المناعي.. ثلث قرن مع «أبوالفنون»
ثُلث قرن أو يزيد من الفعل المسرحي ممثلاً ومؤلفاً ومخرجاً هي المساحة الزمنية لإبداع آخر المسرحيين الحاصلين على جائزة الدولة التقديرية في فئة الفنون، المخرج عبدالله المناعي، ارتدى عبرها قفاز الإجادة في ثلاثة فنون مختلفة ظل فيها جميعاً مخلصاً لـ«أبو الفنون» الذي بدأ معه ممثلاً عام 1975 عبر مسرحية «أين الثقة»، ليستهل بعدها مشواراً حافلاً أجاب عبره عملياً عن هذا التساؤل الافتراضي لمسرحية الانطلاقة بالإيجاب، مؤكداً أن «الثقة» كامنة في قدرة فن الخشبة على طرح ومعالجة هموم المجتمع، الذي جمع فيه بين الوطني والقومي بحرفية واقتدار لدرجة دفعت بعض الأكاديميين والمختصين إلى الإشارة إليه بـ«مسرح المناعي».
ويؤكد الرجل المولود عام ،1955 أن مايو العام 2010 شهد ميلاداً جديداً في مسيرة عطائه بحصوله على «الجائزة»، مكرماً من رئيس الدولة، إذ قدم ما يقارب الـ50 عملاً ممثلاً ومؤلفاً ومخرجاً. إلا أن القريبين من المناعي يرصدون شغفه المتجدد بالمشروعات الفنية الجديدة، مؤكدين أن انشغاله بهموم مجتمعه، يحفزه دائماً على التطرق لأعمال على تماس بمفاهيم الهوية والمواطنة والانتماء، وفق رؤيته، فضلاً عن انشغاله بالقضايا القومية العربية.
ولعل التشبيه الأبرز لحضور المناعي مسرحياً، الذي أصبح غير منتظم إلى حد ما في السنوات الأخيرة، بسبب ظروفه الصحية التي جعلته ملازماً لكرسيه المتحرك، هو أن هذا الحضور أضحى «كأشعة الشمس التي قد تُحجب قليلاً أو طويلاً، بفعل عوامل عدة، لكنها لا تلبث أن تعود بتأثير ملموس»، تماماً كما فعل المناعي عبر عودته الأخيرة بمسرحية «مجرد دمى» هذا العام، من خلال «أيام الشارقة المسرحية»، متطرقاً إلى القضية الفلسطينية، متجاوزاً عدم وجود أي إحالة لفظية تشير إلى أن تلك القضية هي جوهر العمل، وهو أحد التجليات الفنية المهمة لمسرح المناعي.
قد يبتعد المناعي إذن عن الخشبة قليلاً أو كثيراً، لكنه يعلق على هذا المسلك قائلاً: «ربما أغيب عن المسرح، لكنني لم ولن أنصرف عنه إلا في لحظتي الأخيرة، فهو أسلوب حياة، وبحر متجدد، علاقتي به علاقة الكائن البحري الذي لا سبيل أمامه للعيش سوى أن يظل كائناً في البحر، أو قريباً منه»، مؤكداً أن «التغيير انطلاقاً من خشبة المسرح يظل ممكناً لدى الأمم التي تتفاعل مع النتاج الثقافي».
لهذا السبب لم ينجذب المناعي كثيراً إلى بريق العمل السينمائي الذي شارك فيه عبر أول فيلم سينمائي إماراتي وهو «عابر سبيل»، إذ عاد سريعاً إلى عالمه، رغم أنه قدم أيضاً أعمالاً مهمة للدراما التلفزيونية مثل «أشحفان» و«مشاكل الفريج» و«حادث الكورنيش»، و«الحيري في المستشفى» و«الوريث»، وغيرها، لذلك نجد الرجل يفخر في كثير من تصريحاته بأنه «من القليلين الذين آثروا بقاء المسرح على زوال التجارة التي جذبت الكثير من رواد العمل المسرحي».
وعلى خلاف تجارب مسرحية مهمة أخرى، فإن انفتاح مخرج «مجرد دمى» على المسرحين العالمي والعربي، لم يكن على حساب الصبغة المحلية، وحضور الهوية الإماراتية التي كست أعماله، إذ طغت التفاصيل المغرقة في الخصوصية على معظم أعمال المناعي، على الرغم من اتكاء كثير من مراحله الإبداعية على التجريب الذي تخلص عبره من كلاسيكية صبغت بداياته الإخراجية، في أعمال مثل «هارون الرشيد» و«شمس النهار»، قبل أن يذوب في الهمّين المحلي والعربي، في إبداعات مثل «جثة على الرصيف» و«الفريج» و«الغرباء لا يشربون القهوة» و«كوت بو مفتاح» وغيرها، موظفاً التقنيات الفنية لتعميق إيصال الرسالة المسرحية إلى المتلقي على نحو رسخ خصوصية فنية لأعمال بحاجة إلى الكثير من القراءات والدراسات المتخصصة يفضل الأكاديميون الإشارة إليها بـ«مسرح المناعي».