جيل هيرون يعود بعد غياب تجاوز 25 عاماً. أ.ف.ب

‏هيرون.. راوي الحكايا الحزينة‏

‏يحتفي نقاد وموسيقيون حول العالم بعودة المغني والموسيقي العالمي جيل سكوت هيرون الذي لعب دوراً محورياً في تغيير ملامح الحراك الموسيقي في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. واعتبرت أغنيته «الوطن حيث يكمن الكره والبغضاء» التي أطلقها مطلع السبعينات بمثابة النشيد الوطني لليسار في أوروبا ومنظمات الدفاع عن حقوق الزنوج في أميركا. وترصد الأغنية التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كان يشهدها العالم في ذلك الوقت، وتميزت موسيقاه وطرق غنائه بأنها تشبه رواية «الحكايا الحزينة».

وتمثل عودة هيرون بعد انقطاع تجاوز الـ25 عاماً في ألبوم موسيقي جديد يحمل عنوان «أنا جديد هنا» حدثاً أفردت له صحف العالم مساحات احتفائية، خصوصاً بسبب العزلة التي فرضها على نفسه طوال الفترة الماضية. وقال هيرون المعروف بلقب «بوب ديلان الاسود»، أو «عراب موسيقى الراب» لصحيفة «الاوبزيرفر»: «عشت أوقاتاً سيئة في حياتي عندما كان من المفروض بي أن اقوم بأشياء اخرى. واحياناً يؤدي ذلك إلى فقدان المرء الاصدقاء والجمهور والزوجة ايضاً». وحتى هذه اللحظة لم يفصح هيرون عن الأسباب التي دفعته إلى الانسحاب من الساحة الفنية في عز شهرته، على الرغم من مؤشرات كثيرة تدل على تورطه في تعاطي المخدرات. في عام ،2001 حُكم على سكوت هيرون بالسجن لمدة ثلاث سنوات لامتلاكه كمية من الكوكايين ومخدرات اخرى. وكان بإمكانه وقتها أن يتجنب هذه العقوبة لو انه خضع لبرنامج اعادة تأهيل، بيد انه لم يظهر في المحكمة مطلقاً. وقال القاضي «لديك كل هذه الفرص لمساعدة نفسك، ولكن يبدو أنك لا تكترث بالامر كله». واثبتت الاحداث التي تلت لاحقاً انه لم يكن يكترث حقاً على الرغم من نفيه الكامل لتهمة تعاطي المخدرات، واعتبر الأمر بمثابة مؤامرة عليه.

وفي أكتوبر من عام ،2003 تم اعتقاله وهو في الطريق الى احدى الحفلات في شيكاغو. وتم اعتقاله ثانية بسبب امتلاكه مواد ممنوعة. وفي عام ،2006 تم اعتقاله وحُكم عليه بالسجن ما بين عامين الى اربعة بسبب انتهاكه بنود اطلاق سراحه بشروط، عندما غادر مركز اعادة تاهيل المدمنين. وتم نقل سكوت مرة ثانية الى جزيرة ريكرز ليخدم عقوبة سجن مرة اخرى واصبحت حياته متمزقة، كما ان مسيرته الفنية بدت وكأنها وصلت الى النهاية، ولكن ماحدث كان عكس ذلك، إذ بدأت مسيرة فنية اخرى للفنان.

حكاية ألبوم

عودة هيرون تأتي بمثابة الاعتراف بالجميل والأهمية من قبل مدير مؤسسة كانونوغيت للكتب جيمي باينغ، الذي قرر انتاج عمل جديد لفنانه المفضل. وقام جون بالبحث في الأرشيف والاشياء التي تركها هيرون خلفه، واكتشف مجموعة من أغنيات الراب التي تنتقد السلطة والفساد في العالم، إضافة إلى مقطوعات موسيقية تتناول الانقسامات الاجتماعية في المجتمع الاميركي. تراوحت هذه الاغنيات ما بين التأملية مثل «الشتاء في اميركا»، و«ليدي داي وجون كولتران» و«اعتقد اني ادعوه صباحاً». إضافة إلى أغنيات اجتماعية مثل «وطني حيث يكمن الكره» و«آراء رجل» و«قنينة» التي تحدث فيها عن موضوع الادمان على الكحول، واغنيات هجاء قاسية مثل«اتش 2 او» و«وايتي على القمة» و«الثورة لن يتم عرضها على التلفاز» التي دخل عنوانها الى القاموس الثقافي لاغنيات البوب. ومن المفاجآت التي ستشهدها مسيرة هيرون اكتشاف مخطوطات لأعمال روائية يعتقد أنه كتبها آواخر الثمانينات وهما بعنوان «الجشع» و«مصنع الزنوج».

في عام ،2006 طلب رجل الاعمال البريطاني ريتشارد راسيل، من باينغ اقناع هيرون بإنتاج ألبوم جديد له، لكن الأخير دخل السجن، وقال بعد اعتقاله: «سجن جزيرة ريكيرز يدب الرعب في القلب، عمليات التفتيش والانتظار تجعلك تشعر بأنها مصممة خصيصاً لك. وعندما تصبح داخل السجن تقدر الحرية التي تعيشها في الخارج». وكان هيرون مسالماً وهادئاً وهو محاط بالبؤس والتوتر.

«السهم الأسود»

ولد هيرون في شيكاغو عام ،1949 وكانت أمه (بوبي سكوت هيرون) امينة مكتبة ومغنية شهيرة، بينما كان ابوه جيلز هيرون من جامايكا رياضياً اطلق عليه في خمسينات القرن الماضي لقب «السهم الاسود». عاش طفولته عند جدته لأمه، ليلي سكوت، في بلدة جاكسون بولاية تينيسي، قبل ان ينتقل الى نيويورك وهو في عامه الـ،13 بعد ان توفيت جدته. ونظراً لمهارته في الكتابة اثناء عمر المراهقة حصل على منحة تعليمية في مدرسة فيلدستون بولاية نيويورك، ومن هناك ذهب الى جامعة لينكولن بولاية بنسلفانيا. واختار هذه الجامعة لانها المكان الذي درس فيه بطله ونجمه المحبوب بريان جاكسون. والتقى هناك بريان جاكسون وهو شريكه الموسيقي في عدد من اشهر الاغنيات التي تلت لاحقاً. وصنع الرجلان موسيقاهما معاً خلال سبعينات القرن الماضي، والتي عكست الاضطراب والتردد والتشاؤم المتزايد في ذلك الوقت، وأدت إلى دمج التقاليد الروحانية وموسيقى الجاز معاً، واستغلال تقاليد الشعر المحكي التي ترجع الى عصر موسيقى البلوز. وبدت تلك الموسيقى غاضبة احياناً ومتحدية ومفعمة بالحزن احيانا اخرى، في حين ان قصائد سكوت الغنائية كانت تمتلك الكثير من الهجاء، الامر الذي ميزها عن غيرها من الاغاني التي كتبها اخرون.

هجاء الواقع

وقال جيمي باينغ: «ليس هناك العديد من كتاب الاغاني الذين يستطيعون ان يضمّنوا اغانيهم هجاءً وانتقاداً للواقع الاجتماعي غير بوب ديلان، ولكن سكوت لم يكتفِ بذلك فقط وانما كتب عن وضع العالم، وعن المجتمع والعائلة والمتاعب التي تواجه الفرد، ولم يتنازل أبداً عن مواقفه ولذلك كانت موسيقاه حقيقية و صادقة». كان هيرون وسيظل ذلك الموسيقي الذي حظي بالتبجيل نظراً لاخلاصه وصدقه الذي نال اعجاب واحترام التيار الفني السائد في وقته. وكان تاثيره متغيراً في الوسط، مع ان قلةً من مطربي الراب كانوا يستطيعون مجاراته في مهاراته الفنية. وقال: «بذلت جهداً كبيراً لأحصل على درجة الماجستير، وهذا لا يعني اني حصلت عليها بسهولة وانتهيت من التعلم، وانما اواصل التعلم باستمرار».

وقال منتج الالبوم: «يرى هيرون نفسه كمغنٍ راوي حكايات. وهو يجلب معه الى الاستوديو طاقته الاستثنائية، هذه القدرة الطبيعية التي منحها له الله كي يغني ويقول الكلمات كما هي بالضبط. ومن هذا المنطلق كان انتاج هذا الالبوم سهلاً جداً»، واضاف «كان هناك بعض الصعوبات تتعلق بسكوت نفسه، إذ إن هذا الرجل لا يعمل حسب الزمن الذي يعرفه الناس، فهو ينهض متأخراً وربما لا ينهض ابداً. وربما لا يظهر في استوديو التسجيل اياماً متواصلة. ولكنه عندما يظهر فإنه يكون رائعاً جداً، فهو فنان يختلف عن جميع الفنانين الذين عرفتهم. وليس لديه مفهوم محدد للوقت، ولايعير اهمية كبيرة للمال. وهو يبدو متحرراً من جميع الاعباء اليومية الطبيعية التي يعاني منها الناس العاديون».

الأكثر مشاركة