« مزاينة الظفرة ».. لوحــة تراثية تنبض بالحياة

هناك في المنطقة الغربية من الإمارات، تمتد لوحة شاسعة تنبض بالحياة والحركة، يتلاقى فيها الماضي بالحاضر، وتحتضن الطبيعة البكر تراث الأجداد، ليكوّنا معاً معادلة متكاملة لـ«الوطن والجذور»، في مزيج متميز عنوانه «مهرجان الظفرة». وعبر سنواته الماضية استطاع المهرجان الذي تقام حالياً دورته الخامسة، أن يكرس نفسه عرساً تراثياً شعبياً، وحدثاً سياحياً متفرداً، ليصبح أكبر مهرجان لحياة البداوة في العالم.

عند مدخل مدينة زايد تبدأ اللافتات الدالة على المهرجان تظهر، وحيثما يسير المرء يشاهد سيارات الدفع الرباعي تتجه نحو الحدث، فالجميع هنا جاء من أجل المهرجان، تختلف لوحات السيارات لتبدو خليطا من دول مجلس التعاون الخليجي؛ الإمارات، قطر، السعودية، الكويت، عمان، البحرين. ومع الاقتراب من ليوا قد يحدث ان تتوقف السيارات فجأة تاركة الفرصة لمجموعة من الإبل للعبور في طريقها إلى مزاينة الظفرة.

«شارع المليون»

ما إن يقترب الزائر لمنطقة الظفرة حتى يشعر بأنه انتقل عبر الزمن، أو انه في موقع تصوير لفيلم قديم للمنطقة قبل ظهور النفط، حيث الحياة البسيطة، والألفة واضحة بين الإنسان والصحراء، بلا صخب أو ضجيج، فقط صحراء ممتدة على مرمى البصر، مشرعة على التأمل واستعادة الهدوء والصفاء النفسي، لا يقطع هذا الهدوء سوى أصوات قوافل الإبل وهي تتوافد على «شارع المليون» الذي يمثل الشارع الرئيس في المنطقة، ومكان الاحتفالات والصفقات لبيع وشراء الإبل بأسعار تصل أحياناً إلى الملايين، ومنها اكتسب الشارع اسمه.

وفي بداية «شارع المليون» أقيمت مجموعة كبيرة من الخيام أو بيوت الشعر، بعضها تمثل محال لبيع مستلزمات التخييم وأدواته، والسيارات وكل ما قد يحتاج إليه المشاركون في منافسات المزاينة او زوار المنطقة من المخيمين، وغير بعيد عن هذا المكان، نصب بعض محبي البر خيامهم، التي تتزايد مع الوقت واشتداد المنافسات بين مشاركي المزاينة، وتعدد فعاليات المهرجان التي تستمر حتى 28 من الشهر الجاري.

مسابقات

من الطبيعي ان تكون الوجهة الأولى لزائر مهرجان الظفرة موقع مسابقات المزاينة، إذ تتبارى الأصايل والمجاهيم لإظهار مفاتنها، وتناسق أجسادها، وما تتمتع به من سمات الجمال والصحة، وقد وقفت كل مجموعة منها خلف حواجز حديدية، وإلى جوارها القائمون على رعايتها والعناية بها، وغير بعيد اجتمع أفراد لجنة تحكيم المزاينة منهمكين في مشاوراتهم والمقارنة بين المشاركين لاختيار الأفضل في كل شوط، بينما امتلأت المنصة الكبيرة التي اقيمت هناك بمتابعي المزاينة من ملاك الإبل وعشاقها، وكثير من السائحين الأجانب الذين حضروا لمشاهدة فعالية فريدة لم يعرفوها في بلادهم، ولم يكتف بعض هؤلاء السائحين بالمتابعة من بعيد، فنزلوا مع أبنائهم إلى الساحة لالتقاط الصور التذكارية مع الإبل، ومشاهدتها عن قرب. أما الجالسون في المنصة والذين انصرف معظمهم في حوارات جانبية، فما ان يبدأ إعلان نتائج الأشواط حتي يطبق عليهم صمت عميق لا يلبث ان تبدده صيحات الفرح والنصر التي يطلقها ملاك الإبل الفائزة.

35 مليون درهم

يشهد مهرجان مزاينة الظفرة هذا العام مشاركة من أكثر من 1300 مشارك من ملاك الإبل، يشاركون في فئات وأشواط بما يقارب 20 ألف ناقة، وتفوق جوائز المهرجان في مختلف مسابقاته 35 مليون درهم. كما يشهد هذا العام زيادة عدد أشواط مزاينة الظفرة لأكثر من 50 شوطاً، خصوصاً مع التوقعات باستقطاب المزيد من المشاركين في ظل تنامي مكانة المهرجان وجماهيريته على صعيد دول مجلس التعاون الخليجي. إلى جانب إضافة أشواط الظفرة التي تقتضي بعدد ست نوق لكل مشارك، فضلاً عن شوطي البيرق للمحليات الأصايل والمجاهيم، حيث يجب المشاركة بـ50 ناقة من سن الجذاع فما فوق، وجائزة المركز الأول لكل من هذين الشوطين مليون درهم.

عادات

من جانبه، أوضح مدير المزاينة محمد عبدالله المهيري لـ«الإمارات اليوم»، أن «هناك زيادة واضحة في عدد المشاركات من مختلف دول مجلس التعاون هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة، ما يشير إلى نجاح المهرجان في تحقيق أهدافه الرئيسة، في مقدمتها الحفاظ على السلالة المحلية، وتشجيع التمسك بالعادات والتقاليد وملامح التراث المتوارثة عن الآباء والأجداد».

وذكر ان إدارة المهرجان حرصت على توفير فريق دعم لوجستي لتقديم التسهيلات للزوار والمشاركين، مثل توفير العزب للرغبين، وتوفير المياه والأعلاف والرعاية البيطرية أيضاً، إلى جانب تسهيل دخول المشاركين وابلهم إلى الدولة.

وحول صفقات البيع والشراء؛ أفاد المهيري بأن الايام القليلة الماضية التي جرت فيها سباقات الحلاب، والتي انطلقت في 15 ديسمبر الجاري، شهدت عقد بعض الصفقات وصل أعلى سعر فيها إلى 250 ألف درهم، مشيراً إلى ان الاسعار تختلف من مطية إلى أخرى حسب السلالة، إذ ان إبل المزاينة تفوق بكثير في أسعارها إبل الحلاب، حيث لا مجال للمقارنة بينهما.

من ناحيتهم، أشار زائرون للمزاينة من جنسيات مختلفة إلى حرصهم على زيارة المهرجان بعد ان حقق شهرة كبيرة باعتباره فرصة مهمة للاستمتاع بحدث استثنائي تتفرد به منطقة الخليج. كما يمثل فرصة للابتعاد قليلاً عن أجواء المدن وزحامها، والاستمتاع بأجواء الصحراء العربية الجذابة، خصوصاً في ظل اعتدال الطقس في هذا الوقت من العام.

الأكثر مشاركة