منشغل بمشروع موسيقي.. ويعتبر نفسه معتزلاً التمثيل

سعيد صالح يعلن موت المسرح الكوميدي

صالح: الحاج يوسف أرشدني للهداية في السجن. أرشيفية

أعلن الفنان المصري سعيد صالح موت الكوميديا، وقال لـ«الإمارات اليوم» ان «المسرح الكوميدي مات، وهذه هي مرحلة تقبل العزاء في أمجاده السابقة»، مضيفاً أن «عودة الروح لجسد المسرح العربي أصبحت مهمة مستحيلة»، مؤكداً أنه الوحيد الذي كان قادراً على صنع الضحكة العربية، و«كل ما قد تستطيع الكوميديا التلفزيونية جلبه إلى المشاهد العربي هو قليل من الابتسامات مؤقتة الحضور في ذاكرته».

ويرى الكوميدي المصري في حوار لـ«الإمارات اليوم» أن الفنان إسماعيل ياسين هو الممثل الوحيد الذي مازالت أعماله قادرة على إضحاكه حتى الآن.

وفيما اعتبر أن «الدراما العربية لم تُنجب ممثلة كوميدية قديرة»، قال صالح إن «عادل إمام حالة كوميدية خاصة»، رافضاً تجارب جيل الشباب بشدة وصراحة، ورغم استمرار عطائه الفني للتلفزيون والسينما فإنه يؤكد «أعتبر نفسي معتزلاً التمثيل الحقيقي منذ عام ،1992 عندما بدأت العطاء في مجال مشروع موسيقي عملاق هو الإرث الفني الحقيقي لي».

الإحالات إلى السياق الديني كانت حاضرة بشكل لافت في حوار صالح، الذي تحدث عن تجربة سجنه للمرة الثالثة بعد تجربتين سابقتين إحداهما لأسباب سياسية في الثمانينات، والأخرى لاتهامه بتعاطي المخدرات «لم أعرف معنى الحرية الحقيقي إلا في تلك التجربة التي أعادت لي اتزاني النفسي وعرفتني إلى صاحب التحول الحقيقي في حياتي الحاج يوسف الذي أرشدني إلى طريق الهداية وحثني على قراءة القرآن بتدبر وإمعان، لأخرج بعدها إنساناً آخر يحافظ على واجباته كمسلم، إلى الدرجة التي جعلتني أشعر بجماليات تأدية شعائر الحج 14 عاماً متواصلة أسلمتني إلى سلام تام مع ذاتي لا أخشى معه الموت بعد إحساسي بأنني تطهرت من ذنوب كثيرة ارتكبتها أثناء مشواري مع الفن».

توصيف أشقى طلاب «مدرسة المشاغبين» وأكثر أبناء «رمضان بك السكري» تمرداً في مسرحية «العيال كبرت» لواقع المسرح العربي لم يخل من المرارة والتحسر على مرحلة السبعينات التي يعدّها «عصراً ذهبياً للإبداع بشكل عام»، مضيفاً «للأسف الشديد المسرح العربي وصل إلى مرحلة ميؤوس منها، ليس في ما يتعلق بفقدان الهوية أو الحرفية فقط، بل إن الأعمال الكثيرة التي تنتج حالياً في مجملها ليس لها علاقة بالمسرح الحقيقي، بعدما فقد المحسوبون على المسرح إحساسهم بنبض الشارع، وباتوا ينخرطون في أعمال لا تعبر عن هموم الناس وواقعهم الحقيقي».

وفي ما يتعلق بوجود كم كبير من المسرحيات الكوميدية التي تلقى رواجاً بشكل خاص خلال موسم صيف القاهرة والإسكندرية وبعض المدن العربية الأخرى ما يؤشر إلى أن قطاعاً كبيراً من الجمهور متواصل مع المسرح التجاري بشكل خاص، شكك صالح في نزاهة الأرقام التي تصدر عن إدارات المسارح بشأن حجم الإقبال، مضيفاً «في حقيقة الأمر هناك عزوف من الجمهور عن المسرح الكوميدي بعدما فشل الأخير في التفاعل مع قضايا مجتمعه والتعبير عنها»، وأنه «لا يمكن أن نتعامل مع هذا النوع المهم من الدراما المسرحية على أنها مجرد وسيلة إضحاك، لأنه ليس هناك وسيلة أنجع لطرح أكثر القضايا جدية ومصيرية لدى كل مجتمع من مواجهة المشاهد بها على خشبة المسرح، وحينها لن تكون الضحكة مجرد أصوات تعلو بأسارير منفرجة وقهقهة ينتهي مفعولها بعد ثوان معدودة، بل وسيلة لتفجير قضايا وطرح تساؤلات مهمة».

حقائق في السجن

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/292695.jpg

بنبرة لم يستطع أن يتخلى فيها عن خفة ظلٍ صاحبته في معظم أدواره المسرحية طالب الفنان المصري سعيد صالح بعدم التوقف كثيراً عند مساوئه بعد مماته، «مررت في حياتي بكثير من المنعطفات التي لم تخل من أخطاء جسيمة، قبل أن يقودني سجني الأخير لاكتشاف حقائق متعددة جعلتني أكثر فهماً لديني، ورغم اشتراكي في بعض الأعمال السينمائية إلا أنني أعتبر نفسي معتزلاً للتمثيل منذ العام ،1992 ومتفرغاً لمشروع موسيقي يحفظ للمكتبة العربية كنوزاً مهمة من أعمال فنية لرموز عربية خالدة هي إرثي الفني الحقيقي»، مضيفاً في سياق منفصل «الموسيقى ليست حراماً».

وحول تعرضه لظلم نقدي أو إعلامي مقارنة برفيق دربه عادل إمام الذي لم يشر إليه في حواره دون أن يسبقه بكلمة «الأستاذ»، أضاف صالح «كل فرد لا يأخذ من رزقه سوى نصيبه، فـ«الأستاذ» اجتهد واستحق نصيبه، وكل عائلة «مدرسة المشاغبين» بمن فيهم الراحلان أحمد زكي الذي شغل الدنيا بفنه، ويونس شلبي بعفويته وتلقائيته، أما أنا فراض تماماً بما تحقق لي ولا أتطلع الآن إلا لموت أثناء عمل يرضي الله، أما سيرتي الفنية الحقيقية فسيحكم عليها المشاهد بعد مماتي».

وأضاف صالح «لا يمكن أن نغفل أن المسرحي الكوميدي مرهون لدى المشاهد ومرتبط لديه بقضاء وقت ممتع سواء أثناء عرض المسرحية على الخشبة، أو بعد ذلك كلما تكرر عرضها تلفزيونياً، لكن حتى تلك الحقيقة تظل فقط أحد أهداف العمل الكوميدي بشكل عام، فضلاً عن أهداف عديدة أخرى متقدمة على هذا الغرض تصب في إطار معالجة قضايا حقيقية على أرض الواقع»، وضرب صالح مثلاً بمسرحية «العيال كبرت» التي «نجحت في عرض ومعالجة ظاهرة كانت متفشية وقت عرضها في المجتمعات العربية بشكل عام وهي لجوء الأزواج إلى الزواج مرة أخرى على حساب استقرار أسرهم، وغيرها من الظواهر الاجتماعية التي كانت تُعد حينها من قبيل المسكوت عنه».

وحول ما إذا كانت الدراما التلفزيونية وبشكل خاص الكوميدية منها يمكن أن تشكل بديلاً جيداً لاحتضار المسرح الكوميدي، قال صالح «إذا لم يكن هناك مسرح كوميدي كما هو الحال الآن، فإن النتيجة الحتمية هي غياب الضحكة، وأعتقد أننا بالفعل في زمن غياب الضحكة العربية»، مضيفاً أن «التلفزيون هو أسوأ جهاز للفرجة في ما يتعلق بالفعل الكوميدي بشكل خاص، لأن الجمهور هو من يصنع بتفاعله مع الممثل الواقف على الخشبة الضحكة الحقيقية»، مؤكداً أيضاً أن «اللازمة التي تنتشر عربياً دونما تنسيق تثبت أن ثقافتنا العربية واحدة بدليل أن مادة الضحك في مختلف الأقطار العربية واحدة باختلاف السياق المكاني، وربما الزماني أيضاً».

ورغم ذلك يؤكد صالح أن التلفزيون والسينما خلقا نجوماً في مجال الكوميديا، قبل أن يستدرك «لكنهم ظلوا دائماً حالة استثنائية لأن صناعة الضحك لن تكون ذات تأثير حقيقي خارج محيطها الأصلي وهو المسرح»، مضيفاً «أكثر من تمكنوا من إغراقي في الضحك على شاشة التلفزيون هو الراحل إسماعيل ياسين، أما الآن فإنه مع احترامي للمواهب الشابة فإن الغالبية العظمى منهم تضحك على المشاهد أكثر مما تثير ضحكته، وما موجود الآن معظمه أقرب إلى الابتذال وتسول الضحكة».

وبكثير من الإلحاح والإصرار على الحصول على إجابة عن السؤال المطروح اعترف صالح بأن الفنان محمد هنيدي الوحيد من الجيل الشاب الذي يروق له الاستمتاع بأدائه في بعض أعماله، معتبراً أشرف عبدالباقي ممثلا جيدا خسر استثمار موهبته بحصرها في الـ«سيت كوم»، و«محمد سعد فنان يمتلك قدرات تمثيلية عالية خسرها أيضاً بحصرها في شخصية اللمبي».

وفي ما يتعلق بما تردد عن وقوف الفنان السوري تيم الحسن وراء استبعاده من مسلسل «كنت صديقاً لديان»، قال صالح «غير صحيح على الإطلاق، ولم تنشب بيني وبينه مشادة كما روجت بعض الأخبار، وكل ما هنالك أنني رفضت الاشتراك في المسلسل بكل هذا العدد الكبير من المشاهد التي تصل إلى 250 مشهداً معظمها حشو وكلام لا هدف منه سوى مط حلقات المسلسل وصولاً إلى الرقم 30 من أجل العرض الرمضاني، لذلك فضلت الاعتذار عن المشاركة فيه، حفاظاً على صدقيتي أمام المشاهد».

وبرر صالح ابتعاده عن المسرح، بدلاً من سعيه مع عمالقة المسرح الآخرين لإحياء روح المسرح العربي الذي أعلن تأبينه، بانشغاله بمشروعه الموسيقي، مضيفاً «شارفت على تحقيق نتائج ملموسة في مشروع موسيقي وطربي يسعى إلى الحفاظ على مكتبة موسيقية وغنائية ضخمة ممثلة في أعمال العباقرة المخضرمين من أمثال فؤاد حداد وصلاح جاهين وبيرم التونسي، والآن أنجزت آلاف القصائد التي أعتبرها أهم محطات مسيرتي الفنية التي سيحكم عليها المشاهد بعد مماتي».

تويتر