رئيس جمعية المسرحيين حذّر من المجاملات «غير النقدية»

«ليلة حساب».. عرض عسير علـــــــى الجمهور

صورة

كان أقصى ما يتوقعه المشاهد على نحو سلبي أن يشاهد عملاً مسرحياً ضمن الدورة الخامسة لمهرجان دبي لمسرح الشباب في عام ،2011 هو ما تابعه أمس عبر تقديم مسرح دبي الشعبي رؤية درامية معتمدة على طقوس السحر والشعوذة، وتحول خشبة «أبوالفنون»، في ندوة الثقافة والعلوم، التي طالما كانت مسرحاً للعديد من الفعاليات الشعرية والثقافية والعلمية المهمة، لتحتضن عرضاً أقل ما وصفه به نقاد أنه استعارة غير مقبولة فنياً ودرامياً لأفكار تنتمي إلى الأعمال السينمائية التي تتخذ من الرعب وسيلة للجذب والإبهار، لكن ليس بهذا النحو الساذج الذي قدمته مسرحية «ليلة حساب»، فضلاً عن صلاحية هذا النمط بالأساس لأن يستوعبه المسرح.

«فوبيا» التعقيب

برر الفنان العراقي المعروف محمود أبوالعباس زهده في التعقيب على أعمال الشباب خلال المهرجان، بما سماه «فوبيا التعقيب»، أو حالة استعداء المعقبين من قبل أسرة العمل، خصوصاً المخرج والممثل، في حال توجيه ملاحظات نقدية مباشرة.

وأشار أبوالعباس إلى أن «بعض الفنانين الشباب اتخذ مواقف شخصية معه، بسبب تعقيباته على العروض أثناء الندوة التطبيقية»، مطالباً المسرحيين الشباب عموماً بأن يكونوا اكثر تقبلاً لكل أشكال النقد، من اجل مزيد من التجويد.

ورأى ابوالعباس أن «ليلة حساب» واجه فيه مؤلفه مشكلة كبيرة في الكتابة، لافتاً إلى أن تأثره بكتابات الراحل سالم الحتاوي ليس الإشكالية، لكن الإشكالية الحقيقية جاءت في الفنيات، ومنها المحافظة على ايقاع واحد ممل في معظم تفاصيل العمل، وعدم وجود مبررات درامية لبعضها الآخر.

وساق أبوالعباس مثالاً على صعود شخصية الجنية من بين الجمهور، مضيفاً: «هذا أمر شديد الخطورة في دلالاته، لكنه رغم ذلك لم يكن مبرراً في سياق الفعل الدرامي، فضلا عن الانحناءة الدائمة التي ظل عليها الزوج طول العرض، ايضاً من دون مبرر درامي رغم تباين حالاته النفسية».

صراخ

تقمص أحد المعقبين، وهو المسرحي السوري خضر البحر، شخصية «الجنية» من فرط انزعاجه من سذاجة معالجة دورها، وقام بالصراخ بالكيفية نفسها التي كانت تصرخ بها في المسرح، متسببة في قطيعة مع الجمهور، وهو ما جعل مدير الندوة عمر غباش، ينبهه إلى خطورة ذلك على ميكرفون الندوة، قبل أن يواصل البحر: «الإشكالية أن ذات الشخصية لم نجدها بهذا الانفعال حينما كان الموقف الدرامي يتطلب ذلك».

الإعلامي قاسم سعودي من جانبه أبدى استغراباً شديداً من عرض هذا العمل ضمن مهرجان الشباب، مضيفاً: «هو عمل يصلح للأطفال وليس الشباب، باستثناء مشهد القتل الأخير، وواجه إشكالية الرتابة، ونهج ذات الإيقاع، طوال مدة عرضه».

«الرتابة» ايضاً كانت محور مداخلة الفنان يحيى الحاج، الخبير المسرحي بوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، داعياً إلى أن يتم استيعاب شباب المسرح الإماراتي في دورات وورش فنية متخصصة، يشرف عليها أكاديميون ذوو مستويات مشهود لها بالكفاءة، من اجل رفع سوية ما يقدم ضمن الدورات المقبلة عموماً، والمسرح المحلي بشكل أكثر عمومية.

دور لجنة المشاهدة، ومدى مناسبة الأعمال للعرض عموماً، وضمن اعمال مهرجان أصبح يحظى بمتابعة جماهيرية وإعلامية ونقدية عالية، ألقى بتساؤلات بدت درامية بين المهتمين بشأن المسرح عقب العرض، عن الدور الحقيقي للجنة المشاهدة، فضلاً عن مسؤولية إجازة العروض وتأهلها للعرض، لاسيما بعد ان أثارت قضايا فرعية أخرى أقل أهمية من المحتوى الدرامي، والمستويات الفنية للعروض، اهتمامات أعضاء في لجنة المشاهدة، وكادت أن تؤدي إلى انسحاب بعض المسارح من المشاركة في فعاليات المهرجان، قبل أن يصدر توضيح بهذا الشأن من قبل هيئة دبي للثقافة والفنون.

العمل الذي تم عرضه مساء أول من امس كفعالية رئيسية وحيدة لليوم السادس للمهرجان، من سوء طالع الداعمين للتجارب الشبابية أن تم عرضه في يوم الخميس تحديداً، الذي يشكل مناسبة سانحة للحضور بالنسبة للكثير من الأسر، وهو ما جعل قاعة المسرح في أقصى حالات ازدحامها، لكن الجمهور، وكذلك النقاد والمنتمين إلى المجال المسرحي إبداعاً ومتابعة، خرجوا غير راضين عن العمل، ليس فقط من حيث المحتوى الدرامي الصادم، بل ايضاً في ما يتعلق بالمعالجة الإخراجية التي افتقرت للحلول، فسار العرض بإيقاع رتيب، يخالف بالأساس مؤدى تلك النوعية من الأعمال التي تعتمد على الإثارة.

«ليلة حساب» التي كتبها محمود القطان قدمت رؤية درامية معتمدة على أحداث دارت بين زوج، يقوم بشخصيته الممثل عبدالله المقبالي، وزوجة أب، تجسد دورها الممثلة إلهام محمد، فضلاً عن «جنية» جسدت دورها نصرة المعمري، وما بين حادث مقتل ابنة الزوج في حادث سيارة، وزواجه بعدها، يبرر النص فكرة ظهور «جنية» تقرر الانتقام من زوجة الأب، التي لم تكن تحسن معاملتها، فضلاً عن الانتقام من الاب بسبب لجوئه إلى «الزواج الثاني»، وتجعله في المشهد الاخير يقدم على قتل زوجته، بعد أن تشيع جواً من أعمال السحر والشعوذة على المسرح.

عدم معقولية الأحداث، والزج بمفردات السحر والشعوذة، مثل اقتلاع شجرة، وإثارة العواصف، وقذف مقتنيات المنزل تلقائياً، وتحول صبية صغيرة إلى جنية تقوم بتهديد زوجة الأب، شكلت بسبب سطحية التناول رتابة شديدة على المسرح، لاسيما أن اللازمة التي ظلت تكررها الجنية قبل تحولها، مستعيرة إياها من الفلكلور الغنائي، ظلت ترددها بنمطية شديدة، وبصوت لم يقنعنا حتى ببراءتها أثناء ترديدها عبارة وحيدة من الأغنية الشعبية «حمامة نودي»، فيما فاقم عدم توظيف عناصر الديكور من القطيعة مع الجمهور، ليبقى عنصر الإضاءة مقبولاً في معظم الأوقات، لكنها لم تكن مهمة في ظل غياب المحتوى الدرامي الجاذب، حتى عنصر الماكياج الذي تم الاعتناء به، ايضاً فقد اهميته في هذا السياق.

رغم ذلك كادت الندوة التطبيقية تتحول إلى مناسبة لتمجيد العمل، أو على الأقل عدم الوقوف على الأخطاء الفنية الجسيمة التي ارتكبت، فضلاً عن صلاحية العمل بالأساس للعرض، لولا دعوة مديرها الفنان عمر غباش، لعدد من الفنانين والنقاد والفاعلين في الشأن المسرحي، إلى أن يشاركوا في الحوار النقدي، بعد أن سيطرت على عبارات المتداخلين المجاملة بصيغة «الله يعطيكم العافية.. ما قصرتم».

نبرة رئيس جمعية المسرحيين الفنان إسماعيل عبدالله التي سادتها الجدية، والتمهيد بأن ما سيقوله يتعلق بمدى قدرة الجيل المسرحي الشاب على التواصل مع الإرث المسرحي الذي صاغه فنانون إماراتيون على مدار العقود، بانفتاح واع على المجتمع وقضاياه وتطلعاته، أحال مهمة المجاملات وجلبة الأحاديث الجانبية إلى سكون، مستهلاً بأن المجاملة قد تكون مشاركة في صياغة قطيعة فنية بين انجازات المسرح الإماراتي من جهة، ومستقبله المعقود على إبداع الشباب من جهة اخرى.

وطالب عبدالله الشباب بأن يتواصلوا مع واقعهم، ويناقشوا قضاياه، ويخلصوا في التعبير عنها، مضيفاً: «أنا متهم بأني أبوالمسرح الشعبي أو التراثي في الإمارات، ولدي مشروعي الإبداعي الذي أشتغل عليه في هذا المجال، وسأكون منحازاً بطبيعة اتجاهي إلى كل عمل مسرحي ينحو باتجاه الشعبية، لكنني لا أقبل بكل تأكيد أن يطرح أمامي شاب، في مهرجان مخصص لإبداعات الشباب، رؤية درامية محورها (جنية)، ونحن على مشارف عام 2012».

واستطرد عبدالله: «المسرح أداة للتغيير، فماذا يمكن أن تغير مثل هذه الرؤى المبتورة من واقعها؟ دعونا نتطلع إلى مسرح شبابي نرى فيه رؤى الشباب وطموحاتهم، يمكن أن يكون وسيلة لتوهجهم، ومن ثم مشاركتهم الفاعلة في سياق الإبداع المسرحي».

تويتر