منصور بن زايد يكرّم الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب. من المصدر

تشونغ جي كون: «نوبل» ظلمـت العرب كثيراً

قال المستعرب الصيني الفائز بجائزة شخصية العام الثقافية تشونغ جي كون، إنه «متفائل بمستقبل مصر والثورة المصرية في الفترة المقبلة»، داعياً الجميع إلى التفاؤل «فالتاريخ يتقدم ولا يتراجع للخلف»، كما اعتبر المفكر الصيني أن جائزة نوبل ظلمت العرب كثيراً، حيث تجاهلت كثيراً من المبدعين العرب قبل نجيب محفوظ وبعده.

وأشار جي كون في حواره مع «الإمارات اليوم» إلى أن الأديب الحقيقي يجب أن يكون مفكراً وناقداً اجتماعياً، وأن يعرض مشكلات المجتمع وقضاياه لتصبح أعماله أدوات ضغط على النظام الرسمي للإصلاح وتطوير البلاد. بينما يؤدي تراكم هذه المشكلات إلى انفجار المجتمع في ثورات مفاجئة، كما حدث في تونس ومصر خلال ثورة 25 يناير التي كان شاهداً على جانب منها، حيث وصل إلى القاهرة على رأس وفد صيني يضم 400 ناشر وكاتب للمشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، في يوم اندلاع الثورة نفسه. معرباً عن عدم تخوفه من وصول التيارات الدينية للسلطة طالما ستأتي عبر انتخابات ديمقراطية تعبر عن رأي الشعب نفسه.

وعبر المستعرب الصيني عن سعادته بالفوز بجائزة شخصية العام الثقافية أحد فروع جائزة الشيخ زايد، مضيفاً «فوزي بالجائزة كان مفاجأة غير متوقعة بالنسبة لي، فأنا رجل يحب أن يحلم، وقد حلمت بالفعل بألف حلم وحلم، ورغم ذلك لم أحلم بأن أشعر بمثل ما شعرت به من سعادة عندما تسلمت الجائزة، التي أرى انها لم تقدم لي بشكل شخصي، ولكنها شرف لكل أفراد أسرة الاستعراب في الصين، وتقدير لأعمالهم جميعاً، ولأبناء الشعب الصيني كافة».

بين الاستعراب والاستشراق

في مجال الأدب، اعتبر جي كون أن الأدب الخليجي والسعودي بشكل خاص «استطاع ان يحقق خطوات جيدة جداً، خصوصاً أعمال كتاب مثل عبدالرحمن منيف وغازي القصيبي، رغم ان اعمالهما ممنوعة من التداول في السعودية»، كما توقع ان يشهد الأدب النسائي الخليجي المزيد من التطور في المستقبل.

وتحفظ تشونغ جي كون على وصفه بكلمة «مستشرق»، مفضلاً استخدام صفة «مستعرب» بدلاً منها. «فنحن ننتمي إلى الشرق والحضارات الشرقية، وهي قريبة من الحضارة العربية والإسلامية، بينما يأتي الاستشراق من المركزية الغربية، بكل ما له وما عليه، فإلى جانب الدور الايجابي الذي لعبه بعض المستشرقون في بناء جسور ثقافية وحضارية بين الشرق والغرب، هناك أيضا دور آخر سلبي، ربما أدى إلى تشويه الشرق، وبعض المستشرقين أسهم في شيطنة صورة الاسلام والمسلمين». مؤكداً ان الحضارتين العربية الإسلامية والصينية، اللتين ارتبطتا عبر طريق الحرير عبر قرون مضت، كانتا في القرون الوسطى منارتين وناطحتي سحاب تشعان على العالم أضواء مبهرة، حيث كان للحضارة الصينية تأثيراً كبيراً في الدول والبلدان المجاورة لها مثل اليابان وفيتنام وكوريا، وهناك الكثير من الوثائق والمخطوطات القديمة باللغة الصينية التي تم العثور عليها في هذه البلدان، وقدمت الصين في ذاك الوقت عدداً من أهم الاختراعات التي أثرت في تاريخ الإنسانية مثل صناعة الورق والطباعة والبارود، واكتشفت المغناطيسية، وقد نقلت هذه العلوم إلى الغرب عن طريق العرب. من جهة أخرى، كان الغرب يعيش في القرون الوسطى في ظلام حالك، ولولا الحضارة العربية الإسلامية لم تكن هناك نهضة غربية أبداً، حيث مهد العرب الطرق أمام الغربيين نحو التقدم، مضيفاً أن «المستشرقين المنصفين كافة يعترفون بهذا الفضل للحضارات الشرقية، ويجب علينا ان نعي هذه الحقائق وأن نعرف الاجيال الجديدة بها، ونذكرهم ان اللغتين الصينية والعربية كانتا الاكثر شيوعاً في ذاك الوقت مثل اللغة الانجليزية الآن، فالدولة العربية لم تكن امبراطورية سياسية، ولكن حضارة ثقافية ايضاً».

«نوبل» والعرب

وأشار مؤلف موسوعة «تاريخ الأدب العربي» إلى ان الأدب العربي القديم كان له دور كبير في تطور الآداب في العالم أجمع من خلال ما قدمه من انتاج أدبي من قصائد وموشحات ودراسات ومؤلفات خالدة مثل «ألف ليلة وليلة»، التي كانت لها تأثير عظيم في الأدب العالمي، حيث لا يوجد أديب لم يتأثر بها، وكان لها دور مهم في بداية ظهور القصص الحديثة في مختلف القارات، وهي أيضا أول ما تعرف عليه أبناء الصين من الأدب العربي، ولكنها كانت مترجمة عن الإنجليزية.

واستطرد «في رأيي أن الأدب العربي الحديث ليس أقل شأناً من الأدب الغربي، أو من الانفجار الأدبي في أميركا اللاتينية، ففي مصر مثلاً هناك مجموعة من الكتاب البارزين خصوصاً من جيل الستينات مثل جمال الغيطاني ويوسف القعيد وبهاء طاهر وصنع الله ابراهيم، بالإضافة بالطبع إلى نجيب محفوظ، وخارج مصر هناك ايضا كتاب مبدعون مثل حنا مينا الذي اعتبره نجيب محفوظ السوري، وهو بالمناسبة عمل في الصين لمدة 10 سنوات وكان شيوعيا».

ولكن اذا كان «مينا» هو «نجيب محفوظ آخر»، لماذا لم يفز بجائزة نوبل ليحقق الطموح العربي في الجائزة العالمية مرة أخرى؟ في إجابته اعتبر المستعرب الصيني ان جائزة نوبل ظلمت الأدب العربي، وهناك كثير من الأدباء والشعراء الذين يستحقون الفوز بها فضلاً عن محفوظ، سواء قبله او بعده، مثل توفيق الحكيم وطه حسين وجبران خليل خبران وميخائيل نعيمة، ومن بعده الغيطاني وعبدالرحمن منيف وعبدالوهاب البياتي وأدونيس.

غزليات

وعن ما يفضله في الأدب العربي، اشار إلى اعجابه الشديد بقصائد الغزل العذري لمجنون ليلى وجميل بثينة وعمرو بن أبي ربيعة. ومن الأدب الحديث أعجبته غزليات نزار قباني التي قام بترجمتها وإصدارها في كتاب باللغة الصينية لاقى إقبالاً كبيراً من الشباب بشكل خاص. كما قام بترجمة عدد من الروايات من بينها «ميرامار» لنجيب محفوظ، و«في بيتنا رجل» لاحسان عبدالقدوس وغيرها من الاعمال البارزة.

ورغم ان السائد لدى كثيرين ان ترجمة الشعر أكثر صعوبة من ترجمة الرواية، أعتبر جي كون ان ترجمة الرواية هي الأصعب لأنها تحتاج إلى وقت أطول، وتركيز أكثر للعيش في أجواء العمل الروائي.

وقال إنه كمترجم يعتمد على مبدأ رئيس هو الصدق والالتزام نحو المؤلف عبر الالتزام بنصه، ونحو القارئ بتقديم ترجمة أمينة للنص. لافتاً إلى حرصه على اختيار أعمال قريبة من الفكر الصيني عند الترجمة، وأنه لا يقوم بترجمة كتاب إلا إذا أعجب به.

وذكر جي كون ان الترجمات الغربية لأعمال عربية ليست بريئة دائماً، فهي في كثير من الأحيان تسعى لاختيار الأعمال التي تظهر سلبيات المجتمعات العربية مثل العنف والارهاب ومشكلات المرأة والفقر وغيرها. «في المقابل، أقوم أحيانا باختيار أعمال عربية تعبر عن مشكلات أو فساد أو غيرها من سلبيات، ولكن يأتي ذلك بهدف مقاربة المشكلات نفسها في المجتمع الصيني والدعوة إلى إصلاحها».

سيرة

تشونغ جي كون يتسلم جائزة شخصية العام الثقافية. من المصدر

يشغل تشونغ العديد من المناصب أهمها أستاذ بكلية اللغة العربية في معهد اللغات الأجنبية التابع لجامعة بكين، وعضو الجمعية الصينية للآداب الأجنبية، ورئيس جمعية دراسات الآداب العربية، وعضو جمعية دراسات الشرق الأوسط، ونائب رئيس لجنة الآداب والفنون بجمعية الترجمة الصينية، ونائب رئيس لجنة الثقافة بجمعية الصداقة الصينية العربية، وعضو اتحاد الكتّاب الصينيين، وعضو شرفي باتحاد الكتّاب العرب.

وعمل تشونغ في مناصب عدّة شملت رئاسة تحرير مجلة «تاريخ الآداب الشرقية»، و«ألف ليلة وليلتان» و«تاريخ الأدب العربي الحديث» وغيرها. وله العديد من الكتب التي ترجمها، كان أهمها «ميرامار» للكاتب المصري الراحل نجيب محفوظ، و«في بيتنا رجل» لإحسان عبدالقدوس، و«فتافيت امرأة» للشاعرة الكويتية سعاد الصباح، و«ألف ليلة وليلة»، بالإضافة إلى قصائد مختارة لجبران خليل جبران وغيرها العديد.

ويعود المفكر الصيني إلى ذكرياته في مصر، مشيراً إلى ان أول عبارة تعلمها ورددها وهتف بها باللغة العربية كانت «تعيش مصر ويسقط الاستعمار»، وذلك في تظاهرة تأييد قام بها مع مجموعة من الطلبة والشباب الصيني أمام السفارة المصرية في الصين عام ،1956 لمساندة الشعب المصري في تصديه للعدوان الثلاثي الذي جاء رداً على إعلان الزعيم الراحل جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس. لافتاً إلى انه عندما سافر للقاهرة في 1978 لاستكمال دراسته في جامعة القاهرة، انبهر بجمال المدينة الكبيرة وحداثتها، وما شاهده فيها من مبانٍ أنيقة وبنايات مرتفعة وشوارع واسعة نظيفة ومرصوفة، «وقتها تمنيت من كل قلبي ان تصبح الصين مثل القاهرة، حيث كانت الصين دولة فقيرة وتفتقر إلى مثل هذه المظاهر العصرية، ولكن عندما عدت لزيارتها مرة أخرى في 2005 حزنت لما وصلت إليه، وهو ما جعل انفجار ثورة 25 يناير أمراً منطقياً وضرورياً».

 

الأكثر مشاركة