محمد أحمد السويدي.. شاعر رحّال
على سفر دائم، يعيش الشاعر الإماراتي محمد أحمد خليفة السويدي حياته رحالة في رحلة لا تنتهي، فرحلات المثقف صاحب الاهتمامات الأدبية والفكرية المتعددة، لم تقتصر على الرحلات الجغرافية؛ بل استطاع السويدي أن يتخطى حدود التعريف السائد للرحلات، وأن يخترق حاجزي الزمان والمكان بحساباتهما المادية التقليدية، ليقوم برحلات غير مسبوقة عبر التاريخ، متتبعاً فيها خطى عمالقة الثقافة والشعر في العالمين العربي والغربي، مثل الشاعر أبي الطيب المتنبي، الذي استحضره في حوارات شائقة تناول فيها جوانب ليست شائعة عن الشاعر، بأسلوب يحمل اجتهادات وبصمات خاصة بكاتبها في «يوميات دير العاقول».
ولم تقتصر رحلات مؤسس «جائزة ابن بطوطة» على التاريخ العربي، حيث يعكف حالياً على مطاردة خواطره وصياغة تأملاته حول «آلهة الأوليمب»، وهو عنوان لكتاب جديد نشأت فكرته خلال رحلة قام بها السويدي إلى إيطاليا صيف عام ،2008 مستكشفاً موطن آلهة الأوليمب الرومانيين، زار خلالها عدداً من المدن الإيطالية، شاحذاً حواسه الخمس، على حد قوله، متحدثاً عن الآلهة، والباباوات، والفنانين، والآثار، والمتاحف، والطبيعة، والمأكولات، والمشروبات، والطيور، والأزهار، وغيرها من أجل صياغة نصه التفاعلي الذي يسخر خلاله الصوت والصورة والكلمة، ضمن سعيه إلى التخلص من حالة التجريد في الثقافة العربية. وتأتي هذه التأملات بعد أن أنتج السويدي ضمن دائرة البحث ذاتها عملين؛ الأول «رحلة إلى إيطاليا»، متداخلاً بالعربية مع الشاعر الألماني غوته في رحلته إلى إيطاليا، والثاني «هكذا حدثني غوته»، الذي تتبع خلاله خطى هذا الشاعر الأوروبي العظيم.
وعلى الرغم من قيامه بعدد من الرحلات حول العالم، خصوصاً إلى إيطاليا وبريطانيا وإسبانيا، واستكشافه فنون عصر النهضة وآثار الثورة الصناعية والفنون الإسلامية في الأندلس، لا تقف علاقة الشاعر الإماراتي ـ صاحب المشروعات الثقافية المتعددة ـ بالثقافة العالمية عند اهتمامه بالرحلات وآدابها فقط، إذ يحظى الشعر العالمي باهتمامه البالغ، فدرس أشعار أوفيد وباتشو وغوته وأريتينو وطاغور وغيرهم، كما تحظى الآداب والفنون الأخرى، كالرواية، والسينما، والأوبرا والموسيقى، والفن التشكيلي والنحت، بنصيب وافر من شغفه، الذي يمتد ليشمل أيضاً الحضارات، وأحوال الأمم وثقافاتها ومقارنات الأديان وتاريخ الفن.
وفي مجال الشعر، يعد السويدي من الشعراء المجددين، فقد أعطى قصيدته بعداً جديداً تجلى في الصياغة الشعرية، والصنعة الفنية، وإضفاء المفردة العميقة، واستطاع أن يمزج في قصائده بين المفردة العامية لبدو المنطقة، ومفردات فصيحة في إطار ما يسمى «تفصيح العامية»، مع الحداثة بلون وقالب شعري تقليدي، يرتكز على أهم مقومات القصيدة، خصوصاً الإحساس والخيال والصور البلاغية، ونجح في أن يحافظ على كيان كل نوع، فإذا دخل إلى الفصيح دخل وهو يملك زمامه، وإذا جال في مضمار النبطي، ارتقى به ضمن حدوده، وأعطاه بريقاً من دون إخلال بكيانه.
وخلال عمله بالمجمع الثقافي في أبوظبي؛ دعا محمد السويدي دولاً عدة، عبر سفاراتها، إلى إقامة أنشطة وأسابيع ثقافية واسعة في الإمارات، وعمل على استضافة كبار أعلام الفكر والثقافة في الوطن العربي، كما عرف عنه أيضاً اهتمامه المبكر بتقنية المعلومات وتوظيفها لخدمة الثقافة، فكانت له، ولاتزال، إسهامات عدة في هذا المجال.
يرعى محمد السويدي عدداً من المشروعات الثقافية البارزة على المستوى العربي التي تغطي مجالات مختلفة، مثل أدب الرحلة، الذي يشغل جانباً مهماً من اهتمام السويدي، ما انعكس على أنشطة وإصدارات «المركز العربي للأدب الجغرافي ـ ارتياد الآفاق»، الذي أسسه ويرعاه بهدف إحياء أدب الرحلة من خلال نشاطات علمية وبحثية، منها «جائزة ابن بطوطة» التي تعد الوحيدة من نوعها المخصصة لأدب الرحلة، والدراسات والبحوث المتعلقة به. وقد صدر عن «ارتياد الآفاق» عشرات العناوين في هذا المجال، ضمن مجموعة سلاسل فريدة من نوعها، أبرزها: «سلسلة ارتياد الآفاق، سلسلة سندباد الجديد.. الرحلة العربية المعاصرة، سلسلة دراسات في الأدب الجغرافي، سلسلة رحلات عالمية، وسلسلة شرق الغربيين». بالإضافة إلى رعايته مشروعات إلكترونية، منها «موقع الوراق، الذي يعد أكبر مكتبة افتراضية عربية على الإنترنت، وواحة المعلقات، وموقع المسالك، وواحة المتنبي، وأطلس القرآن الكريم».