عروض مغاربية وخليجية نجحت في التواصل مع الجمهور

خصوصية اللهجات.. حواجز حطمها « المسرح العربي »

صورة

واقع لخصه أمين سر الهيئة العربية للمسرح، الفنان الإماراتي أحمد الجسمي، خلال تهنئته لمخرج المسرحية المغربية «الهواوي قايد النسا»، عقب عرضها مساء أول من أمس، في عمّان، ضمن فعاليات الدورة الرابعة للمسرح العربي، بقوله: «أوهمونا أن اللهجات ستظل عائقاً أمام استمتاعنا بلهجات المغرب العربي، لكننا سواء فنانين أو حضور استمتعنا بكل تفصيلات عملكم»، وهي الانطباعات ذاتها التي تلت العرض الليبي «خراريف»، والجزائري «الشهداء يعودون»، والتونسي «زهايمر»، في الوقت الذي عبر فنانون من تلك الدول، وعدد من الحضور، عن أن خصوصية اللهجات الخليجية أيضاً لم تمنعهم من الاستمتاع الواعي بعروض الإمارات وقطر والكويت، التي عُرضت لها أول من أمس، أيضاً مسرحية «طقوس وحشية».

في الهم شرق

استحضر مسرحيون من دول المغرب العربي جمعتهم جلسة في بهو فندق «رويال» في العاصمة الأردنية عمّان، التي تستضيف عروض الدورة الرابعة لمهرجان المسرح العربي، بعض المفارقات اللفظية غير الواضحة بالنسبة لدول المشرق العربي، معترضين بخفة ظل على استثناء أمير الشعراء الشاعر أحمد شوقي لهم من الهم العربي في شطر قصيدته التي مطلعها «سلام صبا من بردى أرق ودمع لا يكفكف يا دمشق»، حينما قال: «كلنا في الهم شرق»، متوقعين أن يغير الشاعر قناعاته في حال حضوره مثل هذه الكرنفالية العربية ليغير مفردة «شرق» بـ«عرب».

الحديث عن جماليات مفردات اللهجات الخاصة كان محور أحاديث تلقائية جمعتها صدفة الجلوس على طاولة غداء واحدة بالنسبة للدكتور حبيب غلوم، الذي تطرق مع مسرحيين جزائريين إلى هذا الجانب، فيما راحت الفنانة الليبية سلوى المقصبي تتحدث عن دلالات بعض الألفاظ الليبية مقارنة باللهجة المصرية الأكثر شيوعاً عربياً، قبل أن تكشف الفنانة القادمة من بنغازي أن والدتها في الأصل من مدينة الإسكندرية .

في المقابل، رد نقاد ومسرحيون قدرة الجمهور على فك أي شيفرات لفظية مغرقة في المحلية إلى قوة أداء الممثلين خصوصاً، إلى الدرجة التي تجعل المتلقي يتواصل مع الفعل والحركة والإحساس على المسرح، حتى في حال افتقاده لجزء محدود من الخطاب اللفظي، مشيدين في هذا السياق بقوة أداء الممثلين، لاسيما في مسرحية «زهايمر» التونسية.

في هذا الإطار، قال الأمين العام للهيئة العربية للمسرح إسماعيل عبدالله لـ«الإمارات اليوم» إن «أحد أهم جماليات مهرجان المسرح العربي في دورته الرابعة بالأردن، أن هذا التنوع عكس بالفعل تنوعاً في مذاقات أضفت على كل عمل من الأعمال المشاركة خصوصية تجربته، التي تنعكس إغواء وليس صداً عن استكشافها»، موضحاً «الحديث عن قطيعة تفرضها أعمال ذات لهجات يعتبرها البعض بأنها صعبة، أمر لم نلمسه أثناء المهرجان، الذي حظيت مختلف عروضه بمتابعة جماهيرية وفنية مميزة».

ورفض عبدالله أفكاراً تدعو إلى التوجه لعدم قبول أعمال ليست باللغة العربية الفصحى، من أجل القفز على تلك الحواجز الافتراضية، مضيفاً «حتى وإن كانت هناك صعوبة بدرجات ما في فهم بعض التراكيب، أو المفردات الخاصة بلهجة ما، وهـذا طبيعي، فإن الإلحاح على استيعاب أعمال من تلك اللهجات، هو السبيل الأمثل لتجاوز تلك الحواجز، دون أن يكون الحل هو تسليمها لمخاطر التقوقع محلياً وعـدم الانفتناح معها عربياً».

مخرج العرض المغربي «الهواوي قايد النسا»، المشارك ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان، مسعود بوحسين ، أكد أنه لا يتوقع وجود اي إشكالية لدى الفنانين أو الجمهور الحاضر من دول المغرب العربي تتعلق بالفهم الواعي للمسرحيات العربية المختلفة التي قُدمت خلال المهرجان، مشيراً إلى أن توالي المهرجانات والإلحاح على استيعاب الخصوصية، هو ما أسهم بشكل فعلي في تلاشي تلك الإشكالية.

مخرج العرض الليبي «خراريف» عبدالسيد آدم عبدالسيد، من جانبه أكد أنه لم يفترض على الإطلاق بأن خصوصية اللهجة الليبية يمكن أن تقف عائقاً أم تواصلها مع الجمهور العربي المتنوع، مضيفاً «الجدل

مازال قائماً ومحتدماً بين المسرح النخبوي ومسرح الجماهير العريضـة، و نحن نريد أن نفرز فرجـة لها علاقة بنا. ولكن المسرح أصبـح في غربة، يقدم معلباً على نسق تجارب غربية لا تلامسنا، حاولت أنا ومن سبقني لنقترب من المتلقي كي نقربـه بالتالي من المسرح، لذا هجـرت النصوص العالميـة، فكان التركيز على المحلية التي لا تعني أبداً انغلاقاً على المحيط العربي».

اللهجات الخليجية أيضاً في هذا السياق يمكن أن ينسحب عليها ما ينسحب على اللهجات المغاربية إذا سلمنا بصواب افتراضية صلابة حواجز اللهجات المتباينة، وهو ما ينفيه ايضاً مخرج المسرحية الكويتية «طقوس وحشية» علي الحسيني الذي استطاع أن يجر حضور عرضه الذي استضافه المركز الثقافي الملكي بعمّان أول من أمس، إلى فضاءات متباينة من التأويل، موضحاً «أبرز مثال على ذلك هو (طقوس وحشية) نفسه، فالمؤلف عراقي مقيم في المهجر، مثقل بواقع عبثي، ونحن أيضاً نشاركه ذلك، على اختلاف المكان، ما يعني أننا أمام حالات إنسانية على خشباتنا، وهنا من دون شك تتلاشى الكثير من التباينات، لصالح معايشة التجربة المسرحية، حتى لو كانت تلك التباينات متعلقة باللهجات».

في سياق آخر، حظي العرض الكويتي «طقوس وحشية» بإشادات نقدية تلت العرض الذي دار بالمجمل في إطار كابوس لامرأة تقوم بقتل زوجها وتقطيعه إرباً قبل أن تطاردها لعنات تلك الجريمة، في عمل برزت فيه قدرة المخرج على استثمار فضاءات المسرح، وتوظيف الإضاءة والمؤثرات بشكل احترافي تناغم مع أداء وحركات الممثلين على الخشبة الذين بدوا في حالة تواصل استثنائية مع الجمهور أمامها، ليخرج «طقوس وحشية» بمثابة أحد أهم عروض المهرجان الخليجية عموماً، والتي تخرج عن سياق المسابقة الرسمية خصوصاً.

«خراريف» الليبية التي افتتحت عروض أول من أمس، جاءت بمثابة عمل فني مترقب قادم من ليبيا الجديدة بعد ربيعها العربي، وهو ما انعكس ترقباً ليس فقط من جانب الجمهور، بل أيضاً من قبل أسرة العمل التي تقف أمام جمهور عربي متنوع، وهي قادرة لأول مرة حسب تعبير المخرج، لأن تقول على الخشبة كل شيء، من دون أن تحسب حساباً لرقيب سياسـي ينتظرها في بلدها.

تويتر