«تسجيلي» عرض في «الجزيرة للأفلام»

«الساري الوردي».. هندية بدرجة مخــلصة من التعاسة

سامبات بال تحوّلت إلى قدوة في الهند. من المصدر

غير مهمومة بالكاميرا، ولا بمن يرقب تصرفاتها، تتحرك بعفوية بطلة الفيلم التسجيلي «الساري الوردي» سامبات بال، وتمارس السيدة الهندية التي وهبت نفسها للدفاع عن قضايا النساء في بلدها يوميات حياتها العادية، متزعمة مجموعة من النساء لمحاربة الظلم الواقع على بنات الطبقة الفقيرة في المجتمع الهندي، بما تتحكم فيه من طبقية مريعة، تتحمل النساء المنتميات إلى طبقة «المنبوذين»، وهي الأدنى في المجتمع، النصيب الأكبر من عواقبها.

تبدو سامبات في «الساري الوردي» الذي عرض أول من أمس في المسابقة الرسمية لمهرجان الجزيرة الدولي للأفلام التسجيلية في دورته السابعة في الدوحة، بمثابة مخلصة للنساء وملهمة لهن، تقول لفتاة حاولت الانتحار بسبب الظلم الواقع عليها: «واجهي معركتك وأنت حية»، وتنصح ثانية: «كوني شجاعة، وحاربي العالم».

خنفر: الثورات «ربيع للوثائقيين» أيضاً

 

دعا مدير عام شبكة الجزيرة، وضاح خنفر، منتجي الأفلام الوثائقية إلى الاستفادة من التحولات التي يمر بها الوطن العربي حاليا، معتبرا «الثورات ربيعاً للوثائقيين أيضا، ومن الممكن أن تثري صانعي الأفلام الوثائقية، لاسيما أن لديهم فرصة لتناول ما مر به الوطن العربي بصورة معمقة، ما لم يتح للقنوات الإخبارية التي وجدت نفسها في زحمة من الأخبار والثورات».

ورأى خنفر في لقاء مع الإعلاميين على هامش فعاليات مهرجان الجزيرة الدولي للأفلام التسجيلية التي اختتمت، أول من أمس، أن مدة المهرجان (أربعة أيام) هي «حقا فترة قصيرة، خصوصا أمام زحم الأفلام المشاركة التي وصلت إلى نحو 284 فيلما»، لافتا إلى أن المدة بحاجة إلى إعادة نظر، لكن وفق دراسات يجريها القائمون على المهرجان.

وتطرق لقاء خنفر إلى سياسة الجزيرة الإعلامية، نافيا أن يكون هناك تغيير في سياسة القناة التحريرية، ولا في ميثاق الشرف الذي تتمسك به «الجزيرة»، والمتمثل في الوقوف إلى جانب حق الشعوب في الحرية والديمقراطية، ومناصرة «الحق والحقيقة»، مشيرا إلى أن ذلك لا يعني تغييب وجهة النظر الأخرى، إذ تستضيف «الجزيرة» حتى من يهاجمونها، على حد تعبيره. الدوحة ـ الإمارات اليوم

سامبات المرأة ذات الظهر العليل المسنود طوال الفيلم بحزام طبي، تخوض معركتها في بيئة صعبة، تذهب إلى مركز الشرطة، كي تناصر فتاة يرفض أهل الولد الذي أحبته أن يرتبط بفتاة من طبقة أدنى، أتسلك طرقا قروية موحلة كي تساند زوجة صغيرة، تمارس عليها عائلة زوجها قهرا لا يحتمل، تهددهم بأنها ستقاضيهم لو لم يحسنوا معاملة «المضطهدة الصغيرة».

جماليات وتوثيق

المشهد الافتتاحي للفيلم الذي أخرجته البريطانية كيم لونغينوتو، ومدته 96 دقيقة، يظهر سامبات تقود مجموعة من النساء، يتشحن بالزي الهندي الشهير (الساري) لكن بلون مميز، وهو الوردي الذي يبدو أنه رمز لمقاومة داء السرطان الاجتماعي الطبقي، كما هو لون الأمل بهزيمة سرطانات مرضية أخرى.

لا تكتفي كاميرا المخرجة لونغينوتو برصد يوميات بطلة «الساري الوردي»، إذ تحرص على الغوص بعمق في «جماليات القبح»، إن صح التعبير، ترصد تفاصيل صغيرة في عالم طبقة الفقراء المنبوذين، موثقة بالصورة لهموم مهمشين، بوجوه ممصوصة، يعيشون في شبه منازل، على حافة الحياة، ويواجهون متاعب بالجملة. أ

واللافت أن الفيلم، على عكس كثير من الأعمال الوثائقية، أيحفل أبكثير من الجماليات، فالرسالة النبيلة التي يسعى «الساري الهندي» إلى توصيلها عززتها مشاهد ولقطات فنية مصنوعة بشكل محترف، تنسي متابع الفيلم أحيانا أنه يشاهد عملا تسجيليا.

قوة وفكاهة

بالعودة إلى سامبات التي نالت حظها من الاضطهاد مبكرا، إذ تزوجت وهي في الثانية عشرة من عمرها، وكافحت للعيش منذ طفولتها، وأجبرت على العمل حتى كلت، يرى المشاهد شخصية ثرية، تصلح لبناء عمل درامي كبير، شخصية قيادية قوية صلبة، تصرخ في وجوه رجال: «أنا أقوى من الشرطة»، ألكنها في الآن ذاته امرأة تبكي بحرقة حينما تسمع قصة فتاة تعرضت للظلم،أ ولا يخفي الفيلم لحظات ضعف سامبات، فحينما هددها زوجها بالانفصال نتيجة انغماسها في هموم النساء، بدا واضحا تأثرها، متذكرة حياتهما الطويلة معا، واقتسامهما الكثير من أوجاع الحياة ومسراتها أيضا.

وعلى الرغم من المآسي التي يعرضها «الساري الوردي»، أإلا أنه لا يخلو من الحس الفكاهي، إذ تتمع سامبات بروح مرحة، تثير الابتسام والضحكأ في كثير من تعليقاتها، وعفويتها المتجلية في معظم تصرفاتها، تنام، تدهن ظهرها المريض بمراهم، يدلك لها زوجها جسدها، تمارس حياتها العادية كأنه لا توجد كاميرا توثق ما تفعله من الأساس، ولعل هذا ما أضفى صدقية كبيرة على ما تقوم به سامبات بشكل طبيعي غير مصطنع، ولا متحفز لإضفاء جدية ما على تحركاتها، وإحاطة قضيتها الكبرى ومطالبتها بالمساواة في المجتمع بين الرجل والمرأة، بهالة من القدسية أو البطولة المرسومة. أ

شهرة سامبات ملأت الآفاق، إذ لا يكف هاتفها المحمول عن الرنين، حاملا كل يوم قصة أسوأ من سابقتها، أوصار منزلها مقصدا وبيتا لكثيرات من المضطهدات، من بينهن زوجة صغيرة،أ يعتدي عليها بالاغتصاب والد زوجها، تختار الطلاق والعيش في منزل صاحبة مجموعة «الساري الوردي»، منتقلة من فتاة فكرت في الانتحار، إلى أخرى تبحث عن الثقافة والعلم كي تنقذ نفسها مما هي فيه. ومثلها أيضا صغيرةأ هجرها من ارتبطت به تحت ضغوط أهله، وتحذيراتهم من عواقب الارتباط بمن هي في طبقة أقل منه، ووقفت سامبات بجوار تلك الصغيرة، وساعدتها على عبور محنتها. أ

يذكر أن الفيلم من إخراج البريطانية كيم لونغينوتو أالتي ولدت في لندن عام ،1952 وتعد واحدة من أهم وأشهر مخرجي الأفلام الوثائقية التي عرفت على الصعيد الدولي، أوتتطرق في أفلامها التي من أبرزها «أخوات الأزواج»، «الطلاق على الطريقة الإيرانية»، «عمات فظات»، إلى موضوعات عدة بكثير من الدقة والحماسة.

تويتر