«حرب النعل» يـــنافس «عشيات حلم» و«زهايمر» على الجائزة
ليلة لن ينساها، غالباً، المسرحيون الإماراتيون الموجودون هنا في العاصمة الأردنية عمّان، تلك التي تضمنت مساء أول من أمس، عرض مسرحية «حرب النعل» التي تمثل الإمارات في الدورة الرابعة لمهرجان المسرح العربي، بعد أن قدموا عرضاً قوياً نجح في إقامة تواصل ملحوظ مع الجمهور العربي الذي اكتظت به قاعة المركز الثقافي الملكي، ليصبح الضحك والتأمل لغة تقفز على إشكاليات عدم فهم بعض المفردات المحلية للعمل، وهو اليوم الذي شهد عرضين آخرين خارج المسابقة الرسمية، هما المصري «البيت النفادي»، والسعودي «مريم وتعود الحكاية».
اتفاقية تعاون وقّعت الهيئة العربية للمسرح اتفاقية تعاون وتفاهم مشترك مع الهيئة الدولية للمسرح، حيث مثّل الأولى الأمين العام لها الفنان الإماراتي إسماعيل عبدالله، فيما مثل الثانية مديرها تومياس بيانكي. وتوقع عبدالله أن تسهم الاتفاقية الجديدة في مزيد من تعزيز وجود المسارح العربية في المحافل الدولية، فضلاً عما تتضمنه من فرص لإقامة مشروعات مشتركة، لا سيما في ما يتعلق بأغراض التدريب وتبادل الخبرات مع المؤسسات المسرحية المختلفة. ونوه بيانكي من جانبه بأن الهيئة الدولية مهتمة ببناء علاقات قوي ومثمرة مع المؤسسات المسرحية العربية المختلفة، من خلال الهيئة العربية للمسرح، متوقعاً أن تسفر الأيام المقبلة عن أطر واضحة للتعاون. مؤازرة وطنية عدد غير قليل من المسؤولين والفنانين جاء لمساندة العرض الإماراتي، منهم مدير دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، عبدالله العويس، ومدير عام مجموعة مسارح الشارقة، محمد حمدان بن جرش، والفنانون حبيب غلوم، هدى الخطيب، د.محمد يوسف، عائشة عبدالرحمن، وغيرهم، بما فيهم جانب من الممثلين الشباب، مثل إبراهيم استادي الذي ظل متواصلاً على الرغم من إغواء الاستمتاع بالعروض مع زملائه في عمله الرسمي بإذاعة «دبي إف إم»، التابعة لمؤسسة دبي للإعلام. الفنان مرعي الحليان كان بمثابة أيقونة مختلفة في كواليس المهرجان من خلال ازدواجية صفته صحافياً في جريدة البيان، وفناناً مؤازراً للعرض الإماراتي، وما بين الرؤية الداعمة، والأخرى النقدية، مثلت جلسة للحليان محوراً جاذباً لصحافيين وفنانين، فيما فضل بعض الممثلين الشباب الاحتفاء بالعرض الإماراتي طربياً عبر استعادة بعض ملامح الموروث الشعبي الغنائي الإماراتي. |
عقدة صعوبة التواصل الجيد مع الجمهور، في حال الخروج عن دائرة الخشبات المسرحية، تلاشت، وردة فعل الجمهور الفورية، أثناء العرض وبعده، دفعت لأن تتحول الخشبة إلى ساحة احتفاء بالخشبة الإماراتية التي قدمت عملاً تلقى الإشادات الفورية من أعضاء الفرق المسرحية المتنافسة، فضلاً عن عدد من رموز المسرح العربي مثل المصريين سميحة أيوب ونقيب الممثلين أشرف عبدالغفور، اللذين صعدا إلى الخشبة لتهنئة فريق العمل، قبل أن يذهب عدد غير قليل من الفنانين الإماراتيين الى التواصل في بهو الفندق وإحدى قاعاته مع نظرائهم في جلسات اكتست طابعاً احتفائياً بالعمل.
ورغم الإشادات النقدية التي تلت عرض «حرب النعل»، ودخوله، حسب القراءات المبدئية حتى الآن، في منافسة مع العرض الأردني «عشيات حلم»، والتونسي «زهايمر» بقوة، إلا أن البعض يرى أن النضج الفني والاستحسان الجماهيري اللذين صاحبا «حرب النعل» سيمثلان ضغطاً شديداً على لجنة التحكيم، وفق الخبرات العربية في هذا الخصوص التي قد تجد حرجاً في منح الجائزة لعمل إماراتي، مرده أن فكرة استحداثها بالأساس إماراتية من خلال مكرمة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، بمنح جائزة نقدية قدرها 100 ألف درهم للعمل الفائز، وترشيحه لافتتاح «أيام الشارقة المسرحية»، لاسيما أن العمل تم عرضه بالفعل ضمن دورة «الأيام» السابقة.
وبعد كلمة للمؤلف إسماعيل عبدالله والمخرج محمد العامري، يستهل الكتيّب التعريفي لـ«حرب النعل» بثمانية وجوه، ترتيبهم يعكس مساحة دور كل منهم في العمل، هم أحمد الجسمي، عبدالله صالح، حميد سمبيج، بدور، مروان عبدالله، ناجي جمعة، أحمد مال الله، عبدالرحيم أحمد، باستثناء مروان عبدالله، الذي قدم دوراً رئيساً يقفز به خطوات في اتجاه الصدارة، ومعه بدور التي لا تزال تؤكد أنها أحد أهم الوجوه النسائية الجاهزة للعب أدوار قوية بإجادة وتميز.
14 وجهاً آخرون في الصفحة التالية للممثلين كان أداؤهم الواثق مهماً في إيجابية الصورة التي ظهر عليها «حرب النعل»، بدءاً من طقوسه الاستهلالية التي تضمنت نعالاً مبعثرة في بهو المسرح، ظل يتساءل بشأنها الجمهور قبيل دخوله القاعة، وصولاً إلى ختام العرض.
المسرحية، التي يعود نصها للمبدع إسماعيل عبدالله، أفصحت عن مشهدية ثرية استعان بها العامري بجماليات ألواح الأخشاب العتيقة المستمدة مما تجود به البيئة الساحلية على ضفافها، من اشجار لها ملامحها المميزة، ليفصح المشهد أكثر عن شيء من مكنون الأحداث التي تنبئ عن اختلاف المصالح بين مجموعتين، إحداهما يمثلها من بيده سلطة تسيير أمور الصيادين، وهو النوخذة الذي يجسد دوره الفنان أحمد الجسمي، ويجاوره دائماً تابعه الذي يلعب دوره حميد سميج، فضلاً عن زمرة من البشر المتشابهين زياً، فيما يبدو الفنان عبدالله صالح، الذي يمثل دور رجل ضرير، مناهضاً دائماً لا يقوى على تحريك ساكن أمام بطش النوخذة، وهو سياق يتضامن فيه نفسياً مع شخصيتين رئيستين هما الفتاة حور «الفنانة بدور»، وشاب سكير يجسد دوره مروان عبدالله صالح.
هذه الجدلية الثنائية، على الرغم من ذلك، تبدو خادعة في سياق تطور الأحداث، الذي تبدو فيه ملامح خطر آخر يداهم القرية، وحديث عن وجود قطط صغيرة تهاجم القرية بين الحين والآخر، ليكون الحل السحري والوصاية الدائمة للنوخذة «اضربوهم بالنعال»، الذي يصوره دائماً على أنه الأداة المثلى لمقاومة اي اعتداء، ملخصاً عقيدته بشأنه بقوله «النعال لمن عصى».
وما بين قوى مسيطرة على كل شيء وأخرى تبقى معدومة من كل شيء، لا يبدو في ظل استكانة الأخيرة ثمة صراع آتٍ، لكن الأنباء التي تؤشر إلى زيادة عدد القطط، لم تكن تثير النوخذة الذي كان دائماً يتوقع دائماً هامشية تأثيرها، لكنه في المقابل يبقى شديد الحسم مع سائر أفراد مجتمعه الذي يمثلهم الرجل الضرير، وعلى الرغم من أن صوت الفتاة «حور» كان يتخذ صوت العقل والقوة أحياناً، إلا أن هذا الأمر ظل غير قادر على صنع صراع ما في داخل المسرحية التي جعلت الجميع لا يتوقع أصلاً الصراع الحقيقي بين أهل القرية جميعاً وبين القطط، وكأن المشاهد أيضاً، حسب وجهة النظر الإخراجية، شريك في تقزيم حجم الخطر المقبل من خارج القرية.
«اضربوهم بالنعال» كانت الوصية الجاهزة للرجل الوحيد القادر على التحكم في مصائر الأمور في القرية، وعدم اتخاذ قرار حاسم بشأن حجم القطط التي بدأت تصبح، بفعل مداومتها على السرقة من خيرات هذه القرية، ممثلة بأسماك صياديها، أكثر شراسة وتجرؤاً، بعد أن اضحت أكبر حجماً، ما فاقم من عدم استقرار الأوضاع على اختلاف مستوياتها في القرية، وهي أجواء نفسية كانت توازيها بسلاسة ودقة متناهيتين، إعادة تشكيل الديكور والسينوغرافيا، من خلال إعادة تموضع ألواح الخشب العتيقة، التي كانت في البداية بمثابة متاريس حصينة، وتحولت ضمن تحولاتها المتعددة، إلى مجرد حواجز دائرية أو مربعة للتجمع وتجاذب أطراف الحديث.
الموسيقى والمؤثرات الصوتية كانتا حاضرتين بحيويتهما لموازاة الفعل المسرحي صعوداً وهبوطاً، بعدما فضل المخرج خيار اللجوء إليها حية، بعيداً عن تقنية الـ«بلاي باك» في معظم المواقف، بل إن ثنائية المؤثرات بنوعيها، الصوتية والضوئية، كانت بمثابة أحد الحلول السحرية التي لجأ إليها العامري في التغلب على غياب التحولات الفارقة في الأحداث، وبطء رد الفعل الرهيب من قبل النوخذة وأهل القرية، في مقابل إيقاع آخر سريع يحمله الخطر المقبل من الخارج بسرعة إيقاعه الحركي والموسيقي أيضاً.
هذا الفضاء المزدحم ليس بالمجاميع فقط، بل أيضاً بنجوم مهمين على الساحة المسرحية، بينهما المخضرمون أحمد الجسمي وعبدالله صالح، فضلاً عن ازدحامه ايضاً بمفردات عناصر الديكور، لم يمنع العامري من التوظيف الجيد لمعظم أدواته، وبدا الشاب الثلاثيني ذا خبرة وحنكة قادرة دائماً على تسيير أمور الخشبة على نحو نموذجي، على الرغم من ان الخشبة في موقف موحٍ اتسعت لتتجاوز مساحتها المكانية، في ظل غزو القطط المتنامي لنجد قططاً تزحف من داخل القاعة، وأخرى تهبط من سقف المسرح، وثالثة تتسلق جدران القوائم الداخلية لتهبط ملتصقة بمقاعد المشاهدين، في مشهد تشتت له أنظار المشاهدين بفضل ثرائه واتساع قاعدته، من دون أن تشتت أمامه رؤية المخرج.
تلك الحالة المثيرة التي حبست أنفاس الحضور، على خلاف التطور البطئ للأحداث داخلياً، الذي يمثله ردود فعل أهل القرية، فرضت الإيقاع السريع في النهاية المتمثلة في حركة القطط وتكالبها، ليجيء من يحمل نبأ أمر قد وقع بالفعل، وتعدى كونه تحذيرياً، بأن «القطط اجتاحت كامل القرية ووصلت إلى البيوت، ولم تكتف هذه المرة بنهب خيراتها، بل تعدت على الدم والولد والعرض».
الرؤية التطمينية التي غابت عن المشهد ظل النوخذة محتفظاً بها وهو يترقب مولوداً جديداً تفاخر بكونه ولداً، مشيداً بخصوبة القرية التي تلد إناثها 10 أولاد إذا ما فقدت ولداً واحداً، لكن النهاية الصادمة تأتي بأن حتى هذا المستقبل الذي ينتظره لن يكون سوى صورة مسخ من الواقع المهين، لأن البشارة الحقيقية أتت بأن «الوليد الجديد مسخ بجسم إنسان.. ورأس قط»، ليتحول الفضاء المسرحي إلى كيان يبتلع الجميع من خلال تصميم اشبه بخيمة عملاقة لا توفر أحداً عن احتوائها، حتى المشاهدين انفسهم تخيلوا بفعل إيحاء تكالب القطط من كل صوب، بأنهم جزء من هذا الموقف الانهزامي الموجع، على خلفية صراخ استغاثة من «القطط الغازية».