« يوميــات الثـــورة ».. شهادات من « التحرير »
اليوم، تصل الثورة المصرية إلى عامها الأول، بحصاد وفير من الأحداث والتغيرات، وأيضاً الكتب التي مازالت تتأمل مشاهد بدأت في 25 يناير ،2011 وتعود إلى سيرة الثورة العطرة في أيامها الأولى خصوصاً. ويعرض كتاب «يوميات الثورة المصرية» الصادر حديثاً لمجموعة من الباحثين والناشطين، ضمن سلسلة أوراق الجزيرة، يعرض شهادات مختلفة عن بشائر الثورة ومقدماتها، وكيفية انطلاقها، وايامها الـ18 المجيدة في ميدان التحرير، بأقلام أناس شاركوا في صناعة الحدث، وكانوا شهوداً عليه، إذ إن من بينهم، مثلاً، طبيبة اعتكفت في المستشفى الميداني بالتحرير، واستشهد أمامها كثيرون، وأيضاً أعضاء في ائتلافات الثورة، فصّلوا جميعا معايشتهم للأحداث في الكتاب.
يمثل الرجوع إلى إنجاز الثورة الأول تمسكاً بالأمل، وتذكيراً بقيمة حدث كبير، توحّدت خلاله القلوب على هدف واحد، وعلى الرغم من أن شهادات بعض المشاركين في «يوميات الثورة المصرية» ستبدو مكررة، إلا أنها تطرح انطباعات أصحابها الخاصة، ومشاعرهم الصادقة عن أيام الخلاص من القهر، فيما تحمل شهادات أخرى مشاهد جديدة تذكّر بدماء الشهداء، وأحلامهم قبل أن يودعوا الحياة في ميدان التحرير، لتبقى أهمية هكذا نوع من الكتب في توثيقها للأحداث، وكونها سجلاً للقطات، لم ترصدها عدسات المصورين، ولا البث المباشر للفضائيات.
تونس المُلهمة
مشاركون شارك في كتاب «يوميات الثورة المصرية.. يناير 2011» كل من ممدوح الشيخ، عمرو مجدي، محمد بدوي، عبدالرحمن عياش، نغم نبيل عمر، عمرو سلامة القزاز، وياسر علام. والكتاب من تحرير أحمد عبدالحميد حسين، ويقع في 160 صفحة، وصدر عن الدار العربية للعلوم ناشرون، ومركز الجزيرة للدراسات. |
في الفصل الأول من «يوميات الثورة المصرية» يحلّل الكاتب ممدوح الشيخ «التأثير التونسي في الثورة المصرية.. من سيدي بوزيد إلى التحرير»، ويقف عند المفارقة الغريبة التي شكلت حديثاً للناس في يناير الماضي، فبينما كان لدى كثيرين يقين بأن التغيير في المنطقة ستشرق شمسه من «المحروسة» مصر، ففيها جبهات معارضة، وحركات تنتقد وتصارع النظام منذ فترة، وكذلك الدكتور محمد البرادعي الذي وجد فيه البعض «مخلّصاً»، إذ بشعاع الأمل يضيء من تونس الخضراء.
فوجئ المصريون بأن «الأماني ممكنة» بعد هروب زين العابدين بن علي، كما أوضح الشيخ، مشيراً إلى أنه «بعد مرور يوم واحد على الإعلان عن رحيل الرئيس التونسي عن البلاد كانت صفحات الـ(فيس بوك) المصرية الساخرة على الحدث التونسي، ولم تخلُ من مدلول عميق، وغير قليل منها كان يعكس إحساساً بالمرارة من الوضع في مصر، فمثلاً من هذه التعليقات: (يعني إيه كوكاكولا زيرو: يعني البرادعي يطالب بالتغيير في مصر، والشعب يستجيب في تونس) و(الفرق بين الشعب المصري والتونسي الشعب التونسي تقول له ثور فيثور، والشعب المصري تقول له ثور يقول احلبوه)».
قبل 25 يناير بأيام انقسم الناس، وكذلك الكتّاب والمثقفون، تساءل الجميع: هل يمكن تكرار السيناريو في مصر؟، «النظام» بالطبع رأى نفسه محصناً، واستبعد تماما ثورة من قبل المصريين، فوزير الخارجية وقتها أحمد أبوالغيط مثلاً، قال عن إمكانية تكرار السيناريو التونسي في مصر «هذا كلام فارغ»، وإلى ذلك مال جزء من النخبة، فيما رأى كتاب أن المصريين قادرون على اقتلاع النظام، وبشروا بـ25 يناير بعد ثورة تونس مباشرة.
التأثير التونسي بدا واضحاً حينما حاول مواطن مصري إشعال النار في جسده أمام مجلس الشعب، مقلداً بذلك سيرة الشهيد التونسي محمد بوعزيزي، وبعدها، كما فصّل ممدوح الشيخ، أقدم شخصان مصريان على الانتحار «وبدلاً من البحث المضني عن مبررات لنفي إمكان تكرار الثورة التونسية أصبح الاحتجاج بالانتحار حرقاً منعطفاً في الخطاب السياسي، فشهد تصاعداً كبيراً في لهجة انتقاد النظام، وصولاً إلى المطالبة الساخرة بأن تخصص الحكومة أماكن لمن يريد الانتحار حرقاً».
وبينما كان الانقسام عنواناً لدى مفكرين ومثقفين، كان هناك في العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي يقين مختلف، تمتع بها نشطاء ومدونون ودعاة ديمقراطية، ممن دعوا إلى «الثورة ضد التعذيب والفقر والفساد والبطالة»، وحددوا ذلك اليوم بـ25 يناير، اليوم الذي تحتفل به الشرطة بعيدها، وبالفعل انطلقت الثورة في ذلك اليوم، وسقط أول ثلاثة شهداء في مدينة السويس، التي اطلق عليها «سيدي بوزيد المصرية»، لتمتد عدوى تونس إلى الكثير من تفاصيل الثورة المصرية، لاسيما شعارها العبقري «الشعب يريد»، وكذلك مطالبها المختلفة وأولها «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية»، كما أهدى الأحرار في تونس المهمومين بالتغيير في مصر العديد من النصائح عن كيفية مواجهة العنف الأمني، والمقاومة السلمية، وكذلك التعامل مع قنابل الغاز، وغيرها كثير، تم ذلك عبر العالم الافتراضي، وفي فضاء الإنترنت.
خالد سعيد
يصف الناشط والصحافي عمرو مجدي، عبر مشاركته في كتاب «يوميات الثورة المصرية»، يصف الشهيد خالد سعيد بأنه «الذي أشعل ثورة من قبره»، مفصلاً الدور المحوري لصفحة «كلنا خالد سعيد» في الثورة المصرية، إذ إنها تعد أولى الصفحات التي دعت إلى المظاهرات في 25 يناير. كيف نشأت الصفحة على الانترنت، واجتذبت آلاف الشباب الذين شاركوا من بعد في الثورة، يوثق مجدي ذلك، ويرى أن البداية كانت عندما دخل مخبران تابعان للأمن في الإسكندرية مقهى للإنترنت، وقاما بجر الشاب العشريني خالد سعيد، واعتديا عليه بشكل وحشي، حتى فارق الحياة، ودسا له بعد ذلك لفافة «بانجو» في فمه، ليقولا إنه لقي مصرعه نتيجة ابتلاعه تلك اللفافة.
أثارت صحف معارضة ومستقلة، مأساة الشاب السكندري، مطالبة بالتحقيق ومحاسبة الجناة، وفي المقابل دافعت الصحف الحكومية عن النظام والشرطة، لافتة إلى أن «القتيل كان هارباً من الخدمة العسكرية، واحكام أخرى، وكان يتعاطى مخدر البانجو»، وغيرها من التهم، وخرج تقرير الطب الشرعي مسانداً لآلة القمع قائلاً إن موت الشاب كان بسبب «اسفيكسيا الخنق» الناتجة بالطبع عن بلع «لفافة البانجو». انطلقت صفحة «كلنا خالد سعيد» في يونيو 2010 بعد الحادثة بثلاثة أيام، وحظيت الصفحة بإقبال كبير، وآثر مؤسساها أن يظلا بعيدين عن الأضواء، والاستهداف الأمني أيضاً، حتى كشف عنهما خلال أحداث الثورة، بعدما تم القبض على «أدمنها» الأول الشاب وائل غنيم الذي يعمل في شركة غوغل، والثاني الشاب عبدالرحمن منصور.
نظمت الصفحة وقفات احتجاجية، واجتذبت رواداً جدداً من الشباب، أبرزت انتهاكات جديدة للأمن المصري، وأطلقت دعوتها الأشهر قبل 25 يناير بأيام، واستجاب لها الكثيرون.
وفي مشاركته في «يوميات الثورة المصرية» يسلط الناشط محمد بدوي الضوء على مقدمات أخرى للثورة، ومنها حادث انفجار كنيسة القديسَين في الإسكندرية، الذي راح ضحيته أكثر من 20 قبطياً مصرياً، وحاولت الشرطة إلقاء التهمة على شاب سلفي قبضت عليه وظلت تعذبه حتى لحق بخالد سعيد، انطلقت مسيرة غضب منددة بموت بلال، والإخفاق في القبض على مفجر «القديسَين». ويفصل بدوي في شهادته تحديداً أحداث يومي 25 و،28 معتبراً أنهما اليومان الفارقان في مسيرة الثورة، ويرسم صورة دقيقة لتحركات النشطاء، ولحظات دخول ميدان التحرير في اليومين المفصليّين من تاريخ الثورة المصرية.
يضم الكتاب أيضاً مشاركة بعنوان «نحو عقد اجتماعي جديد.. مسارات التفاوض في مصر الثورة» للباحث السياسي عبدالرحمن عياش، ليبرز جانباً آخر من الجوانب، إذ تمسك الشباب بحلمهم كاملاً «لا تفاوض إلا بعد الرحيل»، بينما جلس غيرهم من «الحكماء» على موائد المفاوضات، ولتكون الكلمة العليا والأخيرة هي للمعتصمين في الميادين.
«المستشفى الميداني.. أطباء على خط النار» عنوان مشاركة الطبيبة والكاتبة نغم نييل عمر، التي تروي حكايات جديدة عن بطولات جديدة، سطّرها ذوو الجواكت البيضاء التي تلونت بدم الشهداء والمصابين. كما يضم الكتاب مشاركات أخرى عن دور شبكة «رصد» في نقل أحداث الثورة، وكذلك مشاركة عن الفن الذي انطلق من «ميدان التحرير» مساهماً في إبراز الحدث.