«الخبصة» طرحت قضايا التفككك الأسري من خلال جدلية الصراع الأخوي على الميراث. تصوير : تشاندرا بالان

«الفنان الشامل» يحبط جماليات«خبصة» الشارقة

جاءت الليلة الـ10 لمهرجان دبي لمسرح الشباب، معلنة أن عرضاً وحيداً هو المتبقي على ليلة إسدال ستار دورته الخامسة، عبر حفل توزيع الجوائز الذي يستضيفه اليوم فندق «رافلز» في دبي، ليمتد مهرجان الشباب على نحو غير مسبوق إلى 12 يوماً، وهو ما اعتبره البعض تبريراً لتضاؤل الحضور الجماهيري لأول مرة في عرض أول من أمس، الذي جاء من إنتاج مسرح الشارقة الحديث بعنوان «الخبصة».

الحاج: لن أبكي

شهادات مسرحية تتوالى، بعضها يجمع ما بين رفقاء دربه، والكثير منها لمسرحيين من أجيال مختلفة استفادوا من تجربته، ليس هو كل شيء في ندوة تكريم شخصية العام المسرحية لمهرجان الشباب الفنان السوداني يحيى الحاج، الذي عُرف برهافة حسه كفنان، وعمق وخصوبة رؤيته كخبير مسرحي في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع.

أكثر من ثلاثة عقود من العطاء، مرت بمخيلة الحاج، ومخيلة حضور ندوة التكريم التي أدارها أحد تلامذته المخلصين الفنان إبراهيم سالم، الذي أصبح هو الآخر منبعاً لخبرة تنتقل من جيل إلى جيل، حسب تأكيده لـ«الإمارات اليوم»، لكن المفاجأة التي اندهش لها كل من يعرف حساسية الحاج كانت في عدم فرار ولو دمعة وحيدة من حدقتي محور هذا اليوم.

دموع الحاج أبت أن تنسدل، رغم أنها سريعة الانهمار في مناسبات كثيرة أخرى، وهو ما فسره لـ«الإمارات اليوم»: «اتخذت قراراً وسعيت إلى تذكير نفسي به طوال الندوة، وفي أكثر لحظاتها تراجيدية، وهي لحظة سماع شهادات رفقاء الدرب والأبناء، وهو أنني لن أبكي في ذلك اليوم، وسأستمتع بكل تفصيلاته، لأن المشوار بالفعل كان طويلاً، ورغم أنني من مواليد 1948 إلا أنني أشعر بأن القادم في المشوار ربما لا يكون أقل أهمية من سابقه». وأضاف الحاج أن «فعل التكريم بالنسبة لي يتعدى مفهوم التشريف، ليتحول إلى حافز ودافع لمواصلة عطاء، أسعى إلى التوفيق في تجويد إيصاله ليس بحكم موقعي الوظيفي، بل بحكم تحولي إلى جزء من هذا الكيان الذي عنوانه الخشبة الإماراتية».

عيون المنتجين

أشار المنسق العام للمهرجان ومدير الفنون الأدائية في هيئة دبي للثقافة والفنون ياسر القرقاوي، إلى أهمية وجود عدد نوعي من المنتجين الخليجيين على وجه الخصوص، من خلال تلبيتهم دعوة الحضور، مضيفاً «هي خطوة قد تكون فارقة لأسماء مجيدة على الخشبة، لأن تتحول إلى أسماء مضيئة في أعمال محلية أو خليجية مقبلة».

وإضافة إلى منتجين محليين يحضرون بشكل متفاوت، او تبقى أعينهم حاضرة لالتقاط مواهب شابة والزج بها في أعمال دراما تلفزيونية مثل أحمد الجسمي وسميرة أحمد، فإن منتجين خليجيين مهمين مثل منقذ السريع وباسم الأمير، وحتى الفنان عبدالرحمن العقل يحرصون على متابعة العروض، بأعين المنتج لأهداف تتعلق باستكشاف المواهب.

واشار القرقاوي إلى أن فكرة أن يتحول مهرجان الشباب إلى محطة فارقة في مسيرة بعض الأسماء، ظلت ملحة على مدار دورات المهرجان، لافتاً إلى أن هذه الخطوة تبقى دائماً بمثابة دلالة ومؤشر إيجابي على اتجاه «دبي لمسرح الشباب» في دورته الخامسة إلى النضج، وفق مقاييس تتعلق بصناعة المهرجانات.

 وفي غياب متكرر لما اصطلح على تسميته «العين الثالثة» التي تعني وجود مخرج يراقب العرض ويقوم هناته خلف الكواليس، عُرضت «الخبصة»، بمشاركة مخرجه نواف المطروشي في التمثيل، وهي المشاركة التي سبق التنويه إليها في معظم الجلسات النقدية بأنها ليست في صالح العمل، لا سيما وأن الدعوة إلى قبول فكرة «الفنان الشامل» لم تعد تلقى قبولاً في أوساط مسارح الكبار والمحترفين، في الوقت الذي فاجأنا بها مجموعة من الشباب يقومون بالإخراج لأول مرة، وهو أمر ينطبق أيضاً على مخرج «الخبصة».

هذه المعضلة تحديداً التي تحولت إلى ظاهرة، هي أهم إشكاليات العمل وفق رؤى نقدية متعددة، فيما جاء التبرير أيضاً متكرر في محتواه وهو اعتذار ممثل رئيس في الأوقات الحرجة من العمل، وهو عذر بغض النظر عن جديته يمكن التغلب عليه بالاستعانة بممثل آخر، دون أن يكون هذا الآخر هو المخرج المبتدئ تحديداً، إلا إذا كان يتم التعامل مع أعمال مهرجان دبي للشباب بأنها أعمال مغلقة على صانيعها، أو عروض تدار بعقلية التحكم الفردي الذي يقوده المخرج، وليس الفرقة المسرحية التي يشارك باسمها، بكامل ما تزخر به من خبرات.

تكرار آخر حميد هذه المرة تمثل في أن «الخبصة» هي ثاني نص يشارك به الفنان جاسم الخراز في فعاليات هذه الدورة، التي شهدته أيضاً ممثلاً، وهي ثنائية مقبولة، تؤشر إلى أن الشكوى المتكررة من غياب النصوص الجيدة، يمكن أن تكون في طريقها لأن تصبح من ميراث الماضي، بفضل تواتر كتابات عدد من الشباب الذين بدأت تتجاوز تجاربهم مرحلة البدايات، مثل الخراز، وحميد فارس وغيرهما.

نزاع الأشقاء

رغم أن المحتوى الدرامي لـ«الخبصة» الذي يدور حول فكرة اجتماعية مؤداها نزاع مرير لأشقاء بسبب الاختلاف على الميراث، بكل تأكيد سبق تناولها كثيراً في أعمال سابقة، إلا أن أصالة النزاع وتحوله إلى نزاع يمكن وصفه بالمزمن واليومي، يخرج بالفكرة عن النطاق السلبي للتكرار، ما يجعل الرهان يميل بشكل أكبر على أداء الممثلين، والفنيات الأخرى، وفي هذا الإطار فقد شهد عنصر الإضاءة إشادة نقدية نادرة في الندوة التطبيقية التي تلت العرض، رغم أن هذا العنصر تحديداً هو أكثر العناصر التي حظيت بالكثير من الإشارات السلبية، من مختلف المتابعين، سواء كانوا ممثلين أو نقادا وإعلاميين، إلى الدرجة التي تحولت التنويهات بإعادة الاعتبار والالتفات لأهمية عنصر الإضاءة على المسرح، بمثابة توصيات يومية، تغيب عن التنفيذ بشكل دائم في العروض التالية.

إخوة يتقاتلون في ما بينهم نزاعاً على ميراث الأب، الذي هو الأرض، هي القضية التي حركت الأحداث على خشبة شهدت الكثير من الإسقاطات وفق آراء نقدية، أشار بعضها إلى أن أداء الممثلين كان يعوزه المزيد من التدريب على العرض، رغم الإشارة إلى أن بعضهم يمتلك طاقات تمثيلية جيدة، وهو الأمر الذي جعل مدير الندوة الفنان أحمد الأنصاري يشيد بدور مسرح الشارقة الحديث في اتاحة الفرصة لوجوه فنية جدية تطل عبر أعماله المختلفة بشكل مستمر، دون إغلاق بوابة المشاركة وتحولها لأن تصبح حكراً على أسماء بعينها.

آراء

أبدى المنتج منقذ السريع إعجابه لأول مرة بتناول موضوع يرتبط بشكل مباشر بقضايا المجتمع عموماً، والشباب خصوصاً على حد تأكيده، فإنه انتقد بشكل لاذع مشاركة نواف المطروشي في التمثيل، خصوصاً في ظل قيامه بتجربته الإخراجية الأولى، معتبراً أن المخرج والمؤلف قد تمكنا من معالجة قضية التفكك الأسري من خلال إشكالية النزاع على الميراث برؤية مبدعة.

الفنان الكويتي عبدالرحمن العقل اشاد بشكل خاص بأداء الممثلين، وبشبابية التجربة التي انعكست مفرداتها على خشبة المسرح، وبشكل خاص الإضاءة التي عكست صورة نادرة وخالفت الإشكالية المزمنة لعروض تسببت فيها الإضاءة في كوارث فنية عدة، ابرزها انتفاء قدرة المتلقي على تتبع التغيرات الدرامية على ملامح الممثلين، انفسهم.

الفنان التونسي ناجي وناس رغم ندرة تعقيباته خلال الندوات التطبيقية هذا العام، إلا أن عرض «الخبصة» شجعه ربما عن كسر قرار اتخذه بالاقتصاد في المداخلات، حيث أشاد بالعرض وأداء الممثلين، فضلاً عن الإضاءة، وفي حين بدأ الفنان محمد سعيد السلطي مداخلته بالإقرار بأن لا أحد يمكن أن يملي وجهات نظر تتعلق بالرؤية الإخراجية، معتبراً إياها حقاً أصيلاً للمخرج، إلا أنه وجه انتقاداً مباشراً للجوء إلى الأحاديث الداخلية للشخصيات، وبشكل خاص في نهاية العرض، ورغم إشادة الفنان الأردني غنان غنام ببساطة العرض، إلا أنه وجه انتقاداً شديداً لرتابة ونمطية أداء الممثلين، لافتاً إلى أن ملاحظته هذه لا ترتبط فقط بمسرحية الخبصة، بل تتجاوز ذلك إلى مجمل عروض المهرجان.

الأكثر مشاركة