مثقـفـون: صـون تـراث الإمارات ضرورة وطنية
دعا مهتمون بالتراث والثقافة إلى وضع خطة عمل تتكاتف في تنفيذها كل الجهات المعنية، تتولى اتخاذ كل الخطوات الكفيلة ببلورة صورة واضحة لصون تراث الإمارات، ووضع آليات لإدخاله في المناهج التعليمية لمختلف المراحل الدراسية. وشدد المشاركون في المجلس الرمضاني الذي نظمه المركز الثقافي الإعلامي لسمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، حول «التراث والتعليم»، في القرية التراثية في أبوظبي، أول من أمس، على ضرورة تفعيل المقترحات والتوصيات التي تخرج بها الجلسة، لتتحول إلى خطوات عملية على أرض الواقع.
حضور متعدد
رفضت مستشارة وزير التربية والتعليم د.خولة المعلا ما قيل عن غياب التراث عن المناهج. مؤكدة أن التراث المحلي حاضر بالفعل في المناهج الدراسية بمختلف المراحل، كما أن تدريس التراث لا يقتصر فقط على المناهج، حيث يتداخل مع الأنشطة اللاصفية في مدارس الدولة، ومع المواد المختلفة كالموسيقى التي تتضمن أهازيج شعبية، واللغة العربية وغيرهما. لافتة إلى أنه لا توجد أي دراسة منهجية تحدد القدر المطلوب والمناسب من التراث الذي يجب ان تتضمنه المناهج التعليمية. داعية مختلف الجهات والهيئات المعنية للاشتراك في إجراء مثل هذه الدراسة المهمة. وأثنت المعلا على مبادرة المثقفين والمهتمين بالتراث للتعاون مع الوزارة بهدف إدخال التراث في المناهج. موضحة ان هناك 19 وحدة تم تضمينها في المناهج الدراسية من رياض الأطفال، وتتضمن مفردات من البيئة والتراث مثل العائلة والملبس والمأكل والعادات والتقاليد وغيرها. مشيرة إلى ان المشروع الوطني الذي بدأ خلال تولي د. علي الشرهان وزارة التربية والتعليم أسفر عن صدور وثيقة التربية الوطنية والدراسات الاجتماعية، التي قامت على إعدادها لجنة من 20 خبيراً مواطناً. |
مبادرات فردية
وأوضح المدير التنفيذي للمركز، الكاتب حبيب الصايغ، أن الأمسية تمثل بداية لسلسلة من اللقاءات التي تهدف إلى مناقشة تفعيل حضور تراث الإمارات باعتباره مكوناً رئيساً للهوية الوطنية في مختلف المجالات مثل «التراث والتعليم العالي»، و«التراث والسياحة» وغيرها من المجالات. داعياً إلى تشكيل فريق عمل يتولى بلورة التوصيات التي تخلص إليه الجلسة في صياغة تجعلها ممكنة وقابلة للتنفيذ قبل رفعها إلى المسؤولين. مشيراً إلى توجيهات سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، بدعم الجهود الرامية لحماية وتعزيز التراث في مختلف المجالات، وحرص نادي تراث الإمارات على تبني الجهود في هذا الاتجاه.
وأشار الصايغ الذي يشغل منصب رئيس مجلس اتحاد كتاب وادباء الإمارات، إلى أن الاتحاد بصدد توقيع اتفاقية تعاون مع وزارة التربية والتعليم بالدولة تهدف إلى تعزيز حضور التراث في المناهج التعليمية. مشيراً إلى ان الخطوات التي تتم في هذا المجال تقتصر على المبادرات وفردية. مضيفاً «كفانا تنظيراً، وعلينا ان نتخذ خطوات فعلية على ارض الواقع»، مشدداً على ان جهود صون وتعزيز التراث لا يمكن أن تثمر من دون الاهتمام باللغة العربية التي تتم محاربتها في المدارس، واللهجة المحلية التي تعاني التهميش من وسائل الإعلام.
تراث «سياحي»
وصف مدير تحرير «الإمارات اليوم» في ابوظبي عادل الراشد، حضور التراث الإماراتي وعناصره في المدارس بـ«السياحي الكرنفالي»، إذ يقتصر غالباً على المظاهر الشكلية في الاحتفالات والمناسبات فقط، مع غياب المحاولات الجادة لتجذير هذا التراث في نفوس الأجيال الجديدة، وهو ما أدى إلى ما يشبه قطيعة بين الأجيال، وقال «هناك مفردات ومسميات تراثية أصبحت غريبة وغير مفهومة للأطفال والأجيال الجديدة، وغابت الصيغة التراثية عن تفكير هؤلاء الأطفال». داعياً إلى «إيجاد وسائل وطرق سهلة للوصول إلى مختلف فئات المجتمع لتعليم التراث للأطفال مثل الرحلات المدرسية والأنشطة وغيرهما، بعيداً عن المحاولات والخطوات ذات الصبغة النخبوية التي تظل معزولة عن المجتمع ويقتصر تأثيرها على الشريحة محدودة منه». ونبه الراشد إلى وجود مبادرات سابقة تصب في اتجاه تضمين التراث في المناهج الدراسية، تجب متابعة ما آلت إليه، من بينها مبادرة وزارة التربية والتعليم بمشاركة مجلة «تراث» خلال فترة توليه الإشراف عليها، دعت لتكوين لجنة لإعداد التراث الذي يمكن اعتماده في مدارس الدولة، ولقيت استجابة من د. علي الشرهان وزير التربية والتعليم في ذاك الوقت.
لافتاً إلى ان التركيز على دور المدرسة في دعم التراث يرجع إلى كونها مؤسسة ممنهجة تعمل وفق مناهج محددة، ومن المنطقي ان يقود المنهج.
التراث.. ما هو؟
وأكدت الشاعرة والباحثة شيخة الجابري، أهمية تبني القيادة قضية إدخال التراث في المناهج الدراسية وفق منهجية محددة ومدروسة من خلال قرار رسمي يصدر بهذا الخصوص، لجمع كل الآراء والاجتهادات والمبادرات وتحويلها إلى جهد ملموس على أرض الواقع، معتبرة أن «دور الأسرة في زرع التراث في نفوس الأبناء بات غائباً تماماً، في المقابل هناك تعطش واضح من الأطفال للتراث ومفرداته، على ان يتم تقديمها لهم بصور جذابة، مشيرة إلى ان مفهوم التراث واسع وفضفاض ويجب الاتفاق حول ماهية التراث الذي نسعى إلى إدخاله في المناهج».
وأشارت الجابري إلى أن هناك خطوات ايجابية في هذا المجال من بينها تعاون بين هيئة ابوظبي للثقافة والتراث ووزارة التربية والتعليم، إلى جانب حركة النشر النشطة التي تشهدها وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في مجال الإصدارات التراثية لافتة إلى وضع خط عمل تتكاتف لتنفيذها مختلف الجهات المعنية بحماية وصون التراث.
واتفقت إدارة الأنشطة الثقافية والمجتمعية بوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، مع أهمية الاتفاق على تحديد مفهوم وتعريف التراث المراد تضمينه المناهج. معتبراً ان المناهج الدراسية في الدولة مازالت تفتقد الكثير من المقومات المهمة وليس فقط التراث المحلي، إذ مازال الواقع المحلي الذي يعيشه المجتمع الإماراتي حالياً غائباً عنها. وطالب رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات فرع ابوظبي الكاتب حارب الظاهري، بعدم تحميل المؤسسة التعليمية أكثر مما تحتمل، مشيراً إلى أن التراث ممارسة، وهي مفقودة في المجتمع «فنحن كشعب لا نمارس تراثنا، وعلينا ان نحدد مسؤولياتنا تجاه التراث، وما يجب ان نقوم به وما يمكن للتعليم استيعابه من التراث». بينما دعا الإعلامي سعيد حمدان إلى الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في مجال حماية التراث وخصوصاً الدول الخليجية والعربية.