هدى حمد.. قصص تكشف المستور
«لو لم أغادر عمان لما أصبحت كاتبة» هذه العبارة التي رددتها القاصة والإعلامية العمانية هدى حمد، التي من خلال كتاباتها الجريئة كسرت حدود العادات والتقاليد وتخلصت من قيود مجتمع تنبعث منه رائحة ذكورية، كما تناولت قضايا اجتماعية لطالما كانت محظور التطرق إليها بالحديث قبل الكتابة، بأسلوب طرح غير مباشر، منها قصص حب وخيانات وجنس تجسد في أبسط التعاملات وعلاقات محرمة وشذوذ، ضمن مجموعة قصصية ستصدر قريباً.
وأتيحت للقاصة فرصة مواصلة تعليمها خارج سلطنة عمان وتحديداً في سورية، واعتبرتها فرصة العمر، وذلك لمعرفتها التامة بأن رفض تلك المنحة يعني القضاء على عشقها وشغفها للكاتبة القصصية التي بدأتها في مراحل متقدمة من الدراسة، إذ كانت القاصة مولعة بكتابة الخواطر وأشباه القصص التي تصفها بأنها محاولات غير ناضجة وساذجة، وبعد انتهائها من دراستها التخصصية في مجال الأدب وتحديداً اللغة العربية، استعادت «حمد» ثقتها بموهبتها وما ساعدها على ذلك عملها لاحقاً في مجال الصحافة.
لم تستعجل القاصة النضوج الفكري فكانت تغوص في بحر القراءة التي من خلالها استطاعت أن تخلق التفكير وتعجل بنضوجه، وبالعمل في الصحافة ومواصلة الكتابة والمحاولات لم تتمكن القاصة من الفصل بين الواقع المهني والخيال السردي في القصص، لاسيما أن الأحداث اليومية التي تعرضها وتكتب عنها في الصحيفة والقضايا التي يصعب ويحرم التطرق إليها وجدت طريقها في كتاباتها القصصية، إذ كانت تعتمد على اسلوب بين السطور والطرح غير الصريح للقضية. وقالت هدى حمد لـ«الإمارات اليوم» إن «مجموعتي القصصية الأولى (نميمة مالحة) طرحتها في ،2006 ومن خلالها حلقت في فضاء السرد القصصي ضمن 15 نصاً لم تخل من النميمة التي قصدت بواسطتها تعرية واقع الحياة اليومية في مجتمع مجد الرجل بما فيه الكفاية، ثم أصدرت مجموعتي القصصية الثانية (ليس بالضبط كما أريد)، وكنت أكثر نضجاً، إذ قررت من خلالها التخلي عن جماليات اللغة، وأن أصب تركيزي على الفكرة مع المحافظة على عناصر اللغة بشكلها المتكامل». ولفتت القاصة إلى أن «مجموعتي القصصية نشرتها في بيروت، وذلك لانعدام دور النشر المتخصصة في عمان، لذلك فإن عين الكاتب العماني دائماً تحدق للخارج وليس للداخل». ولأن الظروف والضغوط غالباً ما تولد الإبداع، تمكنت القاصة وأثناء محاولتها إعادة ترتيب تفاصيل دقيقة في حياتها من كتابة روايتها الأولى «الأشياء ليست في أماكنها» التي لم تتوقع أن تحقق بواسطتها المركز الأول في جائزة الشارقة للإبداع العربي «الإصدار الأول في مجال الرواية» في عام ،2009 إذ إن الرواية قدمت للمشاركة في الجائزة في اليوم الأخير لموعد التسجيل وصاحبها تفاصيل دقيقة ومعقدة مرت بها القاصة جعلتها تجزم بأنها تشارك عبثاً، إلا أن الفوز عزز ثقتها بنفسها وبموهبتها وقدرتها على الكتابة.
رواية جريئة
«البياسر» مصطلح عامي متداول قديماً بين القبائل في الخليج في إشارة عنصرية ودونية إلى الأشخاص مهجني العرق والأصل أي الذين اختلطت عروقهم بالعرقين الإفريقي أو الأبيض على حد سواء، من هذا المصطلح نسجت القاصة هدى حمد أحد شخصيات روايتها «الأشياء ليست في أماكنها»، التي كانت بمثابة صدمة كبيرة من خلال التطرق لهذه الفئة الموجودة في مجتمعاتنا وواقعنا، إذ لم تخل كتابات القاصة هدى حمد من الجرأة في الطرح التي قد تستفز كثيرا من مدعي الحرية والمطالبين بالتغيير ظاهرياً ومتحجري العقول والأفكار، واستطاعت القاصة من خلال التحكم بشخصيات روايتها في كشف المستور عن واقع مجتمع رفضت تحديده صراحة واكتفت بالتلميح عنه ليكتشفه قارئ الرواية، وأشارت القاصة إلى عادات وممارسات وقضايا مثيرة منها الشذوذ والخيانة والعنصرية العرقية والبطالة والسلطة الذكورية وتنزيه الرجل وتدنيس المرأة. وتنقسم الرواية إلى ثلاثة فصول تبدأ بالفصل الأول بعنوان «الحياة في مرايا أخرى»، ويتناول الفصل التركيز على شخصية «أمل» التي تربطها علاقة صداقة منذ الطفولة بالشخصية الثانية منى، والتي تعيش في المنطقة التي يسكنها حبيب أمل الشاب صاحب الحسب والنسب «محسن»، إلا أن فرصة الارتباط به مستحيلة كونها ذات نسب متدنٍ «بيسرة» لا يليق بحسب ونسب محسن الذي ينصاع لأوامر والدية ويتزوج بـ«منى» التي تمتلك كل شيء إلا انها مقيدة وأسيرة العادات والتقاليد، فتعيش قصة خيالية أثناء زواجها بمحسن الذي يفضل الاحتفاظ بعلاقته بأمل في الظلام، وهذا يتجلى في القسم الثاني من الرواية بعنوان «حكاية بلا عكاز»، وتتشابك أحداث الرواية وتزداد تعقيداتها في الفصل الأخير تحت عنوان «من يكمل الوقت دون أن يقترف..»، إذ تجتمع جميع الشخصيات المتأزمة في الرواية وتكشف أوراقها تدريجياً أمام القارئ.
المرأة والتغيير
وتعتقد القاصة بأن أحداث الربيع العربي وهيجان الشارع العربي والمطالبة بالتحرر والحقوق، سيكون له أثر كبير في تغيير الكتابة ليس من ناحية الأسلوب فقط، إنما من ناحية الجرأة في التعاطي مع القضايا وفتح تابوهات كثيرة لطالما كان الحديث عنها محرم، لافتة إلى أن «وجودي مع الناس، خصوصاً في أحداث الاعتصامات التي شهدتها المحافظات العمانية، أثر كثيراً في كتابتي الصحافية من خلال المقال الأسبوعي في صحيفة عُمان، الذي اتطرق فيه لما يريده الناس والتحدث عن هموم العامة». وأكدت القاصة أنها «ليست مع الأدب النسوي، لأني لست في صراع مع الرجل، على الرغم من أني أطالب بوعي المرأة وعدم محاربة المرأة لمثيلتها، خصوصاً أن لدينا مشكلة في الوعي، رغم وجود قوانين حقوق المرأة، إلا أن المرأة لاتزال تطالب بوجود ذلك القانون». مشيرة إلى أن «نقطة التحول تكمن في وعي المرأة نفسها وليس المجتمع خصوصاً أن المرأة تعد الأبطأ في مواكبة التغيير، كما على المرأة أن تتحرر بتحقيق استقلاليتها المالية لتتمكن من الانفاق عما تدعو إليه وتعتنقه من أفكار ومواهب».