إسماعيل عبدالله : أمــراض المسارح العربية « غير مزمنة »
كشفت الهيئة العربية للمسرح، أمس، عن التوصيات الختامية لملتقى استراتيجية تنمية المسرح العربي، الذي عُقد على مدار ثلاثة أيام متعاقبة خلال الأسبوع الماضي، وكان أحد أبرز أولوياته البحث في واقع المسرح العربي وتحديد مكامن الإخفاق ومواقع التعثر، من أجل الخروج باستراتيجية قادرة للنهوض به من جديد، عبر التنسيق بين الهيئة والجهات والمؤسسات الثقافية المعنية بالمسرح في مختلف الدول الأعضاء، وهو الملتقى الذي سيتم انعقاد ثلاث دورات أخرى متعاقبة له في كل من دمشق والدار البيضاء والكويت، قبل أن يلتئم شمله مرة أخرى في نهاية العام بالشارقة.
وأكد الأمين العام للهيئة العربية للمسرح إسماعيل عبدالله لـ«الإمارات اليوم»، أنه «لا توجد أمراض مزمنة لخشبات المسارح العربية على اتساعها»، مؤكداً أن مختلف تلك العقبات لا تبدو عصية على الحل، من خلال الوقوف على أسبابها، ووضع تصورات عملية لحلها، وهو أحد الأهداف المباشرة التي تنشدها تلك الملتقيات المتعلقة بوضع استراتيجية مرحلية للنهوض بالمسرح العربي». وأبدى عبدالله تفهماً حيال عدم ثقة المنتمين إلى الأوساط المسرحية عموماً بمفردات مثل «توصيات» «وثيقة» وغيرهما من الألفاظ، التي غالباً ما تصدر في ختام المهرجانات والملتقيات والفعاليات العربية المسرحية، نظراً لأنها في الأغلب من الحالات، تظل حبيسة الأدراج ومجرد أحبار على ورق، مؤكداً أن توجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، تدعم حركة الإصلاح التي تتبناها الهيئة حالياً، للنهوض بواقع المسرح العربي، وهو التوجيه الذي دعم بالأساس قيام هذا الملتقى الذي ستتحول توصياته إلى استراتيجية وخريطة طريق واضحة لهذا المسرح في المرحلة المقبلة.
مفاتيح الإبداع اعتبر المسرحيون العرب في ملتقى استراتيجية التنمية المسرحية أن المسرح هو أكثر أشكال الفنون التعبيرية تأثراً بتقلص مساحات حرية الإبداع، خلافاً لقوالب أخرى مثل الشعر والقصة وغيرهما، محفزين لاستثمار المطالبات الحالية في الكثير من الدول العربية بمزيد من حرية التعبير بشكل عام، في مجال الإبداع المسرحي خصوصاً، معتبرين «غياب حرية الإبداع، وعدم فعالية قوانين الملكية الفكرية أبرز تحديات المسرح العربي، وتغييباً لمفاتيح الإبداع الحقيقية». وفيما حملت روح الملتقى وتصريحات الأمين العام للهيئة العربية للمسرح إسماعيل عبدالله تأكيدات تؤشر إلى أن «زمن التوصيات التي لا يتعدى تأثيرها رنين كلماتها قد ولى». وعلمت «الإمارات اليوم» أن فرقة مسرحية فلسطينية تعتزم الاستفادة من بعض البنود التي حوتها الوثيقة الفلسطينية بشأن دعم المسرح الفلسطيني، من خلال إقامة دورات واستضافات في المسارح العربية لطواقم شبابية فلسطينية تريد التخصص في تقنيات المسرح، وفتح باب الإقامات الفنية للفنانين الفلسطينيين في إقامة دورات في الإدارة المسرحية على المستوى العربي. |
خريطة طريق
رغم أن الكثير من العوامل التي أشارت إليها الوثيقة كمكامن إخفاق وأسباب تعثر لا يمثل كشفها مفاجأة أو كشفاً جديداً مثل إشكاليات ندرة النصوص المسرحية الجيدة، وكذلك خشبات المسارح المجهزة، وأيضاً المنافسة القوية للدراما التلفزيونية لنظيرتها المسرحية، إلا أن صهر كل تلك العوامل في وثيقة واحدة ثم تقديم حلول مقترحة لها، وهو المنحى الذي صارت عليه الوثيقة، يمثل حسب تصريح الأمين العام للهيئة العربية للمسرح خطة عملية وعلمية معاً على نحو يشبه خريطة طريق واضحة لمسيرة الإصلاح في المسرح العربي خلال المرحلة المقبلة، لافتاً إلى أن «الوثيقة»، التي تمثل في هذا السياق وصفة علاجية لأمراض المسرح العربي، لا تنطبق كل بنودها سواء في توصيف مواقع التعثر أو علاجها بشكل متساوٍ على مختلف مسارح الدول الأعضاء في الهيئة العربية للمسرح، التي يصل عددها إلى 20 دولة، بل هناك تفاوت كبير في الواقع العربي المسرحي بين تلك الدول، وبين مناطق مختلفة في الدولة الواحدة أحياناً.
تلفزيون
أشارت الوثيقة التي استقت بنودها من الندوات المتعاقبة وأوراق العمل التي تعاقب على تقديمها ومناقشتها عشرات من المسرحيين العرب خلال انعقاد الملتقى إلى إشكاليات انتقال العديد من الكتّاب والممثلين والفنيين إلى التلفزيون الذي يتيح لهم دخلاً مالياً أكبر وشهرة واسعة وجهداً أقل، فضلاً عن ضعف النقد المسرحي، وغلبة المراجعات الصحافية غير الجادة أحياناً وغير المسؤولة غالباً، للعروض المسرحية، ما يضر الحركة المسرحية ويترك انطباعات سيئة لدى الجمهور.
ولفتت الوثيقة إلى ضعف الثقافة المسرحية لدى الجمهور، وتراجع الذائقة الفنية والاحتفاء بالتعبيرات «الفنية» الهابطة على حساب الأعمال المسرحية الجادة، ما أدى إلى انصراف الجمهور عن المسرح، خصوصاً الجاد منه والملتزم، فضلاً عن المزاحمة الشديدة من قبل وسائل الاتصال الجماهيري من تلفزة وشبكة المعلومات وشبة الاتصال الاجتماعية، وسيادة النظرة الازدرائية إلى التمثيل وإلى العمل المسرحي في بعض الأوساط العربية، والتحرّج من مشاركة المرأة في النشاط المسرحي فيها. رغم أن التوصيات المتعلقة بفنيات الإخراج كانت غالباً ما تظل محصورة في توصيات المهرجانات التي تعنى بادعات الشباب، إلا أن الوثيقة أكدت أن البيئة المسرحية العربية عموماً تعاني قلة وجود المخرجين المحترفين المؤهلين لقيادة العملية المسرحية الفنية بمهنية واضحة، وهو أمر يترافق مع تواضع عدد المسارح في الدول العربية بصورة عامة، وانعدام وجودها في مناطق عديدة في الوطن العربي. إشكالية غياب التنسيق أيضاً بين القائمين على المهرجانات المسرحية العربية التي شكلت مادة مكررة للكثير من التحقيقات الصحافية هي أحد مكامن التعثر التي أشارت إليها الوثيقة، بالإضافة إلى ضعف إنتاج الكتب والمطبوعات المتعلقة بالعملية المسرحية، وندرة وجود إحصاءات ومسوح بشأن الحركة المسرحية العربية، وأيضاً ضياع المسرح بين أروقة الإدارة والبيروقراطية في بعض الدول، وتعدد الجهات الممارسة للوصاية عليه. في المقابل أقر المسرحيون توصيات عدة كوصفة أو خريطة طريق للتعامل مع هذا الواقع المسرحي العربي، أبرزها دعوة وزارات التربية والتعليم في الوطن العربي إلى إدخال مادة المسرح في المنهاج، وأن يرتقي المسرحيون أنفسهم بثقافتهم العامة من خلال القراءة والمشاركة في المحاضرات والندوات، والحرص على ضرورة أن تكون العروض المسرحية متبوعة دائماً بمناقشة علنية لها.
دورات
طالبت الوثيقة ايضاً بإقامة دورات تدريبية وورشات عمل في مجالات: الكتابة المسرحية، النقد المسرحي، التمثيل، الإخراج والديكور المسرحي، وكذلك بناء مسارح في المدن الصغرى والقرى النائية، وقريباً من التجمعات السكنية والعمل على توظيفها توظيفاً يومياً بدل ألا يتجاوز شغلها أيام المناسبات. وفيما له صلة بالبعد النفسي تمت التوصية بتقريب المسرح من روح الجمهور، من خلال إعادة النظر في هندسة عديد المسارح في الدول العربية، ومن خلال بناء مسارح جديدة تمثل فضاءات المدينة العربية.