فيديو «سيزيف يخرج في مظاهرة» يحكي الربيع العربي

صادق الفراجي: أرســـم لأحرّر نفسي

الفراجي: لست واعظاً للناس. تصوير: تشاندرا بالان

بين 10 لوحات فنية كبيرة الحجم، وفيلم فيديو قصير حمل عنوان «سيزيف يخرج في مظاهرة»، افتتح أخيرا في صالة أيام، في مركز دبي المالي، معرض الفنان العراقي صادق الفراجي الذي حمل عنوان «لا شيء يحدث.. لا شيء يأتي»، ويستمر حتى نهاية الشهر الجاري، ويطرح فيه الفراجي، المقيم في هولندا، التساؤلات التي توحد عقل البشر والتي تتعلق بالوجودية، اسئلة حادة تشبه حدية أعماله التي قال عنها «لا تقبل المساومة»، فأحداث العراق التي يطلق عليها «نكبة العراق»، جعلته أكثر سوداوية وأكثر حزنا وحدية، مؤكدا «أعمالي ارسمها لأحرر نفسي، ولست رسولاً كي أكون واعظاً للناس من خلالها».

سيرة

ولد صادق كويش الفراجي في بغداد عام ،1960 وتخرّج في «أكاديمية الفنون الجميلة». وغادر بلاده مطلع التسعينات، وهو يقيم حالياً في هولندا، حيث تابع تحصيله العلمي في مجال التصميم الغرافيكي. عرض أعماله في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة وروسيا.

تساؤلات وظلال

الفراجي الذي يستخدم هذا الأسلوب منذ الثمانينات، يحاول ان يظهر الظل من خلال العمل على اللون الأسود وقليل من الأبيض، «أنا اطرح تساؤلاتي وتساؤلات كل البشر منذ بدأت بحمل الريشة، فهذا المعرض هو استمرار لقيمتي التي تتركز حول الأسئلة التي تدور في ذهن البشر والتي لا توجد لها اجابة»، واضاف «اسئلتي حادة، تشبه الحدية في رسمي الذي لم يعد يقبل المساومة، اسئلة لها علاقة بالوجودية وليس بالتفاصيل والتي تنعكس على عاطفة الشخص»، مؤكداً «هي أسئلة ليست للأجوبة، وجدت مع الانسان ولكل شخص طريقته الخاصة في التعاطي معها»، موضحا «يوجد اشخاص يهملونها لانها تعذبهم او لا يستطيعون التعامل معها، ويوجد اشخاص يبحثون عن طرق للتحررر منها»، وكأنها وسيلة للفضفضة «اما ان يحكي أو يبكي، فالرسم نوع من البكاء».

ويظهر هذا جلياً في طريقة تجسيد الفراجي للجسد الذي انتشر على 10 لوحات تراوح أحجامها بين 200 * 270 سنتيمترا الى 200 * 320 سنتيمترا، فتارة تجده محنيا من شدة التعب في التفكير في السؤال، وتارة يرمي وردة الى الهواء في لوحته التي عنونها «أمي الوردة»، وكأنه يعود الى ذكريات ما أو حضن ما، وهناك الجسد الذي يريح رأسه على ركبيته وهو في قمة اليأس.

في انتظار غودو

لا شيء يحدث، لا أحد يأتي هي عبارة استوحاها الفنان من مسرحية «في انتظار غودو» للأيرلنـــدي صموئيل بيكيت، يقول عنها الفراجي الذي اقام معرضا فنيا سابقا حمل عنوان «في انتظار غودو»: «هي جملة عدمية وقريبة مني، لا شيء لا احد، عبارة لديها الجانب الفيزيائي، وتتعلق بالعين التي ترى، واليد التي تلمس، عيون تنظر للفراغ للاشيء ويد تحاول ان تتهيب لمس هذا الفراغ»، لذلك ركز الفراجي على ابراز اليدين والعيون في جل اعماله، لكن غودو ظهر صارخا في لوحته التي عنونها بـ«غودو الذي سيأتي البارحة» تأكيدا ان غودو لن يعود أبدا، فرسم فيها شخصين يجلسان قبالة بعضهما بعضا نظرتهما صارمة ومصرّان على الانتظار، انتظار غودو.

وكان لحجم اللوحات الكبيرة مساحة أكبر لابراز تساؤلات الفراجي أكثر «اشعر براحة أكبر، خصوصا ان المعضلة كبيرة، والمعضلة باللغة الفصحة تعني المشكلة التي لا حل لها».

 

رسم ليس تفاعلياً

ارتباط اسئلة الفراجي التي تدور في خلده منذ الثمانينات هي اسئلة توحد البشر وتزيد الالفة بينهم، ويقول: «الذي يسأل يكون عاشقا رائعا، لانه ببساطة سيدرك قيمة الأشياء من حوله ويبتعد عن سفاسف الأمور»، واضاف «سيهتم بالتفاصيل الجميلة والصغيرة ستعنيه أكثر، خصوصا في وجود الحبيبة»، فالاسئلة الوجودية حسب الفراجي التي تندرج تحت صفة الاسئلة الصعبة «تخلق عند الانسان الزهد فيذهب الى الأمور الأكثر عمقا»، مؤكدا «انا لست رسولا ولا مصلحا ولا فيلسوفا، ببساطة شديدة وجدت نفسي فنانا وأرسم لأحرر نفسي، ولا أفكر في الآخر اذا احب العمل أو لا، أو فهم ما أرسمه او لا، فالفنان الرسام بشكل عام لا يفكر بالمتلقي الا في مرحلة معينة وتكون نادرة»، موضحا «الرسم ليس كالمسرح الذي يجلس فيه الكاتب والمخرج كي يقرران كيفية خلق التفاعل بين الممثل وبين الجمهور، لكن هذا لا يعني ان تكتفي اللوحة بمشاهد يقف أمامها ويقول عنها انها جميلة، يجب عليه أن يتعمق فيها أكثر فثمة ضوء موجود على سطحها».

العراق

بالرغم من ابتسامته التي لا تفارقه الا أن الفراجي يعيش سوداوية وحزنا في أعماله «أتخيل نفسي خرجت من بطن أمي وأنا هكذا، لا أعرف الرسم الفرح»، وعن تطور ثيمته في ظل ما يحدث في موطنه العراق يقول: «النكبة في العراق انعكست على شخصيتي ليس فقط على رسمي، بل جعلتني أكثر حزنا وأعمالي أصبحت أكثر مأساوية»، مؤكدا «أعمالي صارت أكثر حدية، حتى التكنيك أصبح حادا لا يوجد فيه مجاملة، وألواني بدأت تختفي رويدا رويدا، الى ان استسلمت تماما للون الأسود والقليل من الأبيض»، مؤكدا «كل هذا حدث معي دون تخطيط»، مشيرا الى أن «أول عمل قمت به بخصوص النكبة في العراق مشروع في هولندا كان عنوانه (مولود في التاسع من نيسان) ليس بمعناه الايجابي كعيد مولد بل بالسلبي، فهذا الشعب المسكين الذي كان يحلم بالحرية، جاءت أميركا كطاعون حل عليه»، وقال «ولد طاعون في العراق وانتشر وحوّل الموت الى كائن حي ينتقل بين البشر، فالطاعون عندما يحوم في بلد ينشر الموت في كل مكان»، وقال: «لم أجد تشبيها للحرب الأميركية على العراق وبقائها فيه سوى بالطاعون، مع أن الطاعون يقتل البشر فقط، والذي مات في العراق ليس البشر فحسب بل الشجر والبيئة والثقافة والحضارة والأماكن وحتى الذاكرة»، فأسئلة الفراجي في أعماله أسئلة كبيرة تتخطى الوطن «لأنها نوع من العاطفة تجمع كل الناس، الوطن هو الحضن الذي شكل ذاكرتنا، فعندما نفكر فيه نفكر بالمكان والشوارع والذكريات، تفاصيل هي بمجموعها الوطن، ولبعض البشر لم يعد وطناً بل ذاكرة وهوية، واصبحوا عائمين لا قدرة لديهم على الرجوع ولا القدرة على الابتعاد أكثر».

تويتر