عُرضت في ثالث أيام الشارقة المسرحية

«أصايل» كلباء تستعير«البندقية» السعودية

«أصايل» دارت حول جدلية الأصالة والمعاصرة. تصوير: أسامة أبوغانم

جاءت فعاليات أيام الشارقة المسرحية، أول من أمس، حافلة ومتنوعة بين ندوات فكرية صباحية، تحدث فيها عدد من المسرحيين ضمن إطارها الأساسي الذي يناقش واقع «المسرح العربي بين عقدين»، فيما اجتهد كثيرون لمتابعة عرضين مسرحيين، أولهما خارج المسابقة الرسمية، استضافه معهد الشارقة للفنون، وهو «هواء بحري»، إخراج رئيس جمعية المسرحيين السابق عمر غباش، وتأليف صالح كرامة، وثانيهما مسرحية «أصايل»، التي تدخل ضمن المسابقة الرسمية، من إخراج فيصل الدرمكي، وتأليف رئيس جمعية المسرحيين الحالي إسماعيل عبدالله.

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/370730.jpg

ثمار «الأيام»

يوماً بعد يوم، بغض النظر عن المعايير الفنية والنقدية للعروض، تتكثف ثمار أي مهرجان فني مع تعاقب دوراته، وبالنسبة للأيام، فإن الإبداع والمشاهدة والحوار الفكري، ليست هي مجمل الثمار التي تتحقق على مدار 10 أيام، تمثل المساحة الزمنية لفعالياتها، والتفاتة إلى مولد موهبة تمثيلية عمرها 12 عاماً، عبر مسرحية «عار الوقار»، لمسرح دبا الحصن، ابهرت المسرحيين نقاداً وفنانين قبل الجمهور، وتوكيد حضور موهبة كوميدية أخرى هي الشاب جمعة علي قد تكون بمثابة التفاتة إلى ثمار لم يتم الانتهاء من قطفها تماماً.

ومساء أول من أمس، التقى على منصة الندوات التطبيقية للمهرجان مبدعو عملين كل منهما تقبل الرأي بنقده بصدر متسع، ورغم أن نص الكاتب الإماراتي صالح كرامة «هواء بحري» تم الاحتفاء به في الإسكندرية، وحصل على جائزة مهرجانية مهمة، إلا أنه قابل انتقاداً حاداً مع مخرج العمل عمر غباش بذهنين منفتحين، أولهما لم يقده استغرابه لتصنيف عمله ضمن فئة المسرح العبثي، رغم تأكيده أنه ليس كذلك، والثاني فسر حالة الاستغراب، كونه خارجاً عن نمطية ما اعتاده الآخرون منه مخرجاً، معرباً عن امتنانه الذاتي لكسره تلك النمطية، متقبلاً في الوقت ذاته كل أشكال النقد.

ثنائية الإخراج والتأليف في «اصايل» أيضاً ممثلة على التوالي بإسماعيل عبدالله وفيصل الدرمكي لم تستثن من هذا الجو الصحي في الحوار النقدي، رغم أن الأخير بدأ معتذراً لبعض الإشكاليات التقنية الناجمة عن عطل مفاجئ في أجهزة الإضاءة، إلا أن ديمقراطية الرأي والرأي الآخر ظلت حاكمة مشهد الندوتين، باستثناء إطالة مداخلات بعض المعقبين على نحو لا ينسجم مع محدودية المساحة الزمنية للندوات، وهو أمر تلقى كرته في ملعب مديري الندوات.

مفردة عنوان المسرحية، وكتابة إسماعيل عبدالله نص «اصايل»، وهو أحد أكثر الكتاب الإماراتيين ارتباطاً في أعماله بالتراث، وأفكار التحاور أو التنافر بين الأصالة والمعاصرة في أجواء وسياقات نفسية واجتماعية متلونة، كلها انطباعات بررت تصوراً مسبقاً للمشاهد بأنه على موعد مع مشهدية تراثية ما، وفضاء يعود به إلى فضاء مستعار من الماضي المحلي بإحدى بيئاته المتعددة.

رفع الستار خلص المترقبين الذين ملأوا مسرح قصر الثقافة عن آخره، في صورة إيجابية متكررة على مدار عروض «الأيام»، وكشف عن تخلص المخرج أيضاً من اللجوء إلى تيمات متكررة من خلال إيلاء أولوية لفضاء مسرحي يتيح مزيداً من الاهتمام، بفضل بساطة الديكور لحركة الممثلين أنفسهم، والفعل المسرحي المواكب لتلك الحركة، لتخلو المزرعة التي مثلت المكان الثابت للأحداث سوى من جذوع بعض أشجار النخيل المعدودة، متفاوتة الطول، والقليل من سعف النخيل.

«السينوغرافيا» التي لعبت دوراً رئيساً في جماليات «أصايل»، كان يتطلب منها مع تلك البساطة التي بدأت بها، أن تلين لمزيد من التوظيف، وهو ما تم بالفعل، ولكن على نحو أعاد لأذهان جميع من حضروا مهرجان الخليج المسرحي في نسخته الأخيرة أواخر ديسمبر الماضي في قطر، إلى العرض السعودي «البندقية»، الذي أبهر توظيف للسينوغرافيا، عبر استثمار حركة «الجوقة» أو المجاميع المسرحية بسعف النخيل التي يشكلونها حسب مقتضيات المشهد، فضلاً عن استثمار أصواتها، وتحويلها لأدوات مختلفة.

لم تكن هذه المشاهد المتعلقة باستخدام المجاميع سعف النخيل هي المحيلة فقط لـ«البندقية» السعودية، بل أيضاً آلية توظيف تلك المجاميع على نحو يقرب آثارها من آثار الهواجس الضميرية التي تلاحق المذنب، وهو أمر كان مبهراً لجدته عندما عُرض في «البندقية»، وموفقاً أيضاً في سياق «أصايل» التي أتاحت أحداثها استخدام تلك الأدوات في سياق يقرب الاستعانة بتوظيف سعف النخيل، والمجاميع في إطار الاستعارة المشروعة لاصطباغها بالرؤية الإخراجية الخاصة للدرمكي التي أحسنت التعامل مع نص إسماعيل عبدالله وكشفت تجدده، حتى وإن ظل محيلاً إلى قضيته الكبرى الجدلية بين الأصالة والمعاصرة.

«أصايل» دارت موضوعياً حول الصراع على الفتاة أصايل، التي تقوم بدورها ريم الفيصل، ابنة النوخذة صاحب المزرعة (الفنان بدر الريسي)، بين أخين أحدهما كفيف طامح إلى قلبها، راشد، يقوم بدوره عبدالرحمن الملا، والآخر يعمل لدى صاحب المزرعة وهو مصبح، الذي يجسد دوره الفنان جمعة علي، الذي يقوده الطمع وسطوة صاحب المزرعة وجشعه إلى قتل أخيه الضرير، في ظل تفاصيل كثيرة يحيل بعضها إلى حادثة سقوط من فوق جذع نخلة يفقد على إثرها في طفولتيهما كل من أصايل عذريتها، وراشد بصره، قبل أن تتحول الأولى إلى متهمة في شرفها عندما تكبر من وجهة نظر أبيها.

موهبة جمعة علي الكوميدية كانت بمثابة طوق إبداع، ومخرج متاح دائماً للمخرج من أجل اجتذاب أنظار وأسماع المشاهدين مجدداً كلما أغرق في التفاصيل بين الحين والآخر، واستطاع الممثل الشاب أن يتحكم في إيقاع همسات وضحكات الحضور، ارتفاعاً وانخفاضاً، بناء على قدرة كل موقف ارتجالي على استدرار الضحكات، حتى عندما استعار من المشهد السياسي الليبي ممثلاً في العبارة الشهيرة وتوابعها «زنقة زنقة.. دار دار» كان مختلفاً ومبتعداً عن إيراد نص الكلمات، وهو تصرف تكرر أيضاً في توظيفه الأمثال الشعبية في مواقف بعينها، ما يعني أن علي أصبحت لديه قدرة حتى على خلق الكوميديا من عبارات شائعة، بفضل ذكائه الفني وموهبته الفطرية.

سيطرة جمعة على إيقاع الفعل الدرامي لمفاصل عدة، مثل ذروة تفاعل المشاهد مع «اصايل»، لكنه في الوقت نفسه، شكل خيوطاً متقاطعة مع تطور الحدث الدرامي بفضل المبالغة في الكوميديا، رغم أنها ظلت مخرجاً سحرياً للمخرج والمشاهد معاً، حتى عندما تحول دور جمعة الذي كان مجرد عامل في المزرعة، ليدبر محاولة الخلاص من أخيه، لم يتخل عن كوميديته، وهو التطور الذي لم يستطع المشاهد تكوين مشاعر سلبية تجاه الشخصية، بفضل أكسير الكوميديا الذي كان يلجأ إليه دائماً.

من جهة أخرى، استضاف فندق هوليداي انترناشيونال بالشارقة، صباح أول من أمس، ندوتين حواريتين، هما «رؤى ومضامين أساسية جديدة في المسرح العربي»، و«اساليب ومضامين وفضاءات العرض المسرحي»، حيث أدار الجلسة الأولى المخرج التونسي المنصف السويسي، وتحدث فيها كل من خالد أمين متطرقاً إلى «أسئلة ما بعد الدراما»، والدكتور جمال عياد الذي ناقش رؤى واتجاهات جديدة في المسرح الأردني، والدكتورة فوزية المزي التي تطرقت إلى المشهد المسرحي التونسي، فيما أدار الجلسة الثانية يسري حسان، وشارك فيها كل من الدكتور نوال بن براهيم والدكتور السيد حسن احمد، والدكتورة عزة القصابي، وسباعي السيد.

تويتر