تكريم نجوم وضيوف في « بيت النابودة »

«ثالـث».. حـوار الحضارات حلم أبكم

المسرحية التي قدمها ممثلان لم تقدم تبريراً واضحاً لاسمها «ثالث». تصوير: تشاندرا بالان

البعض يسخر أحياناً من حوار غير منتج فيصفه بـ«حوار الطرشان»، والأكثر مرارة أن تكون فكرة الحوار المفترضة لا تعدو كونها حلماً، وإذا كان هذا الحوار المقصود به ما اصطلح على تسميته بحوار الحضارات، خصوصاً بين الشرق والغرب، فإن غيابه ضمن هذا السياق من المؤكد أنه يشكل كابوساً وليس حلماً، كما تعاملت معه رؤية مؤلف ومخرج مسرحية «الثالث» الفنان عبدالله صالح، وهو العمل الذي شارك به مسرح دبي الشعبي خارج المسابقة الرسمية لأيام الشارقة المسرحية التي تمتد فعاليات دورتها الـ21 حتى الأحد المقبل. معتمداً على طاقات ممثلَين كرر كل منهما الفوز بجائزة أفضل ممثل في مهرجان دبي لمسرح الشباب، سواء على وجه العموم بالنسبة لصاحب الدور المحوري إبراهيم استادي، أو كأفضل موهبة عربية في ما يتعلق برائد الدالاتي، الذي قام بالدور الثاني في عمل لم يكن فيه سوى ممثلَين اثنين، ليظل المشاهد حتى بعد إسدال الستار يتساءل عن سر تسمية العمل بـ«الثالث».

لقطات

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/371125.jpg

شيفرة

لم يستطع أحد من النقاد الجزم بمغزى تسمية العمل الذي انفرد برابع أيام مهرجان الشارقة المسرحية بـ«الثالث»، واستبعد البعض أن يكون الكاتب الذي هو نفسه المخرج عبدالله صالح يغمز بإشكالية تتعلق بـ«العالم الثالث» كون تهمة الإرهاب تم تفصيلها في مخيلات غربية لتلتصق بالغرب والمسلمين، حتى حسب المحتوى الدرامي للعمل، فيما ذهب آخرون إلى أن المغزى ربما يشير إلى تحذير من اندلاع حرب عالمية «ثالثة» بسبب هذه التهمة، رغم أنه خيار أيضاً مستبعد بناء على المحتوى نفسه. احتمال ثالث يطرح نفسه في هذا السياق يتعلق بـ«الشخص الثالث» الذي لم يأتِ في الحدث الذي ظل دائماً بين طرفين، سواء في ما يتعلق بالممثلين استادي والدالاتي أو ما مثلاه من طرفي النقيض الشرق والغرب.

انفعال مفتعل

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/371128.jpg

للمرة الثانية على التوالي يقع أحد أهم الممثلين الشباب الذين يراهن عليهم المسرح الإماراتي، طبقاً لحجم الجوائز التي نالها، ومشاركاته المهمة في المرحلة الأخيرة إبراهيم استادي، في إشكالية تحميل الدور أكثر مما يحتمل، من خلال انفعال زائد يبدو مفتعلاً ، لعدم انسجامه مع سياق التطور الدرامي، الأمر الذي يفقده مفاجأة المشاهد بأداء أكثر عمقاً عندما يصل بالفعل إلى ذروة الحدث.

الإشكالية نفسها حدثت مع استادي في مشاركته الأخيرة ضمن مهرجان دبي لمسرح الشباب، لكنه تمكن رغم ذلك من الاحتفاظ بجائزة أفضل ممثل، ورغم اعترافه بعد العرض مباشرة بأنه وقع في شرك الانفعال الزائد حينها، فإنه لم يستطع التخلص من الإشكالية نفسها للمرة الثانية، ما يعني أن استادي المعروف عنه إخلاصه الشديد في التمارين المسرحية، بحاجة إلى بعض المعالجة التي تستدرك الخطأ المتكرر ذاته في العمل المقبل، دون أن يعني ذلك أن «الثالث» كان من الممكن أن ينال إعجاب جمهوره على هذا النحو، لولا قدرة استادي على جذب المشاهد لمعايشة تقلباته النفسية على الخشبة.

الطاقات الشابة بالفعل أسعفت صالح، خصوصاً بالنسبة لاستادي الذي أدخل المشاهد في كوامن شخصية طالب عربي يدرس في الولايات المتحدة الأميركية أو إحدى الدول الأوروبية، لكنه يعاني هواجس لعنة تهمة الإرهاب، التي تجعل العربي متهماً بها حتى يثبت العكس، وعلى صوت قطار أقلع للتو لم يستطع اللحاق به يبدأ فعل درامي ظل ثابتاً دائماً عند المكان نفسه حتى نهاية المسرحية.

التكثيف الشديد للمونولوج الداخلي عبر تقنية السرد أعطت أفكاراً صريحة في وقت قياسي للغاية عن هذا المغترب العربي، الذي ندب حظه على عدم تمكنه اليومي من اللحاق بالقطار على مدار أربع سنوات، ليبدأ في الاستسلام لحالة استرخاء تسلمه لنوم عميق في انتظار قطار المساء، لكن راكباً ثانياً يقوم بدوره الدالاتي، يصل إلى المكان دون أن يقبل فكرة النقاش معه، من أجل قتل وقت انتظار القطار، وهو ما يسلمهما إلى تنافر يؤدي بالطالب العربي للاستسلام مرة أخرى لحالة نوم جديدة. وما بين نوم ويقظة يبدأ حوار ما بين الطرفين يتحول من خطاب كاد أن يوصلهما إلى حالة صداقة إلى خطاب عدائي، بعد أن عرف الراكب الثاني من خلال سؤاله عن اسمه أن الذي أمامه ليس سوى مغترب عربي يدعى (رشيد)، فتتحول كل الأفكار في رأس الرجل إلى يقين بأن من أمامه ليس سوى شاب إرهابي، وأن حقيبة الدراسة التي يحملها ما هي إلا حقيبة ملأى بالمتفجرات والمواد الداخلة في صناعتها.

حالة الاتهام هذه حولت (رشيد) بالفعل إلى شخص عدائي وبدأ بالتهجم على الآخر، ليجد نفسه متورطاً بالفعل في حالة اعتداء تلقائي صبغته تعامل الجهات الأمنية معه بملامح العملية الإرهابية، لكن المفاجأة التي يوردها المؤلف على نمط الأعمال التلفزيونية، في النهاية، هي أن كل تلك التفاصيل كانت ضمن حلم في رأس (رشيد)، الذي يستيقظ ليجد الراكب الآخر مستغرقاً في قراءة جريدته، وحينما يطلب التحاور معه يكتشف أنه عاجز عن القيام بذلك لأنه أصم وأبكم.

النص على هذا النحو بدا مبتوراً ومحملاً بوجهة نظر فكرية وسياسية وفلسفية شائكة، لاسيما في ما يتعلق بنسف جدوى فكرة حوار الحضارات بالكامل مع عدم مقدرة طرفيه على النقاش، وهي بالفعل النتيجة التي خلص إليها (رشيد) في ختام العمل كردة فعل على اكتشاف علتي الصم والبكم لدى الراكب الآخر: «إذن لا داعي للنقاش أساساً»، وفيما ترسخ الرؤية فكرة أن الغرب غير مستعد لـ«حوار حضاري مع الشرق»، كرّست الرؤية ذاتها فكرة تورط محتمل لأعمال عنف، بغض النظر عن السياق المؤدي لها، فضلاً عن أن الصياغة جميعها تمت في إطار حلم هو أقرب إلى «الكابوس» إذا ما صحت فرضية أننا نعيش في عالم لا نستطيع أن نخوض فيه حواراً بيننا وبين الأطراف الأخرى التي تشاركنا العيش على هذه الأرض. وعلى الرغم من حضور شخصين بآلتين مختلفتين هما الكمان والجيتار في موازنة ربما على خشبة المسرح بين الشرقي والغربي، فإن المؤثرات الموسيقية فقدت وظيفتها تماماً في دعم الأجواء النفسية للأحداث، فيما ضاعف قدرة الممثلين على ملء فضاء السينوغرافيا، وعلى الرغم من أن معظم النص قد تم عرضه من خلال إبراهيم استادي كممثل جسّد الدور الأول، فإن أداء رائد الدالاتي كان شديد الإقناع، لاسيما في مساحة الحوار ضمن سياق الحلم التي ذهب كل طرف يتفاخر بقوميته، ويتهم الآخر بأنه السبب الحقيقي لصراع قديم جديد، عاد ليتخذ منحى أكثر مرارة بعد أحداث 11 سبتمبر التي عصفت ببرج التجارة العالمي في نيويورك، وعصفت أيضاً بحالة كمون في العلاقة العدائية بين الغرب والشرق على النحو الذي عكسه العمل.

من جهة أخرى، شهد صباح أول من أمس، فعاليات اليوم الثاني للملتقى الفكري الذي يقام ضمن برنامج أيام الشارقة المسرحية، فيما استضاف «بيت النابودة» بمنطقة الشارقة التراثية ضيوف المهرجان من أعضاء الفرق المسرحية والفنانين الزائرين والنقاد والإعلاميين، في أمسية شهدت تكريماً للوفود المشاركة، وعدد من الضيوف، منهم الفنانون: سميحة أيوب، محمد صبحي، حسين فهمي، حسن مصطفى، كريمة مختار، ورياض الخولي وغيرهم، إذ سلمهم مدير إدارة الثقافة والتراث عبدالله العويس، شهادات وميداليات تذكارية تقديراً لمشاركتهم ضمن الدورة الحالية لأيام الشارقة المسرحية.

تويتر