«ابتهالات» الشيمي خط وتشكيل
جسد الفنان خليفة الشيمي حالة الهيام والذوبان في عشق وطاعة الله، وعكس لحظات التعبد الروحانية وجلسات التصوف والتضرع والمناجاة الإلهية والمدائح النبوية، في لوحات حروفية مزجت الخط العربي الرفيع بالطابع التشكيلي الحديث.
ووظف الشيمي سيد الخطوط وهو «خط الثلث» في كتابة المدائح والمواجد الإلهية، إذ اقتصرت الأعمال الفنية في معرض ابتهالات الذي يحتضنه متحف الشارقة للخط لمدة شهرين، على استخدام خط الثلث كونه أحد أصعب الخطوط العربية وأقدمها وأكثرها دقة ومتانة ورصانة، الأمر الذي يعكس حالة عشق الفنان للذات الإلهية أثناء كتابة الابتهالات، ويصور التصوف والتعبد والمناجاة أثناء مزج الأحبار وشذب القصبة وانتقاء الريشة.
خط الثلث
يُعد خط الثلُث الذي يعتمد استخدامه الفنان خليفة الشيمي في معرض ابتهالات، من الخطوط العربية الأصيلة، التي ظهرت للمرة الأولى في القرن الرابع الهجري، وهو من أشهر أنواع الخطوط المتأصلة من خط النسخ، وجاءت تسمية الخط بالثلث لأنه يكتب بقلم محرف بسمك ثلث قطر القلم، إذ يحتاج إلى الكتابة بحرف القلم وسمكه. وقال إن «خط الثلث يعتبر من أصعب الخطوط العربية من حيث القواعد والموازين، وهو يمتاز بالمرونة ومتانة التركيب وبراعة التأليف، واستعمل لكتابة أوائل الصور القرآنية وأسماء الكتب والمدائح النبوية والابتهالات وما يكتب على جدران المساجد والعتبات والمقدسات والمحاريب، ويتصف الخط بالهيبة والوقار». وتابع«غالباً تكون الحروف في خط الثلث كبيرة نسبياً، أما الرأسية فتكون نوعاً ما طويلة، وتتميز الحروف بتقوسات خفيفة تحتاج لانسيابية في تحريك اليد، وتتنوع فروع خط الثلث، فمنها خط الثلث المفرق وخط الثلث الوسط، وخط الثلث المشبّك، والمحبوك والمختزل والزخرفي والمسلسل وهناك الثلث العادي وهو صغير الحجم والثلث الجلي كبير الحجم». |
وقال الشيمي لـ«الإمارات اليوم» إن «معرض ابتهالات يعد امتدادا لفكرة مشروع صدى الكلام، ويعتمد المعرض على رسم جداريات ولوحات تشكيلية تضم ابتهالات دينية ومدائح مكتوبة بخط عربي أصيل، يترفع عن مدح الأشخاص ويكتفي بتجسيد مشاعر الحب والشوق لرؤية النبي والفناء في حب الذات الإلهية».
وتابع أن «مشروع صدى الكلام يعتمد على كتابة أبيات من شعر المتنبي على لوحات تشكيلية، يمتد المشروع من 2005 وحتى 2011 ويضم عددا من اللوحات التي استقيت مادتها الشعرية من المتنبي والمعري، لضمان إظهار جمالية الخط العربي وقدسيته العريقة».
ورصد الشيمي في لوحاته حالة التعبد والتضرع لله في كتاباته، بصور متفرقة تعتمد على طريقة المتعبد نفسه، فيما أجمعت اللوحات على وجود خلوة العبادة من خلال كتابة الابتهالات بخطوط قاتمة تتمايل على أطراف اللوحة التي تعمد الفنان أن تصبغ بألوان باهته وأخرى تميل لدرجات الأبيض المصفر والبني والأخضر الفاتح ودرجات البرتقالي.
وعكس الشيمي التصوف والترفع عن الدنيا وملذاتها، عند اختيار نوعية القماش المكون للوحات، الذي يمتاز بخشونة ملمسه وعدم استواء سطحه، فيما عكس الخشوع والزهد عند اختيار ألوان الخطوط وخلفيتها، اذ اكتفى الفنان باستخدام ألوان الأكريليك في اللوحات ومواد مختلفة منها الأكريليك والأحبار عند كتابة المدائح.
ويصحب معرض ابتهالات زائره في رحلة من الروحانيات والوجدانيات التي تعكسها اللوحات المعروضة، خصوصاً تلك التي تضم أشعار المديح النبوي وأدعية المناجاة والتحميد والتسبيح لله، إذ اعتمد الفنان في الكتابة على ابراز ظل الخطوط بألوان تختلف عن لون الكتابة الرئيس، الأمر الذي يصورها كأنها دخان البخور المتصاعد من مباخر جلسات التصوف والتعبد، كما لجأ الفنان إلى اختيار ألوان غرف العرض لتكون ألوانا قاتمة منها القرمزي والأزرق الداكن والبني، وذلك لتجسيد خلوة التعبد والمناجاة بين العبد وربه.
وربط الشيمي تنوع أحجام اللوحات باختلاف النص المكتوب، فمعظم اللوحات الكبيرة «الجدارية» تضم أبياتا شعرية، أما اللوحات الصغيرة فغالباً تضم نصا ابتهاليا وعبارات تسبيح وحمد الله.
ومن أبرز اللوحات المعروضة، لوحة جدارية حروفية بقياس متر ونصف، خط عليها أشعار في مديح النبي، عكست اللوحة صدق المشاعر ونبل الأحاسيس ورقة الوجدان في حب الرسول طمعاً في شفاعته ووساطته يوم الحساب، وقدمت اللوحة طاقات روحية من الشعر الصوفي الرفيع في قالب تشكيلي حديث.
كما تناولت لوحات للفنان جلسات التصوف وحلقات الذكر والوضع، من خلال إبراز الفراغ اللوني بين عبارات الابتهالات وتعتمد التركيز على ظل الكتابات، والخلفيات الزاهدة في اللون والخامات المستخدمة.
ويبرز أسلوب الشيمي في لوحاته المعروضة التي تضم أبياتا شعرية تخط بشكل متكرر على سطح اللوحة ثم يقوم بوضع طبقات لونية عليها لغرض الحفاظ على أثر الخط وليس الخط الحقيقي، إذ يزاوج الشيمي بين البناء التصويرى والخط العربي، بحيث يكون الخط جزءا من بناء تشكيلى يبرمج احاسيس ومشاعر صادقة تعس فكرة الفنان نفسه.
ويحرص الشيمي على نشر جماليات الخط العربي من خلال تنفيذ ورش تدريبية، منها ورشة ابتهالات التي نفذها أخيراً، في متحف الشارقة للخط، وكان نتاج ذلك لوحات جدارية حملت مقطوعات من قصيدة البردة للبوصيري ورباعيات عمر الخيام، وخطت القصائد على أسطح تظهر فيها معالم معمارية مثل الأعمدة والنوافذ والأبواب التي تشير إلى العمارة التقليدية، وعمارة المساجد، الأمر الذي أعطى اللوحة هالة روحية تليق بالمقطوعات المكتوبة، ودلالات ترتقي بالفن وتعزز رسالته الجمالية.