«الثقافة» أصدرت أعماله المسرحية الكاملة تزامناً مع عام على غيــــابه
الحتاوي.. رحلة بدايتها «أحلام» وختامها «ياسمين»
باحتفاء يليق بمبدع حقيقي، أحيت وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع الذكرى الأولى لغياب الكاتب الإماراتي سالم الحتاوي، بإصدارالأعمال الكاملة للحتاوي، صاحب التجربة المميزة مع «أبو الفنون»، ورافد الساحة الأدبية بنصوص كثيرة، أسهمت لسنوات طويلة في إثراء المسرح المحلي. بدأ المشهد الأول في حكاية الحتاوي مع المسرح، بمهندس اتصالات حائز على شهادته العلمية من أميركا في أواسط ثمانينات القرن الماضي، لكن حنينه ظل متعلقاً بتخصص آخر، إذ حلم الحتاوي بأن تتحول شخوص مسرحياته من كائنات ورقية إلى أخرى حية تدب وتسعى على «الخشبة»، حتى ترجم الحلم إلى واقع ـ في مشهد ثانٍ عام 1994ـ حينما عرضت مسرحيته «أحلام مسعود»، أول أعمال المؤلف الشاب حينها، والتي حازت إعجاب كثيرين، وراهن على مستقبل كاتبها نقاد، وبعدها توالت إبداعات الحتاوي، مشكّلة محطة مميزة في الدراما الإماراتية، وليس في المسرح فحسب، لتكون نهاية الحكاية العام الماضي مع مسرحية الأطفال «ياسمين والمارد الشرير»، حين اجتمعت بصورة قدرية، زهرة الموت مع رمز البراءة في المشهد الختامي لحياة الحتاوي، إذ رحل الكاتب في 20 من ابريل عام .2009
جوائـــــــــــز ضم كتاب الأعمال الكاملة لمسرحيات سالم الحتاوي الصادر أخيراً عن وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع «مواويل ـ صمت القبور ـ جوهرة ـ عرج السواحل ـ الياثوم ـ أحلام مسعود ـ إنها زجاجة فارغة ـ زمزمية ـ الملة ـ زهرة ـ ترنيمة الليلة الأخيرة ـ النخاس ـ الجنرال ـ خلخال ـ حكاية رأس وجسد ـ أرض الخير ـ الأميرة والساحرة العجوز ـ جزيرة الطيبين ـ زهور والمنظرة المسحورة ـ ياسمين والمارد الشرير ـ ليلة زفاف ـ جنون البشر ـ مراديه ـ كل الناس يدرون ـ جنة ياقوت ـ هود يا أهل البيت». كما اشتمل الكتاب على صور ولقطات تجسد لبعض اللحظات في حياة الكاتب الراحل. يشار إلى أن الحتاوي أثرى الدراما الإماراتية، تلفزيونياً وإذاعياً، بالعديد من الأعمال، فمن أبرز إبداعاته التي كتبها للتلفزيون مسلسلات «الكفن» و«بنت الشمار»، «بقايا حلم»، و«آخر أيام العمر»، «يوميات عائلة بوسالم»، «وجه آخر»، أما للإذاعة فكتب «سرور وجمعان»، «جدتي أم الخير»، و«مساكم الله بالخير». وحصدت أعمال للحتاوي جوائز وتقديرات عدة، على الصعيدين الإماراتي والخليجي، فنال جائزة أفضل مؤلف في أيام الشارقة المسرحية لدورات عدة عن مسرحيات «أحلام مسعود» ،1994 و«ليلة زفاف» ،1996 و«زمزمية» ،1997 كما نال جائزة التأليف عن «عرج السواحل» في مهرجان الخليج المسرحي الدورة السادسة. ورحل الحتاوي عن 48 عاماً. |
26 نصاً
يضم المجلد الذي أصدرته وزارة الثقافة 26 مسرحية، تمثل نتاج الحتاوي في مجال التأليف المسرحي، متنوعة في الشكل والمضمون، ما بين كتابات ذات نفس طويل، وأخرى قصيرة مكونة من فصل أو مشهد واحد، ومن بينها أعمال غلبت عليها المباشرة، وأخرى رمزية، وثالثة ذات حس تجريدي، وحتى على مستوى الأداء اللغوي شكلت مسرحيات الحتاوي مزيجاً جمع بين المحلية المحكية، والعربية الفصيحة، وإن كانت الغلبة للنمط الأول الذي عمل الحتاوي من خلاله على تأليف نصوص ذات خصوصية إماراتية، تنطق بأنها ابنة بيئتها وواقعها أولاً.
ويتيح الكتاب الذي يقع في نحو 700 صفحة للقارئ فرصة مطالعة مسرحيات الحتاوي التي حققت جماهيرية وذاع صيتها، وحازت انتشاراً كبيراً حينما قدمت على خشبة مسارح مختلفة داخل الدولة وخارجها، إضافة إلى نصوص لم تصب ذلك الحظ من الشهرة، وأعمال كتبها المؤلف الراحل تحديداً للأطفال. غاص حتى الأعماق قلم الحتاوي في هموم مجتمعه، وعالج في مسرحياته أوجاعاً كثيرة، التقطها من بيئته، وتصدى لتشريحها بجرأة، وليس بمجرد التلويح، أو المس من الخارج، فناقشت أعماله «غول التغيير»، وقضية الهوية، وتعرضت بالانتقاد لعادات وتقاليد، وكشفت عن مشكلات وأسرار حياتية، وأحلام فنانين تتآكل أحلامهم في مجتمعاتهم، وهموم نساء، وآمال بسطاء، وأطماع تجار وأثرياء لا يقدرون سوى مصالحهم.
مهموم بـ«أبو الفنون»
تنطق كتابات الحتاوي بأن صاحبها كان أحد المهمومين بالمسرح، ومبدعاً مسكوناً بقضايا ذلك الفن الجميل، وليس مجرد مؤلف يسطر مسرحياته في ركن قصي بعيد عن طقوس ذلك العالم، إذ كان حريصاً على تطوير أدواته، والاشتغال بدأب وحب على مسرحياته، فوضع لمساته الخاصة ورؤيته الفنية عليها. وبقصد أو من دون، شكلت ساحة المسرح، فضاءً مكانياً تدور بين جنباته أحداث بعض نصوص سالم الحتاوي، فمسرحيته الأولى «أحلام مسعود» التي كانت جواز مرور الكاتب الشاب إلى عالم «أبو الفنون» عام ،1994 تحكي قصة فراش (مسعود) يحيا في كواليس مسرح للشباب، ويحفظ كل الأدوار التي أداها فنانون أمامه طوال نحو 17 عاماً، ويحلم ـ في لقطة شكسبيرية ـ بيوم تسند فيه إليه بطولة أحد الأعمال، وذات مساء يغيب أحد ابطال عمل معروض، ويبحث المسؤولون عن بديل، وحين يعرض عليهم مسعود نفسه، يقابلونه باستهزاء، غير أنهم يجربونه في أكثر من أداء، وبالفعل يجدونه صاحب موهبة لا تقل عن كبار الفنانين. لكن تجهض أحلام مسعود في بطولة مسرحية، كما الحال في واقعه الذي بتر أحلاماً كثيرة له، فحرمه من ابنة عمه التي أحبها، وكذلك عائلته التي لا تريد الاعتراف به.
وغير بعيدة عن ذلك المكان دارت أحداث «ترنيمة الليلة الأخيرة»، والتي تصور حال مجموعة فنانين شباب، يهدد مسرحهم شبح الإغلاق، وتحويله إلى مقهى أو مطعم أو محل لتغيير الإطارات، ويستشعرون أنهم مشلولو الأيدي أمام واقع صار كل ما فيه يُباع ويُشترى، دونما نظر لما يمثله من قيم أكبر من المادة.
«جنة ياقوت»
تدور مسرحية «جنة ياقوت» التي كتبها الحتاوي في نهاية عام ،2006 حول رجل (ياقوت) في نهايات العقد الخامس من العمر، يتعرض لضغوط عدة كي يبيع منزله المتواضع، المحاصر بالأبراج والمباني الشاهقة من كل الاتجاهات، لكنه يتمسك بالعيش فيه، لأنه يحمل ذكريات ماضيه وهويته في الآن ذاته، ويفضل أن يبيع عمره على ترك بيته لسماسرة وتجار العقارات، ويتحسر على تغير واقع ألفه، من فريج وسكك تزنرها أشجار اللوز والسدر والنخيل. تنطلق أحداث «جنة ياقوت» هادئة، ويرسم الحتاوي في مشهد افتتاحها ـ ببراعة ـ لحظات غزل وصفاء مغلفة بالكوميديا بين زوجين، ياقوت المسن، وقرينته الهندية (جناه) ابنة حيدر آباد، ثم تتصاعد وتيرة الأحداث مع ظهور ابن الزوج العاق (سلوم) الذي يسعى إلى هدم البيت من أجل بيعه، كي ينتقم من أبيه، بل ويحاول الاعتداء على (جناه)، إلا أن ياقوت يفلح في تخليصها منه في مشهد درامي ظهرت فيه مدى قسوة الابن. يقاوم الأب اقتلاعه من مكانه، رغم تهديدات الابن، ومضايقات دلالي الأراضي، وقطع الكهرباء عن بيته، يستنجد ياقوت بأقاربه من أبناء عمومته، يطمئنونه بأنهم سيقفون معه، ولن يستطيع أحد أكل حقه وهم موجودون. يحاصر الابن و«الهوامير» المنزل، يحاول ياقوت استدعاء من وعدوه بالنجدة، ويظل في انتظار ما لا يجيء.. ويسدل الستار على مشهد ظلامي تتهاوى فيه جدران البيت، ولا يبقى سوى حيز بسيط تحتضن فيه الزوجة ياقوت، متسائلة عمن وعدوا بأنهم معهما ضد من يهددونهما.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news