«أنـا وسندريـلا».. تستعد لخشبـــــــة «قصر الثقافة»
شباب يعملون بجدية في الـ10 مساء داخل غرفة إدارية لا تمت بصلة لخشبات المسارح أو أشباهها، يستجيبون لتعليمات مخرج يمارس المهنة أول مرة، لكنهم لا يترددون في طرح آرائهم وكأنهم جميعاً «مخرج» في جسد واحد، ومواهب تعمل بكل جدية، وعلى المقاعد أم تنتظر صغيرتيها المشتركتين في تمارين مسرحية «أنا وسندريلا» التي تشارك في الدورة المقبلة من مهرجان مسرح الطفل الذي ينطلق في قصر الثقافة في الشارقة ابتداءً من 28 يناير المقبل.
«المشهد» الذي رصدته «الإمارات اليوم» في مسرح دبي الأهلي على مدار الأيام الماضية ليس الفريد من نوعه، بل هناك العديد من الأعمال المسرحية التي يجري الإعداد لها في سباق مع الزمن من خلال شباب الكثير منهم شارك في دورة مهرجان دبي لمسرح الشباب الأخيرة، بهدف عرضها خلال المهرجان الذي يتم التوصية في ختامه دائماً بضرورة بذل مزيد من الجهد لغرض إنتاج أعمال نوعية في أحد أهم وأخطر أنواع المسارح وأكثرها حاجة إلى خبرة ودراية كبيرتين.
غياب «الكبار»
وعلى خلاف التوصيات النظرية التي تُسجل في المحاضر الرسمية لأعمال لجان مسرحية كثيرة، وآخرها «ملتقى المسرح المحلي» وتوصي بـ «ورش عمل» أو «إشراف حقيقي» من ذوي الخبرة والمسؤولية في المسرح المحلي، غاب «الكبار» عن حضور تمارين العرض المسرحي رغم حداثة خبرة المخرج الذي يتحول أول مرة عن التمثيل والتأليف، بعدما حصل في المجال الأخير على لقبين شديدي التضاد الأول متعلقاً باتهامه بالسرقة الأدبية وحرمان عمله من فرصة المنافسة على جوائز الدورة السابقة من مهرجان الطفل، والآخر تكريمه خلال الدورة الماضية أيضاً من مهرجان الشباب باعتباره صاحب أفضل نص مسرحي عن مسرحية «المسرحية».
ليس مصادفة إذاً أن تضم مسرحية «أنا وسندريلا» أحد العناصر الأساسية من مسرحية «المسرحية» التي استأثرت بمعظم جوائز مهرجان دبي لمسرح الشباب، وهي الصاعدة بدور، التي حصلت على جائزة أفضل ممثلة في المهرجان، لأن «الشباب» حسب تصريحات أسرة «أنا وسندريلا» ذهبوا إلى تكوين ما يشبه الجماعات الفنية، التي يتعاون أعضاؤها في ما بينهم من خلال أعمال فنية تتجاوز حدود الانتماء إلى خشبة مسرحية بعينها، وهو ما يفسر وجود المخرج حمد الحمادي الذي حافظ على وجوده بشكل سنوي كمخرج في دورتي مهرجان الشباب الأخيرتين، ولكن كممثل ذي تجارب إخراجية يسخرها من أجل نجاح العمل، هذه المرة في «أنا وسندريلا»، بعيداً عن فكرة «أنا المخرج» التي تسيطر على رؤوس مخرجين تقليديين تجعلهم ينظرون إلى أوجه النظر المغايرة في العمل من قبل الممثلين على أنه «تعدٍ وتجاوز لصلاحيات الممثل».
في هذا الإطار الجماعي ينظر الفريق إلى جهود الممثل حسن التميمي بشكل مغاير ويلجأون إليه كمستشار في شؤون «الفصحى»، على حد تعبير مخرج «أنا وسندريلا»، الذي يؤكد أن كل فرد من أفراد العمل لا يحصر طاقاته في إطار دوره المحدد وفق السيناريو أو مهامه الفنية فقط، بقدر ما يلتزم بحس المبادرة لتقديم أي جهد يصب في صالح حسن إنجازه، وهو أمر لا يرتبط بالعناصر المشاركة في «أنا وسندريللا» فحسب، بل يشمل أيضاً أشخاصاً آخرين يتعاونون في إطار الجماعة المسرحية الواحدة لم تسمح طبيعة العمل أو انشغالاتهم الحالية بالوجود في المسرحية، مثل مروان عبدالله وحسن يوسف وابراهيم استادي.
طفل كبير
بفرحة كبيرة وصف مخرج «أنا وسندريلا» طلال محمود نفسه بأنه «طفل كبير»، مضيفاً «في مختلف مفاصل الأعمال التي شاركت بها لمسارح الشباب والكبار كنت أحلم بعمل ينسجم مع أحاسيس الطفولة التي تنتابني، لذلك لم أصدق بعضهم حينما حذرني من تجربة إخراج «انا سندريلا»، واصفين العمل بأنه أكبر من قدراتي، لكنهم تناسوا أيضاً بأن التجربة قد لا تتناسب مع النمطية البالغة التي يقصدونها».
وأكد طلال أن اتهامه بالسرقة الأدبية في الدورة الماضية من مهرجان الطفل لن يشكل له هاجساً ثقيلاً أثناء العمل على خشبته في الدورة المقبلة، مضيفاً «جئت بثوب جديد هذه المرة وهو المخرج، بعدما حصلت على جائزة أفضل نص في مهرجان دبي لمسرح الشباب، وإذا كان البعض قد تجاهل عالمية محتوى مشاركتي السابقة وفضل استبعاد العمل من المسابقة الرسمية، فإن هذا البعض ربما يتلاشى عن منصة التحكيم هذا العام، لكنني لن أكف عن الإبداع لمسرح الطفل، مخرجاً أو مؤلفاً وايضاً ممثلاً». يذكر أن طلال محمود يشارك مع حمد الحمادي في مسرحية من تأليف وإخراج عبدالله صالح بعنوان «سعدون» تُعرض أيضاً خلال مهرجان مسرح الطفل في دورته المقبلة.
|
تجربة مغايرة
الممثل محمد السعدي الذي جمع أخيراً بين النشاطين الإداري والتمثيلي في مسرح دبي الأهلي اقتطع وقتاً هو شديد الاحتياج إليه من أجل إتمام تصوير أحد الأفلام السينمائية المشغول بإخراجها، من أجل الوجود ضمن أسرة «أنا وسندريللا»، مشيراً إلى أنه بعد تجربته الأولى في مهرجان دبي لمسرح الشباب كان تواقاً للاشتراك في مسرحية ذات رسالة اجتماعية وأخلاقية موجهة للأطفال وهو ما تحقق له في هذا العمل، أما الفنانة أشواق التي باتت تغيب وتظهر تلفزيونياً ومسرحياً على فترات متباعدة فهي الوحيدة التي تقوم بدورين متناقضين هما دور «أم سندريللا» و «زوجة الأب الشريرة»، مؤكدة أن «مسرح الطفل يحمل دائماً تجربة مغايرة وتحديات أكثر صعوبة من مسرح الكبار النمطي»، فيما يشكل العرض تجربة مختلفة ايضاً لمؤلفه أحمد الماجد الذي لم يشارك في الدورة الأخيرة لمهرجان دبي لمسرح الشباب رغم مشاركته في سابقتها بنصين مختلفين.
أما مدير الإنتاج محمد عبدالرزاق فقد أشار إلى أن ميزانية العمل «محكومة بتلك التي تحددها وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع»، لافتاً إلى أنه لا يجد صعوبة في ما يتعلق بأجور الممثلين نفسها «لأن الجميع مجمع على أن الأولى بالاهتمام الإنتاجي هي عناصر العمل الأخرى التي تحتاج إلى ميزانية غير ممكن التفاوض بشأنها، مثل الاكسسوارات والديكور وغيرهما»، مضيفاً أن هناك «حالة قصوى من إنكار الذات بين أسرة (انا وسندريللا) نسعى إلى مقابلتها في الوقت ذاته بتقدير الجهود المبذولة على نحو جيد».
أما الطفلة أصالة التي أصبحت وجهاً مألوفاً في عدد من المسرحيات الأخيرة فهي أيضاً إحدى ثمار الورشة المسرحية الدائمة التي تقيمها شركة تكافل للإنتاج الفني، بالتعاون مع صندوق التكافل الاجتماعي لجمعية المسرحيين، وتؤدي دور إحدى أخوات سندريللا التي تُجسد دورها الفنانة بدور، فيما يؤدي حمد الحمادي دور الأمير، وحسن التميمي دور «الملك»، أما دور محمد السعدي فهو «الجني الشرير».
المحور الدرامي للعمل حسب مخرجه طلال محمود يدور حول «فتاة صغيرة تدعى عاليا تنتقل خلال قراءتها بتقمص شديد لإحدى قصص سندريلا إلى عالمها المتخيل لتعيش مواقف درامية وكوميدية متعددة تتخللها رسائل اجتماعية وتربوية في طاعة الأم والتمسك بالهوية وعشق اللغة العربية، وغيرها من السلوكيات التي تصل إلى المتلقي الطفل بعيداً عن الصيغ التقريرية المباشرة.