‏‏

‏تميم البرغوثي قرأ في عجمان لجدّة الحرب والهجرتين‏

تميم البرغوثي. من المصدر

‏ وسط حضور جماهيري استثنائي قرأ الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي، مجموعة من قصائده لقيت تفاعلاً لافتاً من الحضور، في الأمسية الشعرية التي نظمتها دائرة الثقافة والإعلام بعجمان بالتعاون مع جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، مساء أول من أمس، في قاعة الشيخ زايد بجامعة عجمان، تفاعل بشكل حيوي مع هذه الإطلالة الشعرية، وانطلقت الأمسية التي حضرها سموّ الشيخ راشد بن حميد النعيمي رئيس دائرة البلدية والتخطيط بعجمان، بقصائد جمعت في محورها الدلالي هموم الإنسان العربي الفلسطيني في نداءات الألم والأمل معاً، عبر حكايات شعرية اتخذت من الرمز مسلكاً تعبيرياً لمسافات «الوطن، الجرح، الحياة، ذاكرة الأشياء» التي يمتزج فيها ضوء اللحظة الإنسانية الخاطفة مع عبق السرد الشعري ضمن إحساس عفوي صادق يرسم لوحات جمالية لوقائع المشهد الفلسطيني وجذوره الضاربة في طقوس المأساة والعزلة ودراما الألم الحاضر بقوة في فضاء الذاكرة العربية.

هذا ما جسدته معظم قصائد الأمسية وخصوصاً قصيدة «في القدس» التي افتتحها الشاعر تميم البرغوثي، بسؤال الجرح الفلسطيني المفتوح إلى السماء، حين يتناغم وريد الذاكرة بحنين النبض المسكون برائحة التراب المحاصر، فيزداد شوق الروح لضوء الخلاص ولمدينة القلب وهي تصبغ جبهتها بألوان الغياب وأسرار الحب وفرحة اللقاء.

(مررنا على دار الحبيب فردنا

عن الدار قانون العادي وسورها

فقلتُ لنفسي ربما هي نعمة

فماذا ترى في القدس حين تزورها؟

ترى كل ما لا تستطيع احتماله

إذا ما بدت من جانب الدرب دورها

وما كل نفس حين تلقى حبيبها تُسر

ولا كل الغياب يضيرها)

ليستمر نزف القصيدة في التحليق عالياً صوب عفوية البوح وتلقائيته في تواشج شعوري يجمع بين الذات والحلم والوطن، من خلال سرد حكائي يجنح لرؤية واقعية وتخيلية تتحرك شعورياً في إضاءة تفاصيل الحكايات الإنسانية الصغيرة، متخذاً من دلالات الفقد والتدفق ومدونات التاريخ والحياة، نافذة رمزية تؤثث لمسافة من التحليق الشعري المرسوم بريح الطفولة وهي تكتب بأجنحة اليمام أكاليل الرصاص وشواهد الموت العتيق.

(في القدس، رغم تتابع النكبات،

ريح براءة في الجو، ريح طفولة

فترى الحمام يطير، يعلن دولة في الريح بين رصاصتين

في القدس تنتظم القبور، كأنهن سطور تاريخ المدينة والكتاب ترابها

الكل مروا من هنا..)

وفي قصيدة «نفسي الفداء لكل منتصر حزين» كان وجع المكان وعنفوان اللحظة القصوى من أناشيد الفجيعة، حاضرة بقوة في جسد القصيدة التي جنحت صوب تأمل تاريخي لا يخلو من نكهة شعرية جسدتها مسافات البوح التي تكحلت بالزيتون المبتسم لثوب الوطن المحمول بأفئدة الأمل واليقظة والكبرياء .

(نفسي الفداء لعرق زيتون من البلد الأمين

أضحى يقلص ظله

كالشيخ يجمع ثوبه لو صادفته بِركَةُ في الدرب

حتى لا يمر مجند من تحته)

 

وليس بعيداً عن فضاء القلب وقهوة الجدات وخبزهن المعطر بقمح الوطن، أنشد الشاعر تميم البرغوثي، قصيدة «جداتنا» بنفس شعري دافئ وبحس تصويري يلامس بملح القلب أفق التمني لأقمار الوجد والأمومة الحانية على جفن الحقول، وهي تبلل عروس المدائن بكلام الطين الأول للأشياء، في لوحة شعرية تغازل بعطائها الإنساني مسيرة تلك النسوة اللواتي يحملن مائدة الروح المسكونة بحليب الوطن وذاكرة العشب والطفولة والأغنيات رغم قيد الألم ومساءات الفرح البعيد.

(يا جدّة التين والزعترين،

المجفف والأخضر الجبلي

ويا جدة الحرب والهجرتين

سلام على طبك المنزلي

إذا أنت دلكت بالزيت صدر الزمان

كما تفعلين مع الطفل حين يحم

سلام لصوت العتابا النقي

إذا رحت تستأنسين الألم

وتصح الليالي بإنشادها)

وفي نهاية الأمسية التي أدارها الشاعر الإماراتي إبراهيم محمد إبراهيم، قدم مدير عام دائرة الثقافة والإعلام بعجمان إبراهيم سعيد الظاهري، درعاً تكريماً للشاعر البرغوثي، وسط حفاوة جماهيرية تميزت بتفاعلها الثقافي والمجتمعي.

تويتر