نصر حامد أبوزيد (1943 - 2010). أ.ب

نصر حامد أبوزيد.. نهاية رجل شجاع

توفي، أمس، المفكر المصري نصر حامد أبوزيد (67 عاماً) في مستشفى زايد التخصصي في مدينة السادس من أكتوبر غربي القاهرة، بعد صراع مع مرض غريب فقَد معه الذاكرة في الآونة الأخيرة. ومثلت وفاة أبوزيد بالنسبة للكثيرين نهاية لرجل شجاع، تعرض لأقسى ما يمكن أن يتعرض له مفكر إسلامي حرّ وعالم لغوي. ولعل رحيله بعد فقدان الذاكرة، جعله ينسى أنواع المضايقات التي تعرض لها خلال مشواره البحثي الغني. ويعتبر أبوزيد من أبرز رواد الفكر الإسلامي المعاصر الذين جعلوا من العقل أداة لفهم وتأويل التراث، وقد جعلت منه أطروحاته لفهم النص القرآني، هدفاً لانتقادات شرسة وصلت إلى درجة التهديد بالقتل، كما اتهم بالإلحاد تارة، وبالردة تارة أخرى. وذاع صيت أبوزيد عام ،1995 حينما فرض عليه القضاء المصري قسراً الطلاق من زوجته. ومند ذلك الحين، يعيش نصر حامد أبوزيد في هولندا مع زوجته، حيث يعمل أستاذاً للفكر الإسلامي. قدم أبوزيد سلسلة تقييمات نقدية عميقة لمفهوم «حوار الحضارات» بعد أحداث 11 سبتمبر، وكتب عن كتب للتناقضات التي تؤسس وترافق العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي في كل تجلياتها.

رفض أبوزيد النظرة السكونية المتوارثة التي سادت الفكر العربي، ودعا إلى صياغة الفكر الـعربي عامة، انطلاقاً من خلخلة البنى المعرفية المتأصلة في الــثقافة العربية، وحـــاول بلورة نــظرته الشمولية على أساس البدء في صياغة جـديـدة للفكر العربي والإسلامي باستخدام آليـات ومناهج علمية، وتحولت هـــذه الفكرة عــند أبوزيد إلى رغبة جامحة في إلغاء القداسة عن التراث وفصل التراث كمعطى فكري إنساني عـــن القرآن الكريم، وكان يرى أن «الــتوحيد بين الـــدين والتراث إلى إضفاء الـــقداسة على ذلك التراث، وإلى تحـــويله من مرتبة النصوص الثانوية إلى مرتبة النصوص الأولية، واقتصرت مهــمة العقل على الـتكرار والـــشرح والترتيب، ما أدى إلى ركود الثقافة التي عززت بدورها ركود الواقع العربي المنتج لهذه الثقافة».

أرجع الراحل أبوزيد فشل النهضة العربية إلى غياب وعي علمي بالتراث، وتعقد عـلاقتنا بالآخر، إضافة إلى إهدار التاريخية من السياق الـثقافي العـام، فالتاريخية كمفهوم إجرائي حسـب أبوزيد يستطيع أن يحرر الفكر العربي من سطوة التراث وشمولية الفكر الديني الذي اختزل العـقـل العربي فـي مفهوم ماضوي ســلبه إمكانية الـتطور والتقدم. فـ«الخطاب الديني منذ عصر التدوين سطر طرائق خاصة في الـتفكير، وتعتبر القداسة والسلطة من أهــم إفرازاته،لذلك فإن أبوزيد يبدأ من المسلمات التي رسخها الخطاب الديني التراثي وجعلها قواعد شرعية، وذلك بنسفها وإلغاء القداسة عنها».

أكد أبوزيد في كثير من كتبه ودراساته ضرورة التحرر من سلطة السـلف الدينية التي تحـولـت في وقتـنا الراهـن إلى أيديولوجيا فكرية ودينية ألغت مبدأ العلمية، وفسحت المجال أمام «مبدأ الحاكمية»، الذي أنتج بدوره أنماطاً خاصة في التفكير، قولبت الفكر العربي الإسلامي ضمن مجموعة من الآليات التي يعـد الخروج عـليها ضـــرباً من الإلحاد والكفر.

وانطلاقاً من هذه النقطة، فإن الراحل قام بالتفرقة بين الخطاب الديني والدين، باعتباره مجموعة مـــن النصوص التي على ضوئها يفسر القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فهذه النصوص هي التي تساعد على فهم النص القرآني، أما الدين في نظره فهو عبارة عن نص مقدس ثابت تاريخيا. وبالتالي فهو يحاول تأسيس منظومته الفكرية على نقد تلك النصوص التراثية (التفسير، الاجـتهـــاد، الاستنباط)، التي يرى أنها غيبت العقل والوعي العلمي العربي وجعــــلت الثقافة العربية ككل تختزل في آلية تفسير النصوص وشرحها، حيث يقول «هكذا تحــددت قــــوانين إنتاج الـمعرفة في الـثقافة العربية على أساس سلـــطة النصوص، وأصبحت مهمة العقل العربي محصورة في تـــوليد النصوص من نصوص سـابـقة، وأصبحت أقوال العلماء واجتهاداتهم نصوصا مشرعة، وانحصرت بذلك مشروعية العـقل العربي في مجال محدد هو مجال توليد النصوص وشرحها، وقد استفحلـت هذه الظاهـرة لتـشمـل العـلوم العربية برمتها، واقتصرت المؤلـفـات على أن تـكـون شروحاً لمؤلفات سـابقـة، وقد يوضـع المـتن في الهـامـش الجـانبي، ويـتناول الــشـرح عـبارة الأصل المشروح عبـارة بـشرحها اللغـوي والفقهي وبيان ما غمض من شأنها، ثم تكثر الشروح على الشروح، ولم تنج العلوم العقلية من المصير ذاته، وصارت كتب علم الكلام الــــمتأخرة شروحاً على متن قديم».

ولد أبوزيد في قرية قحافة القريبة من مدينة طنطا في محافظة الغربية في 10 يوليو عام ،1943 وحصل على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية(قسم

اللاسلكي) عام ،1960 ثم التحق بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وتخرج في قسم اللغة العربية عام .1972 ونال الراحل من كلية الآداب نفسها درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية عام ،1979 ثم عمل أستاذاً زائراً بجامعة أوساكا باليابان بين عامي 1985 و،1989 وأستاذاً للدراسات الاسلامية في جامعة لايدن في هولندا منذ عام ،1995 بعد صدور حكم قضائي بالتفريق بينه وبين زوجته ابتهال يونس أستاذة اللغة الفرنسية في جامعة القاهرة.

وتفجرت قضية أبوزيد عندما قدم أبحاثه للحصول على درجة «أستاذ»، ولكن أعضاء في لجنة علمية شكلتها جامعة القاهرة اتهموه «بالكفر» بناء على ما جاء في الأبحاث والكتب المقدمة للحصول على الدرجة، ورفعــــت دعوى تفريق بينه وبين زوجته، وصدر ضده الحكم، فاضــطر إلى ترك البلاد إلى هولندا منذ .1995

لأبوزيد كتب عدة منها «الاتجاه العقلي في التفسير.. دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة»، «دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي»، وهما رسالتاه للماجستير والدكتوراه و«مفهوم النص.. دراسة في علوم القرآن» و«الإمام الشافعي وتأسيس الايديولوجية الوسطية»، و«نقد الخطاب الديني» و«دوائر الخوف.. قراءة في خطاب المرأة»، و«التفكير في زمن التكفير». ونال أبوزيد أوسمة وجوائز في العالم العربي وخارجه، وآخرها جائزة «ابن رشد للفكر الحر» في برلين التي تحمل اسم الفيلسوف العربي الشهير (1126-1198).

 

الأكثر مشاركة