سلطان القاسمي يروي يوميات من سيرته
«حديـث الـذاكـرة».. إضاءات على 6 سنوات
من بعد إضاءات «سرد الذات»، يعود صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في كتابه الجديد «حديث الذاكرة»، بمزيد من التفاصيل النابعة من قلب مفتوح، وبفيض مشاعر إنسانية، وشهادات شخصية لم تسجلها دفاتر الزيارات الرسمية، ووقائع عامة، محلية وعربية وعالمية، وحكايا ذاتية جداً، ويوميات من حياة حاكم ومثقف من طراز متميز.
يقرّب «حديث الذاكرة» مشاهد من ماضٍ قد يكون بعيداً عن وعي أجيال شابة، ويجمع في أسلوبية خاصة ما بين التأريخ والسرد، ويمزج بين الموضوعي والذاتي، فتتجاور عبر صفحات الكتاب أرقام الميزانيات، وخطط النهوض بالدولة مع الوصف الشيق للذكريات الجميلة، ولقاءات بقادة وزعماء دول مع زيارات لمراكز بحثية ومكتبات ومجالسة مثقفين وعلماء، وتتداخل أحاديث السياسة وتبعاتها مع البوح بما يعتمل في الوجدان، والحنين الذي كان يفيض به قلم الدكتور سلطان القاسمي لبلاده أينما حلّ، فعن زيارة له إلى أميركا في عام 1973 للاحتفال بتدشين حقل مبارك النفطي في الشارقة يقول «في مساء يوم الاثنين الثامن عشر من يونيو وصلنا إلى مدينة توسون، وكان ما حولها يشبه منطقة الذيد في الشارقة، بأشجارها من نخيل ورمان وحناء، وسهلها المنبسط حتى الجبال. بعد تناول العشاء الذي أقامته جامعة أريزونا عدنا إلى الفندق الذي نزلنا فيه، فكان مكوناً من غرف ذات دور أرضي جدرانه كأنها بنيت من اللبن في منطقة الذيد. ومن نافذة غرفتي، التي كانت تطل على حوش صغير تابع للغرفة، كانت هناك شجرة حناء، اقترب فرع مزهر منها من نافذتي، وأخذت نسمة عليلة باردة تهزه وكأنه يحييني».
بداية
على قدر أهل العزم أتت الأحداث متوالية وحساسة في مرحلة مفصلية من تاريخ الإمارات، وهي بداية الوحدة التي شارك في صنعها الدكتور سلطان القاسمي، واستمد منها «حديث الذاكرة» فصوله العشرة، فسنوات ست هي المدى الزمني للجزء الأول من الكتاب، الذي يفصَل بدايات الاتحاد، والأعوام الأولى من عمر ذلك المشروع الجميل الذي لم يأتِ على طبق ذهبي، ويؤرخ الكتاب باليوم، والساعة أحياناً، وبالصورة أيضاً، الأحداث التي مرت بالدولة في تلك الفترة، وما كان يكتنف ذلك الحلم من تحديات ذللتها عزائم المؤسسين لهذا الوطن، خصوصاً المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي أفرد له الكتاب صفحات ممتدة.
تنطلق أحداث الكتاب «الصادر عن منشورات القاسمي في 304 صفحات» من 25 يناير عام ،1972 اليوم الذي انتخب فيه الدكتور سلطان القاسمي حاكماً لإمارة الشارقة، والتطورات التي تلت ذلك، سواء على مستوى الدولة عموماً، أو الشارقة خصوصاً، وتلك السنوات التي «تحولت فيها الحياة من التفرّق إلى الاتحاد، ومن الخوف إلى الأمان، ومن البطالة إلى العمل الشريف، ومن الجهل إلى العلم والمعرفة، ومن الرفض من قبل الآخرين إلى القبول والترحيب، ومن استجداء الدول المانحة إلى دولة مانحة، هكذا كانت البداية»، كما ذكر صاحب «حديث الذاكرة» في مقدمة الكتاب الذي طرح أخيراً، في معرض الشارقة الدولي للكتاب.
يعرض الكتاب أياماً من حياة حاكم الشارقة، بتفاصيلها الإنسانية، وزياراته إلى دول في الشرق والغرب، وتصدير النفط من الشارقة، والقرارات التاريخية المتعلقة بدعم الاتحاد، وتصريحات ولقاءات صحافية، وغيرها من الأحداث التي تتيح للقارئ فرصة التعرف عن كثب إلى سيرة حاكم وإنسان.
«لسه فاكر»
بروح مرحة، وسرد عفوي، يروي الدكتور القاسمي كثيراً من المواقف الجميلة في «حديث الذاكرة»، ومنها ما حدث له خلال زيارته الأولى إلى مصر، ففي «صباح يوم الاثنين الثاني من يوليو سنة 1973 كانت لنا زيارة إلى كلية الزراعة بجامعة القاهرة، للقاء أساتذتي، الذين لم يمضِ على فراقي لهم أكثر من سنتين. في مكتب العميد، احتشد عدد من أساتذة كلية الزراعة، وأخذت أصافحهم فرداً فرداً، حتى وصلت إلى الدكتور شرف الدين أستاذ مادة الأغنام في قسم الحيوان، الذي كان في كل محاضرة له يرصد أسماء الحضور بذكر أسمائهم حتى إذا ما وصل عند ذكر اسمي بدأ يستهزئ بذكر سلطان: سلطان محمد صقر القاسمي: سلطان على أيه؟ ما تشوف لك اسم غير ده، اسمك لا يعجبني. وفي مرات كان يذكر اسمي هكذا: محمد صقر القاسمي. فلا أرد، فيأخذ يسأل: فين ده؟ غائب؟ فأقول له: أنا اسمي سلطان.. سلطان.. سلطان، فيرد بغضب: خلاص عرفنا. لكن اليوم الموقف يختلف، فقد وصل الموكب تتقدمه الدراجات النارية، وهي تصرخ بصفارات الإنذار، ومجموعة من الحراس تتقدمني لتفسح الطريق أمامي. قلت للدكتور شرف الدين ويده مازالت بين يدي: هل يعجبك اسمي الآن؟. الدكتور شرف الدين: هو انت لسه فاكر؟».
شهادات وإبداعات حصل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي على بكالوريس العلوم تخصص الهندسة الزراعية من جامعة القاهرة عام ،1971 وعلى دكتوراه الفلسفة في التاريخ بامتياز من جامعة اكسيتر بالمملكة المتحدة عام ،1985 ودكتوراه الفلسفة في الجغرافيا السياسية للخليج من جامعة درم بالمملكة المتحدة عام .1999 ومن مؤلفاته «أسطورة القرصنة العربية في الخليج» (إنجليزي ـ فارسي)، «الاحتلال البريطاني لعدن» (عربي)، و«تقسيم الامبراطورية العمانية» (عربي)، و«العلاقات العمانية الفرنسية» (عربي ـ إنجليزي ـ فرنسي ـ فارسي)، و«الخليج في الخرائط التاريخية.. في جزأين» (إنجليزي)، و«صراع القوى والتجارة في الخليج» (إنجليزي ـ فارسي)، و«بيان للمؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد» (عربي ـ إسباني ـ فارسي)، و«بيان الكويت.. سيرة الشيخ مبارك الصباح» (عربي)، و«الوثائق العربية ـ العمانية في مراكز الأرشيف الفرنسي» (عربي ـ فرنسي)، و«الحقد الدفين» (عربي ـ إنجليزي ـ إسباني ـ روسي ـ أردو)، و«سرد الذات» (عربي ـ إنجليزي). |
وهي الزيارة نفسها التي زار فيها الدكتور سلطان القاسمي مدينة السويس، وبعض المواقع الأمامية للقوات المسلحة المصرية، وشاهد خلالها خط بارليف، والتحصينات المقامة عليه، واجتمع بالضباط والجنود، وحياهم على الروح العالية، مؤكداً لهم ايمانه بانتصارهم في معركتهم المقبلة، وبالفعل كان النصر بعدها بأشهر قليلة. بينما لم تكن زيارة حاكم الشارقة الثانية لمصر عام 1975 مشابهة لنظيرتها قبل حرب أكتوبر، خصوصاً في لقاء الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، إذ حدثت خلال الزيارة أمور أخرى فصلها الكتاب.
موقفان
من المواقف الطريفة أيضاً ما حدث لصاحب السمو حاكم الشارقة خلال زيارته إلى أميركا للاحتفال بتدشين حقل النفط في الشارقة، إذ يقول «على مدخل قاعة الاحتفالات وقفت أرحب بالضيوف، فقام كل واحد منهم، وقد كان ضخم الجثة، عريض المنكبين، طويل اليدين، كفه كأنه خف بعير، يشدّ على يدي ويهزها هزا، وكأنه يحاول خلعها من الكتف، فإذا ما رحمني أحدهم كان يهزها يمينا ويسارا.. وعلى مدخل القاعة وقفت مودعاً تلك الأعداد الكبيرة من المدعوين ليس كما استقبلتهم، لكن وضعت يدي خلف ظهري، وأخذت أهز لهم رأسي مودعاً، فقبلوا تلك الطريقة، ظناً منهم أنها طريقتنا في الوداع».
ومنها أيضاً ما كان خلال زيارة للصومال ، يروي الدكتور سلطان القاسمي ذلك قائلاً «كانت هناك لقاءات بيني وبين الرئيس سياد بري، وكان المترجم بيننا أحد وزرائه ويُدعى أحمد حسن. في أحد اللقاءات كان الرئيس يتحدث عن الشيوعية منهجاً للحياة، فاعترضت عليه، قائلاً: جاهل من يستورد الأفكار من الخارج، حكيم من ينمي أفكار شعبه. بعد ترجمة تلك الكلمات بان عليه الغضب، وأخذ يتمتم ببعض الكلمات باللغة الصومالية، لم افهم معناها، لكن بعد أن اختلف احمد حسن مع سياد بري وزارني في الشارقة سألته عن تلك الكلمات التي قالها سياد بري في اللقاء الخاص. قال أحمد حسن: إن سياد بري كان يقول: ملعون.. ملعون.. يصفني بالجهل».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news