محمد بكري: صوّرت مجزرة «جنين» بكاميرا أفراح

محمد بكري: أنتظــر المثول أمام محكمة إسرائيلية.. وفلسطين تلزمها تضحيات. أرشيفية

على الرغم من أن حياته تنحصر بين المسرح والتلفزيون والسينما، إلا أن الفن لم يشفع له أمام المحكمة الإسرائيلية التي تتهمه بالعنصرية ومعاداة السامية، والتي سيصدر حكمها في مطلع العام المقبل، خصوصاً بعد فيلمه «جنين جنين» الذي يعد تجربته الإخراجية الأولى. وقال المخرج والممثل الفلسطيني محمد بكري لـ«الإمارات اليوم» «اتهمت بالعنصرية لأني صوّرت الواقع الذي لم يقدر الإعلام على تصويره بعد منعه من دخول مدينة جنين، التي تعرضت لأبشع المجازر التي حدثت في التاريخ». وأضاف «أنا انتظر الحكم، ومهما كان سأتقبله، لأن فلسطين تحتاج منا إلى كثير من التضحيات». بكري أكد أنه سيظل مخلصاً للفن والكاميرا مهما كانت النتائج، «لأننا بالفن يمكن أن نحرك العالم ونلفت نظره إلى قضيتنا العادلة أكثر من القنابل، عبر الفن يمكننا تجسيد رائحة الموت، وهي شيء غير ملموس لا يستطيع أن يعبر عنه إلا الفن».

وقال «أدرك أن الحرب مع الكيان الاسرائيلي تتعدى مسألة الأرض التي هي بالأساس مغتصبة، لأنها صارت حرباً ثقافية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى»، وأضاف «أنا ممثل، ولم أكن أتوقع أن أقف يوماً خلف الكاميرا، ولكن من هول ما سمعت عن مجزرة جنين، خصوصاً أن إسرائيل منعت وسائل الإعلام من دخول المنطقة قررت أن أذهب بكاميرا استأجرتها من محل لتصوير الأفراح»، وأوضح «تهمتي أن فيلمي يحكي عن جنين التي لم يصل الناس إلى حقيقة ما حدث فيها، تهمتي أني صورت رائحة الموت المنبعثة من كل مكان». وأضاف «كنت أقدم مسرحية للوركا في مدينة الناصرة، وفي تلك الأثناء قامت القوات الإسرائيلية باجتياح جنين، وكان أول رد فعل من قبلي أن قمت بوقف عروضي المسرحية، ثم بدأت تصلنا أخبار مفادها أن الجيش الاسرائيلي قام بإغلاق جنين ومنع دخول الصليب الأحمر ووسائل الاعلام، فشعرت كما شعر الكثير بأن هناك شيئاً سيحصل وسيكون مدمراً، فقررت وفريق العمل في المسرحية الاعتصام امام القنصلية الأميركية في القدس احتجاجاً على السياسة الاميركية الداعمة، وغنينا أغنية الشيخ امام (شرفت يا نيكسون بابا)».

وأوضح أنه في ثاني أيام المجزرة شارك هو والممثلة الفلسطينية فالنتينا في تظاهرة سلمية «وقفنا رافعين الشعارات فجاءت سيارة جنود إسرائيلية وأطلقت النار علينا فأصيبت فالنتينا، وفي هذه اللحظة سألت نفسي: إذا كنا نحن المسالمين والواقفين بشكل حضاري تم إطلاق النار علينا، فما الذي تفعله اسرائيل بأهالي جنين؟ فقررت الدخول الى جنين مهما كانت العواقب، وإذا كانت الحقيقة وقولها هي التهمة التي ستلاحقني فأهلاً بها».

درويش في الذاكرة
تدور أحداث الفيلم الذي يجسد فيه المخرج والمثل الفلسطيني محمد بكري شخصية الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، حول طفولة وشباب هذا الشاعر الكبير الذي يعيس في قلوب الفلسطينيين والعرب جميعاً. ويروي الفيلم علاقة درويش بأصدقائه الشخصيين الذين قضى معهم أوقاته في مختلف البلدان في العالم، حيث كان دائم التنقل من دون أن يستقر به الحال في بلد معين، كما يصوّر علاقته بعائلته في قرية الجليلية الجديدة على مسافة بضعة كيلومترات من مسقط رأسه قرية «البروة» المهجّرة.


ويتناول الفيلم روائع درويش الشعرية والأدبية والسياسية، مروراً بكل محطاته التاريخية والجغرافية منذ طفولته في «البروة» قبل النكبة وصولاً إلى بدايات شعره وعلاقته بالكتاب واللغة والملاحقات من قبل أجهزة السلطة الإسرائيلية. ثم يتطرق إلى مرحلة خروجه من البلاد إلىأ موسكو، مصر، بيروت، باريس، تونس، رام الله، عمان، وصولاً إلى الثرى الذي احتضنه فيأ رام الله، فهي بالنسبة إلى بكري سيرة ذاتية تحمل قصة شعب مازال يبحث عن الحرية والاستقلال تتجسد في قصة شاعر وإنسان عملاق.



زهرة
يصور بكري في فيلمه الوثائقي الأخير «زهرة» خالته زهرة التي شُردت من منطقتها عام ،1948 ولكنها ظلت مُصرّة على أن تعود إليها. وأوضح أنه ولمدة ثلاث سنوات وهو يحضر للفيلم ويجوب برفقة خالته أماكن ويزور أشخاصاً لتكوين شهادات حية عن النكبة التي مازال أثرها موجوداً». وقال «الجلطة القلبية التي تعرضت لها خالتي كانت بمثابة جرس إنذار للإسراع في تسجيل شهادتها وشهادة من حولها بطريقة مختلفة عن الافلام التي قدمت فيها قصص النكبة»، وأضاف «لا تترك زهرة قضية إلا وتتطرق إليها، بدءاً من زواجها بابن عمها حسن مروراً بالهجرة القسرية لها من قريتها «البعنة» في الجليل وعودتها إليها بعد أن أقل من عام، مقدمة صورة واضحة لنجاح ما يقارب من 150 ألف فلسطيني في البقاء أو العودة إلى منازلهم في مدنهم وقراهم التي رحلوا أو أجبروا على الرحيل عنها في عام 1948».

تروي زهرة حكايات من رحلة السفر من قريتها الى لبنان، ومنها قصة تلك المرأة التي كانت حاملاً في شهرها التاسع وجاءها المخاض وهي في الطريق، فما كان منها إلا أن قطعت الحبل السري بحجر ولفت ابنها وحملته وأكملت السير، وتحكي اول شتيمة سمعتها من الناس وكانت حينها «يا لاجئة»، فاللجوء كان يعتبر شتيمة وعاراً كبيراً على من ترك أرضه، أما اليوم فاللاجئ يعتبر رمزاً نحتمي وراءه لنحقق العدل في عودته، وهي المطلب الرئيس الذي لا نستغني عنه كالقدس تماماً. وأشار إلى أن الفيلم مبني على قصة حقيقية تتضمن الرحلة التي واجهها اللاجئون الذين تركوا منازلهم خوفاً من الجوع والعطش، وهي تركيز على الطريق الطويل الذي لا يعرف برداً أو مطراً، بل يعرف قهراً وظلماً وحسرة.

الخط الأخضر
وقال بكري الذي يؤمن بأن الفن قادر على أن يكون صلة الوصل بين شعوب العالم «أحرص على عرض جميع أفلامي التي أقوم بإخراجها أو التمثيل فيها داخل الخط الاخضر(إسرائيل)». وأضاف «أنا أعيش هناك، لأني متمسك ببيتي وأرضي، على الرغم من المعاملة السيئة التي أتعرض لها، وأن عدداً من الدول العربية يتعامل معي كإسرائيلي لأني مجبر على حمل جواز سفر إسرائيلي». وأكد أن إسرائيل استطاعت أن تستميل عاطفة أوروبا وأميركا بكمية الافلام التي تنتجها سنوياً، ناهيك عن إعلامها القوي وسيطرتها على إعلام تلك الدول، لذلك أعرض أفلامي وأحرص دوماً على وجودها أمامهم كي أقول لهم إنني كفلسطيني موجود وحي، وأن العالم لم يعرف بعد الحقيقة الكاملة.
تويتر