يستلهم حياة ابن الرومي وأفكاره
قريشي يفتح «طريق الــــــــورود» إلى وحدة الكون
من الصعب أن تمر في «طريق الورود» وتخرج مثلما كنت قبله، فزائر معرض الفنان الجزائري رشيد قريشي الذي يأتي ضمن فعاليات مهرجان أبوظبي الذي تنظمه مجموعة ابوظبي للثقافة والفنون، ويستمر حتى الرابع من أبريل المقبل، يجد نفسه وجهاً لوجه مع كثير من المعاني والمعارف والأفكار التي تراوده مع كل خطوة يخطوها على الطريق، تاركة في النفس تساؤلات ملحة عن كل شيء، بما في ذلك اسم المعرض «طريق الورود» أم «طريق المعرفة أو الضوء».
دلالات الأرقام
الأرقام في معرض «طريق الورود» لها دلالات مهمة، قد لا يملك المتلقي تفسيرها بمفرده، لذا يحرص الفنان الجزائري رشيد قريشي على توضيحها «يلعب الرقم سبعة دوراً مهماً في العمل ككل، كما في الاديان المختلفة، وحتى في قصة نشأة الكون الذي خلق في سبعة أيام، وهناك سبع سماوات وسبع أرضين، وسبعة أيام في الأسبوع». ويقول قريشي إن «الدخول في الإسلام يعتمد على نطق سبع كلمات هي الشهادة، والطواف سبع مرات حول الكعبة، ويعتمد الإنسان على سبعة أجزاء من جسمه أثناء الصلاة»، مضيفاً أن «كل هذه الأمور والدلالات ليست مصادفة، أيضاً يمثل رقم سبعة حاصل جمع ثلاثة الذي يرمز للأرض أو الدائرة، وأربعة الذي يشير إلى المربع بمفهوم يشير إلى الذكر والأنثى ربما، ولذلك كان الرقم سبعة بمثابة القاسم المشترك لمكونات العمل، فهناك 28 درويشاً صوفياً، وهو حاصل ضرب 7*،4 والمجسمات المثبتة على الحائط يبلغ عددها 49 وهو حاصل ضرب 7*،7 وكل مجسم منها مقاسه 28 سنتيمتراً (7*4)، وارتفاعه 14 سنتيمتراً (7+7)، والقاعدة ثلاث سنتيمترات، وتشير إلى الأديان السماوية الثلاثة». |
من البداية يجب الا نتعامل مع «طريق الورود» باعتباره معرضا فنيا، فهو مشروع فكري وفني بامتياز، يأتي تكريما للشاعر الصوفي جلال الدين الرومي، وعرضاً لرقصة الدراويش في مذهب «مولاي الصوفي» الذي اسسه أتباع ابن الرومي بعد وفاته، ولكن بعيداً عن التصور التقليدي لرقصة الدراويش الفلكلورية، حيث انطلقت الفكرة، بحسب قريشي، خلال زيارته لمقبرة جلال الدين الرومي في تركيا.
عناصر عدة استخدمها قريشي في تنفيذ مشروعه؛ الضوء والظلال، والاقمشة والتذهيب، والخزف والحديد أيضاً، فالتنوع عنصر رئيس يقوم عليه المشروع، حيث يتعدى العناصر الظاهرة في تكوين العمل المادي، إلى تنوع فكري يحمله بين رموزه ومجسماته، ليلتقي في النهاية عند نقطة واحدة منها خرج كل شيء، وإليها ينتمي.
طريق الدراويش
ما ان يخطو زائر المعرض داخل المكان المخصص لـ«طريق الورود» في قصر الإمارات في ابوظبي، حتى يجد نفسه في ما يشبه ردهة طولية تمثل الطريق، وأمامه صف أوان أو أطباق من الخزف يصل عددها إلى 24 إناء، تزينها نقوش وزخارف ورموز صوفية في الغالب. بينما وضعت بداخل كل واحدة من تلك الأواني ثلاثة من أوراق الورد الأحمر تسبح بوداعة في ماء الورد، وهي تشير، بحسب ما اوضح قريشي، إلى الأديان السماوية الثلاثة، الإسلام والمسيحية واليهودية، ويؤكد الفنان «لكي تكون مسلما جيدا عليك ان تؤمن بالاديان السماوية جميعاً».
الرموز التي تختلف من إناء إلى آخر هي صوفية يبرز بينها رسم مبسط لدرويش يرفع يديه إلى السماء مبتهلاً وهو يقوم برقصته الدائرية المعروفة، بينما كتبت عبارة صوفية في مناجاة الخالق مفادها «أنت حبي منذ سنين».
في وسط الفضاء المغلق للمعرض -الطريق، وقف 28 تمثالاً من الصلب تبدو مثل حروف صينية، لكنها لدى قريشي تمثل دراويش يؤدون رقصتهم أو صلاتهم، وهم هناك رجال ونساء، فالإيمان والمعرفة لا يقتصران على جنس بعينه، مشيراً إلى ان «عدد هؤلاء الدراويش في الغالب يكون أكثر في المعارض السابقة، ولكن اقتصر على 28 في أبوظبي»، وهو العرض الخامس عالمياً لـ«طريق الورود» والأول خليجياً، بسبب ضيق المكان.
أحاطت بالمكان غرف صغيرة متقابلة اسدلت عليها ستائر بيضاء، وكتب على باب كل غرفة اسم من أسماء الله الحسنى، وجاءت جميعاً على خط أفقي واحد، أي على المستوى نفسه، ولكن اختلفت درجة شفافية القماش الذي حمل كل اسم منها في تدرج يصل إلى أعلى مستوياته عند اسم «الله».
الأزرق والذهبي
داخل كل غرفة يجد الزائر قطعة من القماش الأزرق المنسوج والمطرز يدوياً باللون الذهبي، مستلهماً كسوة الكعبة التي كانت تصنع في شمال إفريقيا وتحمل إلى مكة في موكب من الجمال يستقبل بالغناء والاحتفالات ويسمى «موكب المحمل». وتحمل اللوحات القماشية أيضاً مثل الأواني نقوشاً ورموزاً صوفية، بالإضافة إلى عبارات تتكرر بتراتبية معينة. ويضيف قريشي ان اختياره لقماش باللون الأزرق وتطريز ذهبي «يرجع إلى أن كلا اللونين غير مرئي، لا يمكن الامساك بهما، فعندما تنظر إلى البحر ترى اللون الأزرق ممتدا بوضوح، ولكن حين تحاول الامساك به بين يديك تجده قد تبدد ولم يبق سوى الماء الشفاف، كذلك اللون الذهبي في أشعة الشمس وانعكاساته المتعددة، لا يمكن الإمساك به، بالإضافة إلى كونه الأكثر قيمة ونقاء بين المواد والمعادن المختلفة».
وحول رمزية الغرف المتقابلة، يقول «هي بمثابة المساحة بين الإنسان وذاته، فلكل منها أفكاره ومعتقداته، والصوفي يؤمن أن الحقيقة مثل المرآة التي سقطت من السماء فتكسرت إلى قطع صغيرة تناثرت في كل مكان، وتوزعت بين الناس جميعا، فيكون لدى كل منا جزء من الحقيقية، وليس هناك من يستطيع امتلاكها كاملة، فعندما ينظر الانسان إلى المرآة يعتقد انه يرى نفسه، لكنه في الواقع يرى انعكاس صورته على المرآة ليرى حقيقته كما يعتقد هو».
نقطة مركزية
مع نهاية الطريق يجد الزائر حائطاً ثبتت عليه مجموعة من التماثيل والمنحوتات من البرونز تشبه تلك التي توسطت المعرض، ولكنها هنا أصغر حجماً، ويبلغ عددها 49 تمثالاً ترمز الى الانسان المؤمن، ثبتت على خلفية بيضاء وسلطت عليها إضاءة معينة بحيث تبدو ظلال المنحوتات السوداء متداخلة ومتقاطعة على الحائط الأبيض خالقة علاقات موحية بينهما.
في الجهة المقابلة للحائط، تقف النقطة المركزية لـ«طريق الورود»، التي تبدو من نهايته طاقة ضوء تبرز بين طبقات من الظلال السوداء رغم كثافتها لم تستطع ان تحجب الضوء الساطع لاسم «الله»، ومعه وضع الفنان العبارة الصوفية «دائمًا أنت في قلبي». بهذا الانكشاف على النور والإيمان تتضح الصورة الكلية لـ«طريق الورود»، الذي يبدأ بالأديان المختلفة ونقاط التشابه في ما بينها، مروراً ببحث الانسان عن الحقيقة في ذاته قبل ان يبحث عنها في العالم من حوله، مروراً بصلوات المؤمنين وتفاعلهم معا، ورقصات الدراويش التي تتطلع إلى التوحد مع الكون، كل ذلك يلتقي في نقطة مركزية وحيدة منها بدأ الكون، ومنها خرج كل شيء ليطير منفصلاً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news