بن جرش: المهـرجان تجديـد سـنوي للـخشبة الإماراتيـة
ليس مجرد عرض مسرحي وحيد يحضره مجموعة من أولياء الأمور بصحبة مدير مدرسة وبعض المدرسين على هامش حفل تخرج أو خلافه، بل جاء مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي الذي انطلق أول مايو ويمتد على خشبات كثيرة في مدن الشارقة وكلباء ودبا الحصن وخور فكان حتى التاسع من الشهر الجاري بمثابة تظاهرة ثقافية ساير ت فيها التقاليد الفنية أغراضاً وأهدافاً تربوية بامتياز ظللت معظم العروض، فيما نحى المهرجان المدرسي منحى المهرجانات المسرحية المعروفة، بدءاً من الإعداد المبكر لها الذي تسبقه ورش عمل وندوات، مروراً بلجنة مشاهدة لتقييم الأعمال المرشحة، ومدى جدوى قبولها ضمن أعماله، وليس انتهاء باليوم الافتتاحي الذي شهد تكريم أحد مخضرمي المسرح الإماراتي، هو الفنان ظاعن جمعة، ليكتسي المهرجان ملامح الجدية، والسعي إلى إمتاع جمهوره، وصولاً إلى ليلته الختامية وحفل تسليم الجوائز الأحد المقبل في قصر الثقافة. المهرجان الذي تنظمه مجموعة مسارح الشارقة للمرة الأولى يتضمن تسع مسرحيات مشاركة في المسابقة الرسمية، إضافة إلى ثلاث أخرى مستضافة، وتمت تسمية جوائزه على صيغة المهرجانات المسرحية المتعارف عليها، بدءاً من جائزة أفضل ممثل وممثلة، وجوائز السيناريو والأزياء، وجائزة أفضل عمل متكامل، حتى جائزة لجنة التحكيم، التي كشف مدير مجموعة مسارح الشارقة، رئيس اللجنة العليا المنظمة للمهرجان محمد حمدان بن جرش عن انبهارها بالمستوى الفني لأداء الطلاب، رغم أن المهرجان مقتصر على مشاركة طلبة وطالبات الحلقتين الأولى والثانية من التعليم الأساسي.
أبوالفنون برر مدير مجموعة مسارح الشارقة رئيس اللجنة العليا المنظمة للمهرجان محمد حمدان بن جرش وجود فعاليات مصاحبة للعروض معظمها يرتبط بالأداء الموسيقي على العود والقانون والكمان، بالإضافة إلى معارض فنون تشكيلية، بأن «المسرح أبو الفنون، فضلاً عن أن أحد أهداف الدورة الأولى للمهرجان، هو أن يتحول إلى تظاهرة سنوية جاذبة ليس لأسر الطلاب المشاركين في العروض وزملائهم فقط، بل لمختلف الأفراد والأسر التي تقصد متابعة الحدث لاستمتاع أسوة بالمهرجانات المسرحية المعروفة، متوقعاً أن يصبح المهرجان ''نواة حقيقية لتجديد دماء الخشبة الإماراتية بتوالي عروضه». ولفت بن جرش الذي كشف عن إصدار كتاب موسوعي يتضمن تحليل تجارب دول عربية عديدة في المسرح المدرسي إلى تكريم المهرجان المدرسي لأحد مخضرمي المسرح الإماراتي الفنان ظاعن جمعة، مشيراً إلى أن التكريم لفتة وبادرة وفاء تؤشر على أن المسرح الإماراتي على اختلاف خشباته وتوالي أجياله، سيظل مديناً بالولاء لمؤسسيه الذين مهدوا الطريق لإقامة تجربة مسرحية أثرت المشهد المحلي والخليجي والعربي بحراك ساير التطور الاجتماعي والاقتصادي والحضاري للدولة. |
مواهب
وأضاف بن جرش «هناك الكثير من المواهب التمثيلية، خصوصاً التي يكشف عنها المهرجان يومياً، على نحو يدعم أحد الأهداف الأساسية للمهرجان، في أن يكون بمثابة مناسبة سنوية لتجديد المسرح الإماراتي، ومده بمواهب غضة صالحة لأن تكون مشروعات فنانين، نشأوا منفتحين في سن مبكرة على (أبو الفنون)، لا سيما أن معظم الفنانين المتميزين، يؤكدون في العادة أن خطواتهم الأولى كانت على خشبات مسارحهم المدرسية، لذلك فإن الاتجاه إلى مزيد من الحرفية في إقامة هذا المهرجان بشكل سنوي، ستكون له آثاره المستقبلية الإيجابية في مجمل الحركة المسرحية المحلية». وقال بن جرش لـ«الإمارات اليوم»: رغم أن جانباً كبيراً من الحضور هم من الطلاب وأولياء الأمور، إلا أن هناك شرائح من الجمهور تقصد الحضور بهدف متعة الفرجة المسرحية، وهذا تحول كبير في العلاقة بين الجمهور والمسرح المدرسي، الذي تم الاعتياد أن يكون تابعاً لحدث ما مرتبط بالعملية التعليمية، وهو الاتجاه الذي يهدف المهرجان إلى تفعليه وتدعيمه على مدى دوراته المتتالية. وبرر بن جرش عدم حصر العروض المهرجانية في عدد محدود من المسارح من أجل سهولة متابعتها، بالرغبة في إتاحة الفرصة لأكبر قدر من الجمهور في التفاعل مع العروض، من أجل المساهمة في نشر المزيد من نشر الثقافة المسرحية، مضيفاً «إذا سلمنا بأن هناك فئات بعينها عازفة تماماً عن التواصل مع العروض المسرحية، فإن ارتباط أعمال المهرجان بالأطفال، والقيم التشجيعية التي ستجنى سواء على مواهبهم أو ثقتهم الذاتية بقدراتهم، كانت كفيلة بالفعل لاستدراج فئات دخلت المسرح ربما للمرة الأولى، وجانب منهم جاء خصيصاً لتشجيع أبنائه أو بعض أفراد عائلته، وربما لن تنتهي تلك العلاقة بانتهاء عروض المهرجان.
أثر إيجابي
أشار بن جرش إلى أن الإعداد المبكر للمهرجان كان له أثر إيجابي في شقين أحدهما الحضور الجماهيري الجيد، وثانيهما يتعلق بالمستوى الفني الجيد أيضاً، الذي ظهرت عليه الفرق المدرسية المشاركة، مضيفاً «منذ نحو عام أقمنا فعاليات مسرحية عدة، والتنسيق مع إدارة منطقة الشارقة التعليمية، والتحاور مع المدرسين والمشرفين التربويين على الأنشطة الطلابية، ومن ثم بدأت سلسلة من الورش والندوات المسرحية المتخصصة التي استفاد منها هؤلاء المشرفون، ومن ثم الطلبة الموهوبون مسرحياً، ما جعل اللجنة العليا المنظمة للمهرجان قريبة بشكل دائم من الحراك المدرسي المسرحي، ومكنها من الوقوف على متطلباته المختلفة». وقال بن جرش إن «التقاليد الفنية لم تطغ رغم ذلك على الجوانب التربوية، للمهرجان المسرحي، بل سارت كتفاً بكتف»، مشيراً إلى أنه فيما كان اختيار إحدى المسرحيات المستضافة، وهي «الحواس الخمس» لمسرح الشارقة الوطني، التي فازت بجائزة أفضل عمل متكامل في مهرجان مسرح الطفل، لأسباب فنية، فإنه لأسباب إنسانية وتربوية تم ترشيح مسرحية «كتابي ذاكرتي» لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، لأسباب إنسانية وتربوية على رأسها دمج فئة المعاقين، وتقديم نموذج فعلي في ذلك للطلبة والطالبات المشاركين والحضور والمتابعين للمهرجان على حد سواء. وأضاف بن جرش أن العروض بدت في سوية فنية جيدة، ومن الواضح أن المشرفين على العروض في المدارس، الذين تابعوا الدورات التي أقامتها «المجموعة» قد استفادوا من المعلومات التي تلقوها أثناء الدورات والورش، كما أن هذا الكم الكبير من المدارس المشاركة يجعلنا أكثر إيماناً بأهمية هذا المهرجان، ودوره في المجالين التربوي والمسرحي على حد سواء.
بساطة
رغم أن أسماء بعض المسرحيات في حد ذاتها يمكن أن تكشف لنا البساطة التي غلفت تلك الأعمال، وكذلك التركيز على الجوانب القيمية والتوجيهية، وفي بعض الأحوال استعارة نكهة التشويق والمغامرات، كما في مسرحيات بعنوان «الكنز»، و«أنا ومدرستي» و«عودة الشمس الغائبة»، و«لحظة ضمير»، فإن أعمالاً أخرى بعضها ارتبط بتأليف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، مثل «الإسكندر الأكبر» و«النمرود» شكل إغراء مختلفاً لمتابعته بمخيلة الطلاب التمثيلية. وبشكل عام جاءت عروض المهرجان حاملة الكثير من التنوع في الأفكار التي طرحتها، وقاربت أفكاراً تربوية وإنسانية وتنويرية مختلفة، ومن تلك الأفكار أهمية العلم والمعرفة لبناء مستقبل أفضل للإنسانية، وأن المجتمعات المتعلمة تستطيع أن تتصدى للتحديات المختلفة التي تفرضها الظروف المتغيرة عليها.