جمعة الماجد: الكتاب للقراءة وليس للتخزين. من المصدر

ثــــــــروة تمجّــــد الكتــاب‏

‏في السابعة من عمره، اصطحبه والده إلى رحلة غوص، فتفتحت عيناه على درر ولآلئ كانت خبيئة في أعماق الخليج، وظل أربع سنوات يرافق النواخذة والطواشين، وحين كبر وصار جمعة الماجد رجل الاعمال الإماراتي الشهير، آثر أن يبحر من جديد، ويضع ثروته في تمجيد الكتاب وخدمة الثقافة، وينذر نفسه للكشف عن كنوز من نوع آخر، وإنقاذ ثروات علمية ومخطوطات تراثية يهددها الضياع والإهمال، خدمة لباحثين وعلماء، فوهب جزءاً من ثروته للعلم والخير، وصير للمال قيمة أدبية وإنسانية، فأسس مركزاً للثقافة والتراث، تحوّل في فترة قصيرة إلى مركز إشعاع علمي في دبي والعالم، وأصبح يضم أكثر من 8000 مخطوطة أصلية، و200 ألف مصورة، ونحو نصف مليون كتاب، جميعها متاحة بالمجان لأي مُريد كي يفيد منها.

وتعود حكاية الماجد مع الكتاب إلى مرحلة مبكرة من حياته، إذ عرف منذ صغره، وهو يتلقى أولى بذور تعليمه في كتاب المطوع في منطقة الشندغة، قيمة القراءة والعلم، فاقتنى عدداً من المصنفات النادرة، في وقت كان فيه الكتاب بشكل عام عملة صعبة، وطالع مبكراً في مجلات وكتب عربية مختلفة، كانت تصل إلى دبي عن طريق الهند، وفي خلال قراءاته وجد يوماً في مجلة «آخر ساعة» المصرية إعلاناً عن كتاب عن شعر حول الأديرة المسيحية، فذهب إلى مكتبة خاصة في دبي وطلب منها ذلك الكتاب الذي لم يكن موجوداً، وبالفعل حصل عليه الماجد من الهند وقرأه واحتفظ به، ومازال حتى الوقت الحالي، يرافق الكتب، التي تعد أصدقاءه خلال رحلات سفره، لاسيما دواوين الشعر، وكتب التاريخ، وكذلك الصحف.

 أبواب خير

تعلّق جمعة الماجد الذي يعد رمزاً لدعم الكتاب والاعتناء به في العالم، وواحداً ممن نذروا أنفسهم للاعتناء بتراثنا وكنوزنا العربية، منذ مطلع الخمسينات بالعمل الخيري، وخصوصا ما يخدم التعليم والثقافة، ورغم توسع ميدان أعماله وتجارته إلا أنه حرص على تسخير ما يفنى لخدمة ما يبقى، فأسس في تلك الفترة بالاشتراك مع آخرين، لجنة خيرية، شيدت مدرستين ثانويتين في دبي، إحداهما للذكور في بر دبي واسمها ثانوية جمال عبدالناصر، أما الثانية فكانت ثانوية آمنة في ديرة، وهي للإناث، وسعى أيضًا في تلك الحقبة إلى تأسيس المكتبة الوطنية في دبي.

وفي عام 1983 حالت ظروف دون قبول أبناء الوافدين في المدارس الحكومية، فأنشأ الماجد المدارس الأهلية الخيرية الصباحية والمسائية، لتوفير فرص التعلم لأبناء أسر وافدة. وحين شعر بحاجة المرأة إلى العلم، وصعوبة وصولها إلى جامعة العين، أو السفر الى الخارج، أسس كلية الدراسات العربية والإسلامية، في عام ،1986 وهي كلية مخصصة لأبناء الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي والدراسة فيها مجانية.‏


 

 

أم متعلّمة ومكتبة

يحلم رجل الأعمال جمعة الماجد، بأن يكون في كل بيت مكتبة، ولو حتى صغيرة، وأم متعلمة تقرأ لأبنائها، وتغرس فيهم الشغف بالمعرفة، مشدداً على أن يكون ذلك الركن في المنزل مأهولاً، وليس مجرد ديكور منزلي، بأن تقرأ كتبه، ويقول إن «مقتني الكتب كثيرون، ولكن قراءها قليلون، وينبغي أن يدرك الجميع بأن الكتاب للقراءة والإفادة منه، وليس للتخزين، فإذا حاز المرء كتاباً وطالعه وفرغ منه، ولم يعد يستفد به، فما أجمل أن يقدمه لغيره ليفيد منه، بأن يهبه إلى جامعة أو مركز بحثي أو مكتبة عامة».

ودعا الماجد في تصريح لـ«الإمارات اليوم» بمناسبة اليوم العالمي للكتاب الذي يحتفل به العالم في الـ23 من أبريل في كل عام إلى منح الكتاب حرية أوسع في التنقل بين الدول العربية.

ويطالب صاحب المقولة المشهورة «الكتاب ليس قنبلة» برفع يد الرقابة «الجاهلة المتشددة» عن المؤلفات، وتركها تتنقل بحرية بين المطارات، متسائلاً «في عصر الإنترنت وإمكانات النشر المتاحة بصور مختلفة، لماذا نضع العراقيل أمام تداول الكتب وانتقالها؟».

ويؤكد صاحب مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث أنه لولا الحرية التي أتيحت له من قبل قادة الإمارات لما استطاع المركز العمل على إنقاذ مخطوطات وكتب كثيرة، مضيفاً أن «الفضل في ما وصل إليه المركز الذي يضم كنوزاً علمية وتراثية ليس لجمعة الماجد، بل لمن سهّلوا دخول الكتب إلى مركزه، كي تكون متاحة لكل عالم وباحث في العالمين العربي والإسلامي».

تكريم

يذكر الماجد الذي يكرم اليوم من قبل المعهد العربي الأميركي في واشنطن لجهوده في دعم العلم والثقافة، أنه لابد أن يحظى الكتاب بتقدير أكبر «وإذا كان الله جعل الكتاب مقدساً عنده، فلماذا لا نوليه نحن ذلك التقدير، ونعمل على الحفاظ عليه، ونضعه في المكانة التي يستحقها».

كان الحافز الاساسي الذي دفع الماجد لتأسيس مركز الثقافة والتراث رؤيته معاناة بعض الباحثين في الحصول على بغيتهم من المراجع القديمة أو المخطوطة، التي تفرقت في مكتبات العالم، فعمل على تقريب ما كان بعيداً عنهم، وتيسير ما كان عسيراً عليهم، يروي ذلك قائلاً: «اطلاعي على الباحثين والعلماء الذين كانوا في حاجة إلى معايشة المخطوطات لدراستها وتحقيقها ونوادر المكتوب فيها، فقلت لماذا لا يكون في البلاد العربية مؤسسة أفضل من نظيراتها الغربية، وكثيرون قالوا إن هذا بحر فكيف تحقق ذلك؟ فتوكلت على الله، ولم أكن احلم أن يكون المركز بالمستوى الذي وصل إليه اليوم»، ويأتي إلى جانب هدف خدمة الباحثين، الحفاظ على التراث الذي يعده الماجد «جزءاً رئيساً في عملية البناء، ويجب أن يتكامل مع التكنولوجيا الحديثة».

ويعتبر رجل الأعمال الإماراتي نفسه مسؤولاً عن خدمة الكتاب، بغض النظر عن لغته أو دينه، يقول «أعتبر نفسي مسؤولاً عن إنقاذ أي كتاب معرض للتلف في العالم بأي لغة كان، وأياً كان موضوعه أو كاتبه، لأن الكتاب يمثل إرثاً حضارياً للإنسانية جمعاء والحفاظ عليه هو حفاظ على الإرث العلمي والثقافي والإنساني»، حسب كتاب «جمعة الماجد صفحات مضيئة».

وترجم الماجد الذي يعتبر مركز الثقافة والتراث ملكاً للبشرية وليس ملكاً له، تلك المسؤولية عبر حرصه على حماية كتب غير عربية وغير إسلامية كذلك، فأنقذ مخطوطات مسيحية، وعمل على حفظها، وتعاون المركز مع عدد من الأديرة والكنائس، وعقد معها اتفاقات لحماية ما تضمه من مراجع قديمة وإرث ثقافي، وتبادل صور المخطوطات والإصدارات معها، ولعل أبرزها الاتفاقية التي عقدها المركز مع دير سانت كاترين في مصر في مايو الماضي.

تطوّر مستمر

منذ يوم افتتاحه في الثاني من أبريل في عام ،1991 ومركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي، وهو في تطور مستمر، فلم يقتصر دوره على مجرد كونه مكتبة تجمع النوادر، وتقدم خدماتها للباحثين، إذ تعددت أقسام المركز وأنشطته، فصار جامعاً لزمام الثقافة، ففيه إلى جانب المخطوطات والدوريات والكتب الآلاف من الرسائل الجامعية، وأثمرت إصدارات المركز عن نحو 87 إصداراً، إلى جانب مجلة آفاق الثقافة والتراث التي تعنى بالأبحاث العلمية المحكمة، وقضايا ثقافية مختلفة.

ويقوم فريق داخل المركز من المتخصصين بترميم المخطوطات القديمة المهترئة، ويعمل على الحفاظ عليها، ومعالجتها بشكل احترافي، وتوسع المركز في مجال ترميم المخطوطات حتى صار مرجعاً معتمداً لإقامة الدورات المتخصصة في فن الترميم عند الجهات الدولية مثل اليونسكو وغيرها، ووزع المركز أجهزة الماجد الخاصة بعمليات الترميم المتنوعة والتي أهديت إلى أكثر من 40 جهة ثقافية في 25 دولة حول العالم.

ويعمل المركز على المساهمة في تعريف الناس بالمخطوطات والكتب القديمة والوثائق والصور خصوصاً ما يتعلق بالتراث الوطني للإمارات، لذلك نظم المركز عشرات المعارض في أماكن مختلفة.‏

الأكثر مشاركة