عرض يمزج التراثي بالفانتازي ويرشح طاقمه لجوائز «الأيام»

«السلوقي».. دراما الخصوصية المحلية

المسرحية قدّمت معالجة فانتازية محيلة لخصوصية التراث المحلي وفجرت طاقات ممثليها على الخشبة. تصوير: أسامة أبوغانم

لم يكن من الممكن أن تذهب السلوقي لتمثيل الدولة في مهرجانين مختلفين، بعد أن تخلصت من منافسة عمل آخر هو «حرب النعل» للموهوب محمد العامري، ثم يتم اختيارها بعد ذلك لتمثيل مسرح الفجيرة الوطني في أيام الشارقة المسرحية، إلا إذا كان العمل بالفعل يحمل مقومات نجاحه، التي أوصلته إلى جوائز مهمة في مهرجان الخليج، سواء في ما يتعلق بالعرض المتكامل أو جائزة أفضل تمثيل وأيضاً أفضل نص مسرحي، لذلك كان حضور فعاليات اليوم السادس للمهرجان الذين قصدوا مسرح «قصر الثقافة»، أول من أمس، يعلمون أنهم أمام عرض مختلف.

جهد استثنائي

 وصف الفنان موسى البقيش المجهود الذي يقوم به مجلس إدارة مسرح رأس الخيمة حالياً بـ«الاستثنائي»، مؤكداً أن أهم ما يميز مسرح رأس الخيمة هو تلك الروح الإيجابية التي تجعل من أعضاء مجلس إدارته والمنتمين إلى خشبته بمثابة أسرة واحدة، تسعى إلى البناء فوق الإنجازات التي حققها المسرح على مدار العقود. وأكد البقيش احترامه لكل الجهود التي تقدم على خشبة هذا المسرح الذي ينتمي إليه، مبرراً عدم وجوده في مسرحية «سفر موت» التي استضافتها خشبة معهد الفنون على هامش «الأيام» وغيرها من الأعمال بانتقال إقامته إلى أبوظبي، لكنه أكد في الوقت نفسه أنه موجود ضمن دائرة العطاء لمسرحه، وغير مبتعد عما يدور هناك، مضيفاً: «مسرح رأس الخيمة هو بيتي المسرحي الأول». وكشف البقيش عن انشغاله بعرض مسرحي جديد، فضلاً عن اشتراكه في الجزء الثالث من مسلسل طماشة، معرباً عن سعادته لردود الفعل الإيجابية التي صادفها عرض الجزء الثاني من مسلسل عجيب غريب.

 نَفَس طويل

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/372586.jpg

 رئيس جمعية المسرحيين إسماعيل عبدالله يشارك كعادته في هذا المهرجان بنصوص مختلفة، تتوقف في هذه الدورة عند الرقم ،3 حيث تتبقى في جعبته مسرحية وحيدة، بعد عرض «أصايل» و«السلوقي»، وهو الأمر الذي تكرر في مشاركته بمهرجان الخليج المسرحي الأخير بقطر، ليكون حينها أول كاتب يشارك بنصين لمسرحيتين يمثلان دولتين مختلفتين، كانا في حالته الإمارات وقطر، وللمفارقة الدالة فإن العملين قد فازا بالجائزتين الرئيستين، وحقق إسماعيل جائزة أفضل تأليف.

عبدالله يبرر هذه الغزارة الإنتاجية التي جعلت البعض يسمونه «صاحب النفس الطويل»، بقوله: «أغتنم وقتاً يغفل عن استثماره الكثيرون، وهو تلك الساعات الذهبية الممتدة من ما بعد 11 والنصف صباحاً وحتى منتصف النهار، وهي ساعات تبقى دائماً بالنسبة لي ذهبية، يسبقها نمط عمل مختلف، ويتلوها فاصل لمعاودة الاهتمام بالشأن المسرحي».

وعلى الرغم من أن معظم المهتمين بالشأن المسرحي، سواء في ما يتعلق بالنطاق المحلي أو الخليجي أو العربي، سبق لهم أن شاهدوا العرض في أي من المحافل السابقة، فضلاً عن تكرر عروضه محلياً في ضوء مشاهدات منافسته لـ«حرب النعل» على التمثيل الخارجي، إلا أن سياق حال تكرر تلك الوجوه في العرض الأخير للعمل الذي لم يمض على البدء في تمارينه الأولية رغم ذلك سوى أشهر معدودة، فضلاً عن تمسك المخرج حسن رجب، والمؤلف إسماعيل عبدالله بتقديم عمل فانتازي تراثي يحيل إلى الخصوصية المحلية ويتعايش مع تفاصيلها، لغة ومكاناً وزماناً، يؤشر إلى حقيقة مفادها أن «السلوقي بالفعل.. دراما إماراتية لا تمل».

تجديد الوهيبي

رغم ذلك حملت السلوقي في «الأيام» تجديداً مستمداً من اعتذار الفنانة هدى الخطيب عن مواصلة تقديم دورها في العمل، بسبب تزامن أوقات التمارين المخصصة لها مع بعض ارتباطاتها بأعمال يجري تصوير مشاهدها في الكويت لمصلحة العروض التلفزيونية في الموسم المقبل، وهو الأمر الذي أتاح فرصة لترشيح العمانية سميرة الوهيبي لتنضم إلى أسرة العمل، محدثة قدراً من التجديد في العمل، لاسيما أن الدور الذي رُشحت من خلاله الخطيب للقب أفضل ممثلة في مهرجان المسرح الخليجي مصنّف دوراً أول، بالتوازي مع دور أول أيضاً للفنان الشاب حميد فارس، الذي حصل بالفعل على لقب أفضل ممثل خليجي في المهرجان الأخير بالدوحة.

«السلوقي» للمؤلف إسماعيل عبدالله مقتبسة من رواية «قلب كلب» لميخائيل بولفاكوف، منعت في عصر كتابتها أيام حكم البلاشفة لروسيا، قبل أن يتم الإفراج عنها عام ،1987 ويشارك فيها أيضاً إلى جانب الوهيبي وفارس كل من إبراهيم سالم جمعة علي وعبدالله مسعود وأمل محمد، التي لاتزال تمتلك تجربة غضة على الخشبة، رغم تمرسها في المشاركات التلفزيونية.

تراث وفانتازيا

المواءمة بين التراث والفانتازيا واستخدام لغة شعرية واستثمار الموسيقى وتطويعها لخدمة التطور الدرامي للأحداث، كانت بعض الجماليات التي برزت في عرض «السلوقي»، الذي بدأ بطيئاً وتسارع إيقاعه بشكل مذهل، وفاجأ المخرج والمؤلف مشاهديهما في أكثر من مسار من مسارات تطور الأحداث، وفي الوقت الذي كان ينتظر الجميع البحث عن تداعيات علاقة وفاء بين كلب سلوقي وصاحبه، وجد الجميع «السلوقي» الذي تحول إلى إنسان، يبدو أكبر إشكالات صاحبه، لكن المفارقة أن «السلوقي» يمتلك أيضاً نسقاً من المبررات التي استقاها زمن أن كان كلباً يتحمل كل الإهانات والتحامل من الجميع.

البداية الشعرية التي قادها جمعة علي، ثم اختزلت في دور الوهيبي التي قامت بدور المربية أو الخادمة السوداء القاسية على كلب وفي لصاحبه، وأمل محمد الفتاة التي ترتبط بمربيتها وتعيش في كنف ابيها صاحب السلوقي، استمرت بمثابة محطات تكثف الأحداث وتقوم بدور أشبه بالراوي والمستشرف ايضاً لبعض الآفاق القريبة، فيما كسا دور جمعة علي الذي لعب دور ابن أخيها نكهة كوميدية ساخرة تفاعل معها الحضور كثيراً، لاسيما عندما كان يقابل قسوة عمه بحلول متذاكية لفظاً، خالطاً الجد بالهزل، والتراجيدي بالكوميدي، وأيضاً الإنجليزية باللهجة المحلية.

اللهجة نفسها التي استخدمها الممثلون كانت لفرط شعبيتها أحد إشكالات التواصل مع النص، وبدا بعض الحضور حتى من الجمهور الخليجي المتنوع يسأل عن مفردات وإحالات إلى التراث المحلي، مثل الإشارة إلى أساطير مغرقة في المحلية، وهو أمر كان محل انفصام من بعض الجمهور عن الأحداث التي تدار على الخشبة.

الأداء المقنع لـحميد فارس الذي جسد ببراعة دور السلوقي، ونقل إلى الحضور كيفية تفهم مشاعر حيوان محروم من التواصل الشفهي البشري، كان ايضاً أحد أهم النقاط المضيئة في العرض، وعلى الرغم من أن أداء الممثل نفسه لم يكن بالإجادة نفسها بعد تحوله إلى إنسان، إلا أنه ظل جيداً بحيث لا يخرجه عن دائرة الترشح لجائزة أفضل ممثل للمرة الثانية عن الدور نفسه، لاسيما في ما يتعلق بقدرته في الإقناع بمشاعر «سلوقي» يقابل معاملتين متناقضتين من طرفين، أحدهما يبادله الوفاء بوفاء مشابه وهو صاحبه، والآخر يمتلك موقفاً معادياً له من دون أسباب، ويكيل له الشتائم دائماً وهو المربية والخادمة السوداء التي جسدت دورها الوهيبي.

اتساع الخشبة لموهبتين مسرحيتين شابتين هما حميد فارس وجمعة علي، يمثل كل منهما خطاً متبايناً في الأداء والطاقات، كان ايضاً ذا دلالة مهمة على أن المسرح الإماراتي يعيش مرحلة تجديد لمصلحة المستقبل، لاسيما إذا وضعنا في الاعتبار أن عدداً من المسرحيات التي سبق عرضها أكدت حضور تلك المواهب الشابة، مثل إبراهيم استادي، بل والطفولية أيضاً في ما يتعلق بالطفل الموهوب أحمد الجرن بطل مسرحية «عار الوقار».

حميد فارس.. مرشح أول

يبقى الفنان حميد فارس مرشحاً رئيساً للحصول على لقب أفضل ممثل دور أول للمرة الثانية عن الدور نفسه، وهو ترشح بدا الفنان الشاب فاطناً له منذ التمارين المسرحية لـ«السلوقي»، ويقول لـ«الإمارات اليوم»: «استفدت من جلسات وورش تدريبية مطولة مع الثلاثي إبراهيم سالم وإسماعيل عبدالله وحسن رجب، فحصلت على رؤى متنوعة، وتحفيز استثنائي عبر تأكيدهم جميعاً أن هذا الدور يؤهل صاحبه لجائزة أفضل ممثل، بشرط توافر الموهبة والذكاء التمثيلي والأهم (التوفيق)».

لا خلافات

أكدت الفنانة الإماراتية هدى الخطيب، عدم صحة ما تردد عن وجود خلافات مع أسرة «السلوقي» دفعت لانسحابها أو استبعادها من العمل، مؤكدة أن الأمر بالفعل يتعلق بتعارض اتفاقات مسبقة قامت بتوقيعها بشأن تصوير أعمال درامية في الكويت، مع توقيتات تمارين وعروض السلوقي المتعددة.

واضافت الخطيب: قدمنا سوياً عملاً ممتعاً كان له حضوره المهم في مهرجاني المسرح الخليجي والمسرح العربي في كل من قطر ولبنان على التوالي، والأهم أن العمل أحسن تمثيل الدولة في هذين المحفلين، وهذا هو ما يسعى إليه أي فنان إماراتي مخلص لفن الخشبة، وتبقى فرصة «السلوقي» قائمة، في تقديم عرض مبهر لجمهور الأيام، لاسيما أن العنصر الجديد لأسرة العمل فنانة تمتلك مقومات فنية مسرحية راقية، وهي الزميلة العمانية سميرة الوهيبي.

تويتر