمة المرورية الاستثنائية التي حدثت، بسبب عدم استقرار حالة الطقس قبيل انعقاده». مقدماً في السياق ذاته اعتذار إدارة المهرجان عن حدوثه.
المخرج الإماراتي علي مصطفى استوعب درس العام الماضي جيداً، بعدما تساهل في حضور العربية، معتقداً أن غيابها له أن يكون مؤشراً لعالمية فيلم «دار الحي»، حيث تحدث مصطفى مع وسائل الإعلام بالعربية تاركاً للصحافة الأجنبية الاستفادة من جهود الترجمة المتوافرة، وعلى الرغم من عدم تمسك المترجمة في هذا المؤتمر تحديداً بقواعد الابتعاد عن الترجمة الحرفية، التي جعلتها تقول نقلاً عنه «لست متأثراً ثقافياً بكون والدتي بريطانية لدرجة الانغماس، بل هويتي الأساسية أنني إماراتي شرقي الثقافة، إلا أن هناك مميزات ثقافية ناتجة عن هذا التعايش في أسرتي الصغيرة بين نمطين ثقافيين، يجعلني أفضل ربما ممن لا أم بريطانية لهم»، وهو مزلق أثار سوء فهم وهو يقصد الإشادة بثمار الاحتكاك والتعايش بين أبناء الثقافات المختلفة.
حاجة
التساؤل عن الحاجة إلى الترجمة إلى العربية كان أحد الأسئلة المتكررة من إحدى المترجمات، على افتراض منها أن الجميع يتقن الإنجليزية، وكان السؤال يثير استياء الحضور العربي الذي كان واضحاً وملموساً في جميع الندوات والفعاليات، وفي اللقاء مع المخرج الفلسطيني رائد أنضوني أغرى حديثه بالإنجليزية في بداية المؤتمر طرح فكرة الاستغناء عن خدمات المترجمة، قبل أن يفاجئ أنضوني الحضور بإصراره على الحديث باللغة العربية بلكنته الفلسطينية الدارجة.
العربية إذاً كانت حاضرة بتلاحم إرادة الحضور، مع رغبة إدارة المهرجان التي حرصت على توفير ترجمة فورية لكافة المؤتمرات الصحافية، وتجددت هذا العام بموقع باللغتين، وليس لغة وحيدة، كما هو الشأن في مهرجانات عربية ترى أن طريق عالميتها يبدأ من طمس وتغييب لغة الضاد في أروقتها.