«الرمز المفقود».. قليل من الفن وكثير من الثرثرة. الإمارات اليوم

«الرمــز المفقــود».. 24 ساعة ثرثرة‏

‏يبدو أن التوفيق، والتشويق كذلك، قد جانبا الكاتب الأميركي الشهير دان براون، في روايته الجديدة «الرمز المفقود»، إذ حاول الكاتب ـ كعادته ـ أن يمزج بين التاريخي والأسطوري والواقعي، فالتقط الخيط من «الماسونية» بكل ما يحيط بتلك الجماعة من غموض وحكايات ملتبسة، ومعرفة باطنية، وأنشطة سرية، لكن لم يحالف براون حظ الفن، فطغت الثرثرة على الإبداع، واستحالت روايته الجديدة إلى عريضة دفاع محتشدة بالمعلومات عن الماسونيين وأهدافهم السامية، دون معالجة فنية، وبالتالي خفت بريق «الرمز المفقود»، وفقد عالمها كثيراً من جوانبه المضيئة، وفشلت مقادير «خلطة» براون هذه المرة، على خلاف رواياته السابقة وتحديداً «شيفرة دافينشي»، و«ملائكة وشياطين».

وعلى الرغم من أن أهم ما تمتاز به تلك النوعية من الروايات هو الإثارة والتشويق، ومفاجأة المتلقي بكل جديد، وبما لا يخطر على البال، إلا أن «الرمز المفقود» التي طبعت في سبتمبر الماضي، وما لبثت أن أصدرتها الدار العربية للعلوم (ناشرون) في نسخة عربية من ترجمة زينة جابر إدريس، لم تفلح ـ إلى حد كبير ـ في رسم ذلك العالم المشوق من الأحداث، ومع ان الرواية من بدايتها إلى نهايتها، وعلى مدار 133 فصلاً رغم أن الإطار الزمني لأحداث الرواية أقل من 24 ساعة، تحاول فك شيفرات رموز، وتتعقب أسراراً، وتختلق أحداثاً، إلا أن إثارة براون المعهودة لم تتم، ولم ترقَ إلى نتاج الكاتب السابق، بل بدا أنه يستثمر نجاحاته الماضية، موقناً بأن ملايين القراء يترقبون كل ما سيسطّره.

إيهام

يصدّر براون روايته (479 صفحة من القطع الكبير) بالحديث عن وقائع ومعلومات توهم بأنه توجد وثيقة مشفرة في خزانة وكالة الاستخبارات الأميركية منذ عام ،1991 عن باب قديم وموقع مجهول تحت الأرض، ويؤكد المؤلف أن جميع المنظمات المذكورة في الرواية واقعية، بل وكل الطقوس والعلوم والأعمال الفنية والأبنية في «الرمز المفقود» حقيقية، وإن صدق براون في مقولته الثانية، إلا أن الأولى محل نقاش إذ كيف استطاع الحصول على وثيقة مخابراتية حديثة؟ وتمهد الرواية لانطلاقتها بمشهد، وطقوس غريبة، في «بيت الهيكل»، حيث «أخوية» وأعضاء في الماسونية يباركون أخاً مبتدئاً يقسم «كاذباً» على حفظ عهود الجماعة. وتنطلق أحداث الرواية مع أستاذ علم الرموز في جامعة هارفرد روبرت لانغدون، (بطل روايتي «ملائكة وشياطين» و«شيفرة دافنشي» نفسه) والذي ينتقل إلى واشنطن ملبياً دعوة أستاذه وصديقه بيتر سولومون، لإلقاء محاضرة في مبنى الكابيتول (الكونغرس) في واشنطن، ذلك المكان التاريخي ذو القبة المضاءة، لكن لانغدون يفاجأ بعد وصوله بأنه لا يوجد أحد في المكان الذي من المفترض أن يلقي فيه محاضرته. 

 

‏40 لغة

ولد دان براون في عام ،1964 واشتهر بكتابة القصص ذات الطابع الخيالي والفلسفي، ومن أبرزها «الحصن الرقمي» (1998)، «ملائكة وشياطين» (2000)، «نقطة الخديعة» (2001)، «شيفرة دا فينشي» (2003)، «الرمز المفقود» (2009).

اعتبرته مجلة التايم الأميركية بعد إصدار روايته «شيفرة دافينشي» واحداً من أكثر 100 شخص أثروا في العالم. وترجمت رواياته إلى أكثر من 40 لغة حول العالم، بحسب موسوعة «ويكيبيديا»، وحولت روايتا «ملائكة وشياطين» و«شيفرة دافينشي» إلى فيلمين سينمائيين، وبيع من الأخيرة نحو 80 مليون نسخة بعد أن شهدت ضجة بسبب مطالبات الفاتيكان بمصادرتها، حتى إنها منعت من دخول بعض الدول العربية، بينما بيع نحو مليون نسخة من رواية «الرمز المفقود» في أول يوم من صدورها.‏

تستفيض الرواية في إحاطة الكابيتول بجو من الأسطورية، وتستطرد في وصف أسرار غريبة رويت عنه، ومشاهدات البعض لأشباح تسري في أرجائه، كي تمهد كل تلك الأمور للجو الذي ستجري فيه أحداث الرواية، وكذلك ربط تاريخ أميركا الحديث بمؤسسين ماسونيين «لم يكن سراً أن للعاصمة تاريخاً ماسونياً غنياً. فحجر الزاوية لهذا البناء وضعه جورج واشنطن نفسه ضمن طقس ماسوني كامل. كما صممت هذه المدينة على يد معلمين ماسونيين ـ جورج واشنطن، بين فرانكلين، وبيار لانفان ـ وهم من العقول الفذة الذين زينوا عاصمتهم الجديدة بطابع ماسوني من الرمزية والهندسة المعمارية والفن».

بداية الألغاز

تفتح «الرمز المفقود» جراب ألغازها بعد اكتشاف البطل أنه لا توجد محاضرة، وأنه استدرج عمداً من قبل آخر، وليس صديقه، إلى هذا المكان، يسمع لانغدون ضجة في إحدى قاعات الكابيتول، وحين يهرع إليها يجد كفاً آدمية مقطوعة مثبتة بطريقة رمزية معينة، ويصعق البطل حين يدرك أن تلك الكف تخص صديقه، سولومون، وعرفها من الخاتم والوشم المميزين لصديقه الذي كان ينتمي لجماعة ماسونية.

تيقن لانغدون أنها دعوة قديمة تقود مستلمها إلى حكمة باطنية سرية ضائعة، وأمله الوحيد لإنقاذ صديقه الماسوني البارز المخطوف هو قبول الدعوة، والسير لكشف تلك الرموز، وتجرف الأحداث البطل خلف واجهة أهم مدينة تاريخية في أميركا، عبر حجرات وهياكل وأنفاق سرية موجودة فيها. وكل ما هو مألوف يتحول إلى عالم غامض وسري لماضٍ مخبأ ببراعة، بدا فيه أن الأسرار الماسونية غير المسبوقة تقود البطل إلى اكتشافات جديدة لا تصدق. واستعان المؤلف بخرائط لكهوف سرية، وأشكال برموز وتعاويذ مختلفة، في صفحات كثيرة من الرواية، وتكرر ذلك بشكل مبالغ فيه.

ودخلت منذ البداية ـ بقدرة المؤلف ـ في الأحداث وكالة الاستخبارات الأميركية، إذ حاول عملاؤها فك الرموز وتعقبها، لأن المسألة كانت بمثابة «أمن قومي» وتاريخ خفي لأميركا يجب السيطرة عليه، وإبقاؤه سراً.

إثارة ملتبسة

وبينما كان لانغدون يحاول إنقاذ حياة صديقه، كانت خيوط اللعبة جميعها بيد البطل الآخر (مالاخ)، الماسوني «الخائن» الذي يعمل على هتك أسرار الجماعة، والوصول إلى درجة من «التمجيد»، لا تتم إلا بالحصول على أسرار الماسونية المدفونة في مكان ما بواشنطن، وخريطة رموزها لا يستطيع كشفها إلا لانغدون أو سولومون. 

تصور أحداث الرواية مالاخ على أنه شخصية شريرة، ومدمن مخدرات، وسجين سابق، ثم ثري يوناني تطارده النساء، وعضو في الماسونية، و قاتل ابن سولومون الذي قابله في السجن، وقاتل امه كذلك، ولكن في النهاية يقلب براون الأمور فيتضح أن مالاخ هو ابن سولومون نفسه، وأنه يدبر كل ذلك كي ينتقم من أبيه الذي خيره بين الثروة والحكمة، وغضب حينما رفض ابنه دخول الماسونية، وعندما دخل السجن بعد الانفصال عن والده رفض الأخير أن يخرجه منه.

يفشل كيد مالاخ في النهاية ويموت دون تحقيق مبتغاه، وينجو الأب الذي اجتمع شمله بصديقه، ولكن لا تنتهي الثرثرة عند ذلك الحدث السعيد، إذ مازال لدى الماسوني «الخير» ما يقوله عن أسطورتهم وهرمهم الباطني، وما يرشد إليه صديقه أستاذ الرموز في آخر فصول رواية «الرمز المفقود» لأن «الفلسفة الماسونية بأكملها مبنية على الصدق والنزاهة، فالماسونيون هم أكثر الناس جدارة بالثقة» على حد زعم بطل الرواية. ‏

الأكثر مشاركة