احتفاء نخبوي وشعبي بحفلته الأولى في القاهرة
زياد الرحباني.. مصــر يا أم العجايب
تراقصت مياه نهر النيل طرباً بموسيقى وشدو الموسيقار اللبناني زياد الرحباني، الذي استقبلته القاهرة ونخبها الثقافية استقبالاً كبيراً وغنوا معه للمرة الأولى وجهاً لوجه وليس عبر الأثير أو شاشات التلفزة.
أقام الرحباني (54 عاماً) وهو من أسرة عشقت الفن والموسيقى حفله أول من أمس، في قاعة «النهر» المطلة على النيل في «ساقية الصاوي» في الزمالك في افتتاح الدورة الثانية لمهرجان القاهرة للجاز.
هو ابن فيروز صاحبة الصوت الملائكي والشهرة العالمية، ووالده عاصي الرحباني أحد الأخوين الرحباني رائدي الموسيقى والمسرح الغنائي اللبناني.
هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها الرحباني ـ الذي يرى بعض النقاد في أعماله «تسجيلاً لكل هموم الوطن العربي» ـ مصر التي انطلق منها كثير من الفنانين العرب نحو الشهرة. وقدم الرحباني في الحفل الذي حضره أكثر من 2000 شخص، واستمر نحو ساعتين، العديد من أعماله الشهيرة التي استهلها بتوزيعه الخاص لأغنية سيد درويش خاصة مقطعها الشهير «مصر يا أم العجايب». تنوّعت موسيقاه في الحفل بين الجاز وأعمال غنائية على أنغام الجاز أداها كل من المغني المصري الشاب هاني عادل والمغنية السورية الشابة منال سمعان وكلاهما لاقى استحساناً كبيراً من الجمهور.
ولا تحظى موسيقى الجاز بشعبية كبيرة في مصر والعالم العربي بشكل عام، حيث تطغى ثقافة الأغنية والطرب على ذهن المتلقي وهو ما بدا جلياً في الحفل من تفاعل الجمهور مع الاغاني بقدر أكبر من تفاعله مع المقطوعات الموسيقية. ومن المقطوعات الموسيقية الشهيرة التي عزفها الرحباني وفرقته «هدوء نسبي» و«العقل زينة» وغيرهما. وكان الرحباني يعزف على البيانو.
وضم الرحباني آلات موسيقية شرقية إلى فرقته خلال الحفل مثل «القانون». وأضفى «القانون» على وجه الخصوص سحراً خاصاً نابعاً من قلب الشرق على موسيقى الحفل. ومن الأغاني التي لحنها الرحباني وقدمت في حفله «معلومات مش أكيدة» و«للأفضل إنك تحتشمي» و«بلا ولا شي» و«روح خبر عني».
وكانت فيروز الغائب الحاضر في الحفل الذي تضمن العديد من الأغاني الفيروزية الرائعة التي تجاوب الجمهور معها بدرجة كبيرة جداً ورددها مع منال سمعان وهاني عادل، مثل «تلفن عياش» و«ليلي ليلي ليلي يا ليل» و«بكتب اسمك يا حبيبي» و«سهار بعد سهار» التي لحنها الموسيقار المصري الراحل محمد عبدالوهاب.
وشارك الرحباني بالغناء في أغنية واحدة فقط هي «بما إنو» وذلك بعد الحاح شديد من الجمهور الذي كانت أغلبيته العظمى من الشباب المصريين والعرب والأجانب. وفي نهاية الحفل كرّم القائمون على المهرجان الرحباني «لدوره في إثراء الفن العربي»، وأهدوه تميمة المهرجان. وضمت فرقة الرحباني التي أحيت الحفل عازفين من مصر ولبنان وسورية وهولندا وفرنسا وبلغاريا وسويسرا وروسيا وروسيا البيضاء.
وواجه الحفل المكتظ عن آخره بالجمهور بعض المشكلات التنظيمية قبل بدايته بسبب الازدحام الشديد. وسارع مدير «ساقية الصاوي» محمد عبدالمنعم الصاوي، لتقديم الاعتذار للحضور عن هذا الازدحام وبرّر ذلك بكثرة الطلب على التذاكر، الأمر الذي دفع إدارة المهرجان لإعادة فتح باب حجز التذاكر أكثر من مرة لاتاحة الفرصة لأكبر عدد لمتابعة هذا الحدث الفني والثقافي «التاريخي»، على حد وصفه.
وقال صاحب فرقة «افتكاسات للجاز» ومنظم المهرجان عمرو صلاح، عن زيارة الرحباني الأولى لمصر ومشاركته بالمهرجان: «زيارة زياد الرحباني هي زيارة عزيزة جداً وجاءت بعد طول غياب.. وهي فرصة كبيرة وعظيمة للمهرجان. المهرجان نال شرف دعوة فنان كبير وعظيم يمثل ذاكرة التاريخ العربي. سجل زياد الرحباني في أعماله كل هموم الوطن العربي».
ويرى بعض الموسيقيين، ومن بينهم المصري فتحي سلامة ـ الذي يصنّف في مصر على أنه موسيقي جاز ـ أنه لا توجد موسيقى جاز حقيقية سواء في مصر أو العالم العربي. لكن صلاح أبدى رفضه الشديد لوجهة النظر هذه وقال: «هذا الكلام غير سليم.. هناك أكثر من فرقة جاز مصرية عظيمة تمثل مصر في المهرجانات الدولية. المهرجانات الدولية لا تعرف الوساطة واختيار فرق مصرية وعربية للمشاركة في هذه المهرجانات يعني اعترافها بوجود جاز في مصر والعالم العربي».
والجاز نوع من الموسيقى ارتبط بتاريخ الولايات المتحدة، فمع قدوم الأفارقة السود عبيداً في الأساس والمهاجرين البيض من أوروبا نشأت ثقافات مختلفة نتيجة لهذا المزج أفرزت هذه الموسيقى.
ورفض الرحباني في مؤتمر صحافي عقده في القاهرة يوم الثلاثاء الماضي تصنيف موســيقى الجاز إلى شرقية وغربية قائلاً: «أرفض التصنيفات في موسيقى الجاز بين الجاز الشرقي والغربي إلى آخره من تسميات.. موسيقى الجاز هذه موسيقى الشعوب التي تفهمها وتعبر عن معاناتها من دون تصنيفات.. فلا يوجد هناك موسيقى غربية ولا موسيقى شرقية هناك موسيقى يستمتع بها البشر»
وحظيت زيارة الرحباني الأولى لمصر باهتمام وحفاوة إعلامية واسعة.
ودعا الشاعر العامي أحمد فؤاد نجم لمنح الرحباني الجنسية المصرية. وقال الرحباني عن هذه الدعوة مازحاً: « لم أصدق.. لم أقم في مصر إلا ساعات فهل سأحصل على الجنسية بهذه السهولة». وكما كانت الحال مع والدته لم تكن القاهرة محطة انطلاق له نحو الشهرة على الصعيد العربي مثلما حدث مع كثير من الفنانين العرب اذ كانت بيروت هي قاعدة انطلاقهما. وكانت عاصمة المُعز مجرد محطة عابرة لفيروز. ولم تقم فيروز سوى ثلاث حفلات في القاهرة كان أولها بحديقة الأندلس عام ،1976 فيما أقيم حفلان على مسرح الصوت والضوء تحت سفح الهرم عام .1989
ولا تقتصر موهبة الرحباني الابن على الموسيقى والتلحين، بل بدأ حياته شاعراً كما له تجارب عدة في التأليف المسرحي. وهو مولع بالسياسة وهو عضو في الحزب الشيوعي اللبناني، كما عمل بالصحافة وكتب في أكثر من جريدة لبنانية، منها «النداء» و«النهار» و«الأخبار». وإلى جانب الرحباني يكرم مهرجان القاهرة للجاز خلال فعاليات دورته الثانية التي تقام في الفترة من 11 إلى 15 مارس الجاري الموسيقار الإسباني كارلوس بنافنت، والموسيقار المصري عمر خيرت، الذي يختتم عروض المهرجان. ويتوقع المنظمون أن يتابع المهرجان 10 آلاف متفرج. ويستضيف المهرجان عدداً كبيراً من فرق الجاز المصرية والأجنبية من الولايات المتحدة والنمسا وكوريا الجنوبية واليابان وإسبانيا وهولندا وألمانيا وفرنسا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news