وداد لوتاه في عـــــــوالم «ع م س ز» الخفيّة
مدفوعة بقصص من الحياة، وتجارب واقعية، وحالمة ببيوت مظلّلة بالطمأنينة، ومسكونة بالسعادة، تقتحم المستشارة الأسرية الإماراتية وداد لوتاه، دهاليز عوالم خفية، في كتابها الجديد «ع م س ز»، الذي يكشف عن حيل مشعوذين ودجالين، بل وأدعياء يتاجرون بـ«آيات الله»، ويستغلون أزمات الناس بصور مختلفة، إذ يوعي الكتاب بظواهر خطرة، تراها المؤلفة منتشرة في أوساط كثيرة، وليست مجرد حالات قليلة.
كعادتها، لا تكتب صاحبة «سري للغاية» بوحي من حادثة قرأتها في جريدة، أو مستلهمة خبراً ما سمعت به، بل تستند إلى عشرات التجارب التي عايشتها، نتيجة خبرتها الطويلة في ميدان المشكلات الأسرية، بحكم عملها لعقود، موجهة ومستشارة، ومرشدة ومعلمة، مشيرة الى ان دافعها الأول للكتابة هو توجيه رسالة توعية، والتحذير من الوقوع ضحية لمثل اولئك المشعوذين الذين تزايدت اعدادهم بصورة كبيرة ليس على مستوى الدول العربية فقط، بل على مستوى العالم، وللأسف تنطلي ألاعيبهم وحيلهم على كثيرين.
وتنفي الكاتبة الإماراتية ان تكون الضجة التي أثيرت حول كتابها الأول «سري للغاية» حولت دفة قلمها إلى وجهة جديدة، وجعلتها تؤثر البعد عن موضوعات الثقافة الجنسية، وآداب المعاشرة الزوجية وأصولها، وأزمات غرف النوم التي صارت موضة حاليا في سوق الكتاب، معتبرة أن ما يوجه بوصلة الكاتب ينبغي أن تكون المشكلات الأكثر بروزاً في مجتمعه، وليس الرائج، مشددة على أن «ع م س ز» يتناول موضوعات حساسة تؤرق كثيرين أيضاً، كاشفة لـ«الإمارات اليوم» عن انها بصدد اعداد مؤلف جديد يتناول قضايا لم يعالجها «سري للغاية» بشكل ربما يكون مختلفاً ومفاجأة للقارئ.
قصص
«ع م س ز» اختصارات للعين والمس والسحر والزار، الظواهر الأربع التي تتوقف أمامها المؤلفة الإماراتية في كتابها الجديد الصادر عن مكتبة دبي للتوزيع في 166 صفحة، مضيفة أن «(ع م س ز) جولة في دروب هذه العوالم التي يرهب الناس اقتحام أسوارها، ولا أدعي البطولة باقتحامي وحضوري لعشرات الجلسات العلاجية، والتقاء متمكنين وغير متمكنين، واكتشاف كثير من الدجالين، وإنما هو قدري ساقني رغماً عني، فأنا أحاول بكل سعيي مساعدة أسرة على حافة الانهيار، أو اخت ضُيعت بارتياد عالم السحرة والزار، أو اسرة حارت المحاكم في علاج مشكلاتها بأحكام وغرامات لم تستأصل أصل الخلاف، أو شاب عجز عن الزواج لأسباب طارئة عليه، منها النفسي، ومنها الاجتماعي، ومنها أثر السحر أو المس».
وتمهد وداد لوتاه في بداية كل قسم من اقسام كتابها الأربعة بسرد حكايات واقعية من حياة أناس عرفتهم بشكل مباشر أو غير مباشر، وروت قصصاً كثيرة بأسلوب تعبيري مشوق، اعطى لـ«ع م س ز» نكهة خاصة، وبناء مختلفاً، الامر الذي تعمدته المؤلفة التي تقول إن «القصص تجعل كتابي مختلفا عن غيره، خصوصا التي تناولت الموضوعات ذاتها بأساليب علمية صرفة، وأيضاً مؤلفي الاول (سري للغاية)، إذ حاولت ان أمهد للقارئ اولا بصور من الحياة، ربما يكون صادفها هو ذاته في حياته، فتلمس القصة إحساساً داخله، وبعدها آخذه الى الجوانب الاخرى، واعتقد أن الناس يحبون الشكل القصصي، إذ يجعلهم متشوقين لما بعده، وهو ما اقتبسته من النهج القرآني الذي علمنا كيف نفيد من ذلك الجانب»، منبهة إلى أنها تصرفت في ملامح وتفاصيل معينة في القصص، كالاعمار والاشكال والصفات والاسماء طبعاً، حفاظاً على خصوصية اصحابها الأصليين ومشاعرهم «رغم أنه في كثير من البيوت تقع مثل تلك القصص».
ظاهرة
ترجع وداد الأسباب التي دفعتها إلى اصدار كتابها، إلى تنامي ظاهرة الدجل عموما، وتأثيراتها السلبية في الفرد والمجتمع، بل واجتذاب الشعوذة لجمهور جديد من الشباب والفتيات.
وتروي إحدى القصص قائلة: «اتصلت بي شابة في الرابعة والعشرين من عمرها، تشكو من ضيقها بحياتها، فسألتها عن سبب ذلك، فأخبرتني انها تعمل وسيطة بين مشعوذين وزبائن، ووجدت (رزقة) تكذب على الناس بها، إذ تجمع الأموال من أناس في الإمارات، ثم تطير إلى إحدى الدول، صانعة لهم ما يطلق عليه (وصل المحبة)، فقلت لها إن ذلك هو سبب تعبك في الحياة، إذ انك تكذبين على الناس وتقومين بخداعهم، وتسعين للحرام بقدميك وتجلبين الأذى لآخرين، وعليك ان تقلعي عن ذلك، وبالفعل استجابت، وردت بعض الأموال التي كانت جمعتها إلى أصحابها، وكانت نحو 40 ألف درهم»، مشيرة إلى ان لديها الكثير من مثل تلك القصص، نتيجة انتشار المشعوذين والدجالين، وكذلك المعالجين والرقاة عير المؤتمنين «ممن يستغلون أزمات نساء، لاسيما فتيات يتعلقن بقشة للخروج من أزمات نفسية يقعن فيها لسبب أو لآخر، ولكم شكت لي شابات تعرضهن للتحرش من قبل أولئك الأدعياء الذين يسيئون إلى غيرهم من الرقاة الأمناء».
وحول عنوان الكتاب، ولماذا اختارت صاحبته ذلك الشكل الرمزي بدلاً من التصريح الواضح، تقول وداد لوتاه: «أفضل ان يكون بيني وبين القارئ شيء ما جاذب، والعنوان يجب ان يحرض على القراءة لا أن يزهد فيها، واخترت تلك الحروف الأربعة كي يستشعر المتلقي أنه ليس أمام كتاب نمطي، كغيره من المؤلفات التي تناولت ما تطرقت إليه من موضوعات العين والسحر والزار وغيرها، وأعتقد ان ذلك لقي صدى طيباً لدى البعض، وحاولت ان انوّع حتى في شكل العنوان وألوانه، فكثيرون صاروا بصيرين، تشدهم الألوان، والمربعات، وتلفت انتباههم».
مشيرة إلى انها تضع الجيل الجديد دوماً نصب عينيها خلال إعداد كتبها، وتحاول أن تقترب برسائلها التوعوية الى شباب اليوم، ممن يفضلون «السندوتشات المعرفية السريعة»، وليسوا بحاجة إلى المجلدات والشروحات المطولة، فكثيرون لم يعودوا يتحملون ذلك، على حد تعبيرها.
مستشارة أسرية
الكاتبة والباحثة وداد ناصر محمد لوتاه، حاصلة على بكالوريس آداب في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الإمارات، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، وتدرجت في عدد من الوظائف، إذ عملت في التدريس بوزارة التربية والتعليم حتى عام ،1993 وانتقلت الى قسم الدعوة النسوي بدائرة الاوقاف والشؤون الإسلامية بدبي، وعملت موجهة أسرية في محاكم دبي قسم التوجيه والإصلاح الأسري بين عامي 2001 و،2009 وانتقلت أخيرا مستشارة أسرية في هيئة تنمية المجتمع. |
شعار
شعار وداد لوتاه في كتابيها «لست انتظر تأييداً، ولا أخشى تنديداً»، وكذلك في عملها الذي يدفعها لمواجهة موضوعات حساسة وأسرار عائلية، ففي العام الجاري وحده تعاملت مع نحو 500 حالة أسرية، وآخر السعادات الكبرى التي حصلت عليها أخيراً، حينما وفقت في الاصلاح بين زوجين كبيرين في السن طال بينهما الخلاف لأكثر من اربع سنوات، كما ذكرت الكاتبة التي تقول إن «ليلي ونهاري مخصصان للمشكلات الأسرية، وندخل أحيانا بيوتا كي نذلل مشكلة ما، إذ نمتلك إسعافاً أسريا لمن لا يستطيعون القدوم الينا في هيئة تنمية المجتمع، وهاتفي دائماً مشغول حتى وانا بعيدة عن اوقات العمل الرسمية»، منتقدة تحويل البعض الاستشارات الأسرية إلى تجارة، مضيفة «إحدى النساء اتصلت بي، وظلت تحدثني عن مشكلتها لنحو ساعة ونصف، وقبل انهاء الحوار، سألتني (وين ادفعلك الفلوس، فقلت لها اي فلوس يا حبيبتي، فردت حق المكالمة الهاتفية والاستشارة، ففلانة وفلان وفلان ياخدون ثمن الاستشارات عندما نكلمهم، واول شيء نصنعه عندما نستشيرهم نعطيهم رقم الحساب)، ففوجئت بالارقام والمبالغ الكبيرة التي قالتها المرأة، وكيف يدفع البعض ثمناً باهظا لمكالمة هاتفية، أو حتى استشارة عبر البريد الالكتروني».
فيما تؤكد وداد لوتاه ان الأجر الحقيقي الذي تحصل عليه هي شخصياً، هو شعورها بالرضا والسعادة حينما تسهم في حل مشكلة ما بين زوجين، او تساعد أطفالاً على الشعور بالأمان بين والدين هانئين بحياتهما.