الكتاب يرصد مرحلة السبعينات في مصر. الإمارات اليوم

«عبدالمنعم أبوالفــتوح» وشهادة «رئيس محتمل»

شخصية جدلية، «إخواني» أحبه ليبراليون ويساريون، اختلفوا مع توجهاته، لكنهم احترموا مواقفه، لأن النضال لديه ليس موضة جديدة، أو نيشاناً علّقه على صدره بعدما صار الكل ثورياً، إذ اشتهر، منذ زمن، بمعارضته للنظام في مصر، يوم أن وقف الطالب عبدالمنعم أبوالفتوح أمام أكبر رأس في البلاد ليقول كلمة حق، وفوجئ الرئيس الراحل محمد أنور السادات بجسارة الشاب الثائر، وحاول الدفاع عن نفسه صارخاً في الطالب «الزم مكانك وحدودك»، في واقعة مباشرة نقلت على الهواء صوتًا وصورة.

يكمل أبولفتوح الذي يعرض شهادته عن تاريخ الحركة الإسلامية في مصر، في كتاب صدر أخيراً عن دار الشروق، يكمل مشوار التمرد، ويسير عكس اتجاه ارتأته الجماعة التي تربى في أحضانها، جماعة الإخوان المسلمين، ما استدعى فصله منها، بعد أن «شق عصا الطاعة»، وأعلن ترشحه للمنافسة على رئاسة الجمهورية، على عكس مراد الجماعة التي أعلنت عدم سعيها لهذا المنصب، على الأقل في المرحلة الحالية.

على الرغم من التحقيقات، وقرار الفصل، وما جرى من حوارات في جلسات سرية، مازال أبوالفتوح يرى نفسه ابناً بارا لـ«الإخوان»، تلمع الدمعة في عينيه حينما يروي تاريخ الجماعة، معتبراً أنها أكبر من كل الخلافات والانقسامات التي طرأت عليها أخيراً.

حسام تمام

يعود الفضل في إخراج شهادة القيادي الإخواني السابق عبدالمنعم أبوالفتوح، إلى العلن، للباحث والصحافي المتخصص في الحركات الإسلامية حسام تمام، الذي فجع الوسط الثقافي والصحافي في مصر برحيله الأسبوع الماضي، عن 39 عاماً، بعد رحلة مع المرض، لم يستشعرها كثيرون من متابعي الباحث المجتهد، الذي كان مرجعا مهما في شؤون الجماعات الإسلامية، وباحثاً نزيهاً، لا يبتغي سوى كشف الظاهرة وتحليلها بتجرد، على امتداد العالم الإسلامي وليس في مصر فحسب. وللراحل عدد من الدراسات المحكمة من بينها «تحولات الإخوان المسلمين.. نهاية الأيدلوجيا وتفكك التنظيم»، و«مع الحركات الإسلامية في العالم» وغيرهما.

سيرة وحركة

كتاب «عبدالمنعم أبوالفتوح.. شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر 1970 ـ 1984» الذي حرّره الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، حسام تمام، الذي رحل أخيراً، يكشف جوانب عدة، على مستويين، الأول ذاتي يتعلق بسيرة أبوالفتوح نفسه، وفصول من حياته، ربما لا يعلم كثيرون عنها شيئاً، ويتيح الكتاب لكثيرين فرصة الاطلاع على وجوه جديدة، لشخص ربما يكون «رئيساً محتملاً» لمصر، إذ إن كل الخيارات مفتوحة.

أما المستوى الثاني فعام يتعلق بحقبة مهمة من تاريخ مصر، حقبة السبعينات التي شهدت ميلاد الحركة الإسلامية في ساحة الجامعات، وانطلاقها، أو بالأحرى إطلاقها، بعد ذلك في شوارع مصر وزواياها، وانقسامها بعد ذلك إلى ثلاث جماعات، سلفية وجدت في الإسكندرية ساحة للدعوة ونشر أفكارها، وجماعة جهادية اتجهت نحو الصعيد، واتخذت العنف سبيلاً ومنهجاً، وثالثة انضمت إلى «الإخوان المسلمين» التي انطلقت من جديد بشكل اكثر تنظيماً في العهد الساداتي، كما أوضح ذلك أبوالفتوح في شهادته التي جاءت في 132 صفحة، وقدم لها المسشار والكاتب الإسلامي الدكتور طارق البشري.

يستهل أبوالفتوح كتابه ببطاقة شخصية وعائلية، فتاريخ الميلاد كان عام 1951 في حي المنيل بالعاصمة المصرية القاهرة، لأب يعمل فني صحة، لأسرة متوسطة الحال، أصولها ريفية. ويؤكد «الشاهد» أن الأسرة كانت ذات تدين فطري سمح، بلا أي انتماءات، حتى إن الأب لم يكن يجب جماعة الإخوان المسلمين «السيئة السمعة» في تلك الفترة، نتيجة «التشويه الإعلامي» في الحقبة الناصرية.

«ناصر» والجماعة

حاول الطبيب أبوالفتوح ان يبدو متوازناً في شهادته حينما تطرق للزعيم الراحل جمال عبدالناصر، فشدد على حبه في صباه للرجل، إذ اعتبره رمزاً ومثلاً أعلى وصاحب مشروع، مشيراً إلى بكائه مع الملايين بعد تنحي عبدالناصر عقب هزيمة .1967 ويعترف أبوالفتوح بأن «ناصر» يعد صاحب فضل على أسرته، عبر القوانين التي أصدرها، إذ أصبح أعمامه ملاك أراضٍ وأفدنة، بعد أن كانوا «معدمين».

لا تسير الشهادة على هذا المنوال على طول الخط، فالقطب الإخواني يحيد عن الإعجاب لناصر بعد النكسة، وانكسار الحلم، وما عمق الجفوة بين ناصر والفتى أبوالفتوح هو ما حدث للإخوان في عهده من «سجون وتعذيب»، وما سمعه الشاب بعد ذلك من شيوخ الجماعة بعدما انضم إليها، ما جعله يغير قناعاته، وإن لم «يكفّر» الزعيم الراحل، كما صنع بعض بني جماعته.

في ،1970 العام الذي مات فيه ناصر، بدأ أبوالفتوح مسيرته مع الحركات الإسلامية، فبعد تفوقه في الثانوية العامة، دخل كلية طب القصر العيني، بناء على رغبة الأب الذي كان يحلم بأن يرى ولده طبيباً، خلت الجامعة في ذلك الحين من أي نشاط ذي توجه ديني، إذ سيطر الطلبة اليساريون على الفعاليات، سعى أبوالفتوح الذي أطلق لحيته وعدد من المتدينين الجدد في الجامعة، إلى المشاركة، لكن اليساريين رفضوا، ومنعوهم من ذلك. بعد فترة استطاع أصحاب التوجه الإسلامي من دخول الانتخابات الطلابية والفوز ببعض اللجان، لتكون البداية، وبعدها تتسع دائرة المحاضرات في مسجد الكلية، والمخيمات، ويفوز أبوالفتوح برئاسة اتحاد الطلاب.

صدامات

يسرد العضو السابق في مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين، تفاصيل مهمة في نشأة الحركات داخل الجامعة، يتحدث بصراحة عن الصدامات التي وقعت بين تياره، والمخالفين لهم، ومحاولتهم التصدي بالقوة للحفلات الفنية التي كانت تقيمها اللجان الفنية. انتشرت الحركة الجديدة، وتمددت في جامعات مصرية أخرى.

وينفي عبدالمنعم أبوالفتوح تماماً ان يكون في الأمر «صفقة» مع الرئيس السادات الذي أراد أن يؤدب جماعات اليسار المعارضة لسياساته بأصحاب الاتجاه الديني، ويؤكد أنه لو تمت أي صفقة لكان طرفاً فيها بحكم منصبه في تلك الجماعات خلال السبعينات.

يفصل الدكتور أبوالفتوح الواقعة الشهيرة بينه وبين السادات، ويعرض تفاصيلها، ودوافعه لمناقشة الرئيس، ففي يناير 1977 رفعت الحكومة اسعار بعض السلع الرئيسة ومن بينها الخبز، فانطلقت مظاهرات بطول مصر وعرضها، وسارع السادات الذي سمى تلك المظاهرات «انتفاضة الحرامية»، بالهرب إلى اسوان في جنوب مصر، ولكن عاد إلى العاصمة بعد هدوء الأحوال، وسيطرة الجيش على الشارع. أراد السادات أن يظهر أن الأمر كان كما صور «انتفاضة حرامية»، فدبر لقاء يجمعه بمفكرين وصحافيين وطلاب من الجامعة، وكان من بينهم أبوالفتوح الذي يقول في شهادته «رفعت يدي أكثر من مرة لأتكلم ولكنه (السادات) كان يتجاهلني، ولم أكن أدري سبب هذا التجاهل، وحين لم يرد الرئيس أن يأذن لي بالحديث قمت واتجهت للميكروفون دون إذن من أحد، وتكلمت وكانت كلمتي قاسية، تحدثت إليه عن دور الدولة تجاه الشباب، وكيف أنه صار غير واضح ما تريده الدولة منا، وأن هناك تناقضاً بين العلم والإيمان الذي يدعو إليه الرئيس، وبين الممارسات الفعلية للدولة، وضربت له مثلاً بما حدث مع فضيلة الشيخ (الداعية محمد) الغزالي الذي أبعد من وظيفته داعيةً وعالماً يتصل بالناس ويعلمهم، ووضع في عمل إداري، وكيف تعاملت الدولة مع المظاهرات السلمية التي نظمها الطلاب اعتراضاً على ذلك، حيث هاجمها الأمن المركزي، وكيف أنه بهذا المنطق لم يعد حوله إلا من ينافقونه، رفع رأسه غاضباً غضباً شديداً واحتد علي وصرخ في وجهي (اقف مكانك.. اقف مكانك).. ولم أستطع أن أكمل كلمتي أو أستعرض النقاط الأخرى التي أردت أن أكلمه فيها».

تتوالى شهادة أبوالفتوح، أمين عام الأطباء العرب منذ عام 2004 وحتى الآن، جامعة بين السيرة الذاتية والغيرية، إذ يتعرض لتفاصيل أخرى من حياته، مثل حرمانه من التعيين في الجامعة بعد حصوله على بكالوريوس الطب على الرغم من تفوقه، ودخوله السجن بعد اغتيال السادات وتعرضه للتعذيب، وقصة زواجه من إحدى «الأخوات»، التي صارت رفيقة رحلته، كما يسرد أبوالفتوح قصصاً جديدة عن أعضاء في الجماعة، وآخرين من خارجها اتخذوا دروباً أخرى.

الأكثر مشاركة