«سوناتا الربيع» تكاشف الوجع السوري.. و«العاشق» تمسرح الرواية

كل هذا الحب على الخشبة

صورة

الحب هو العنوان العام الأمثل الذي يمكن إطلاقه على عروض اليوم الثالث من أيام مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما. حب الوطن في العرض السوري «سوناتا الربيع»، والعشق بأصعب حالاته في العرض الليتواني «العاشق». هذا الحب يمكنه أن يكون نقطة لقاء بين العرضين لكن المسرح فرقهما. في «سوناتا الربيع» كنا أمام استرسال بصري وتضخيم للمقومات الفنية للعمل من ديكور وإضاءة وموسيقى بدت في أحيان كثيرة استجدائية.

بدأ العرض بمقدمة طويلة نسبياً من الإشارات والحكي قبل الدخول في صلب الموضوع وجوهره، لكن سرعان ما أخذتنا الحكاية وتفاصيلها الجميلة إلى الخشبة. في الوقت الذي تراجعت فيه هذه المؤثرات وتقشفت في «العاشق»، وظلت التوظيفات الفنية في حدها الأدنى لمصلحة ترك مساحة كبيرة ومكشوفة للممثل.

يستند عرض «سوناتا الربيع» وهو من تأليف جمال آدم، وإخراج ماهر الصليبي، وتمثيل مازن الناطور على الحميمية. راهن الوطن السوري المؤلم كان دافعاً ملموساً للاسترسال في التوصيف والحديث عن أسباب هذا الراهن، من خلال شخصية أستاذ جامعي لمادة التاريخ انعطفت حياته وتحطمت عندما قرر ألا يبيع ضميره، ونراه يعمل حالياً في ورشة لدهن المنازل.

فريقا العملين

«العاشق»، من تأليف: مارغريت دوراس، تمثيل: بيروتي مار، إخراج: أندريوس جاكوشيونيس، مصمم مسرح: أرتوراس سيمونيز، ملابس: جولاتنا ريمكوت، وموسيقى: أنتاناس جاسنينكا.

أما فريق «سوناتا الربيع» فمن تأليف: جمال آدم، إخراج: ماهر صليبي، تمثيل: مازن الناطور، مخرج مساعد: عدنان سلوم، الديكور: عبدالكريم عوض، الموسيقى: خليل الغادري، والإضاءة: ماهر هربش.

مواجع سورية

في «سوناتا الربيع»، تبدو الغصة كبيرة ويصعب ابتلاعها. يمضي بنا المؤلف آدم في رحلة من المواجع التي يمكن اعتبارها جردة حساب، ومكاشفة تتعقب هموم شخصية يمكن تعميم وجعها على آلاف السوريين وتتحدث بلسانهم. شخصيته العمل دفعت ثمن كرامتها طرداً واعتقالاً ومهانة. هي اختصار لما نمر به الآن. تأخذنا هذه في رحلة بين الماضي والحاضر، الخاص والعام، وتضعنا على حواف انهيارات تتجاوز الشخص لتكون نموذجاً عن جملة من الانهيارات التي كبرت وتضخمت وطالت كل شيء.

يبرر النص في ديباجة البداية ما يدفع الآخرين إلى استهداف الوطن السوري، إلا أنه يحيلنا في الوقت ذاته إلى ذلك الشرخ الذي لايمكن إصلاحه أو ترقيعه بوعود وآمال كاذبة، ويضعنا أيضاً أمام السياق الزمني الذي تضاعفت فيه الأزمة، وتفاقمت إلى أن صار الإصلاح ضرباً من الخيال. تقول الشخصية التي صارت تعمل في ورشة للدهان: «لابد من هدم هذا البيت وإعادة بنائه من جديد». البيت المكشوف الذي لا سقف له، البيت الهش الذي لايحمي، البيت الذي يمثل نموذجاً مصغراً لوطن قابل للانهيار في أي لحظة.

نص آدم يحمل في طياته مجموعة من الرموز التي كان يمكن الاكتفاء بها من دون الدخل في تفسيرات متلاحقة نقلت العرض من سحرية مضمرة، إلى شكل مكشوف من الفرجة التي تعيق التأويل، ولا تترك مساحة جدلية في عقل المتلقي. هل المباشرة هنا ضرورة؟ ربما، لكنها لم تقدم الكثير للعمل. وهل الرمز يكفي أمام كل هذا البشاعة التي يقدمها لنا الواقع؟ مابدا واضحاً هو حاجة العمل أن يحدد هويته وخياراته الفنية بين الرمز أو المباشرة، ففي لحظات تبدو الحالة المسرحية متقدة ولماحة ومشاكسة، ثم سرعان ما تذهب نحو الشرح، أو على الأقل الوصول إلى صياغة ما تؤاخي بين المباشرة والرمز بحيث لا يتعدى أحدهما على الآخر، ويشوش على ضرورته الفنية.

المخرج ماهر صليبي بذل جهداً ملموساً في خلق أرضية بصرية تتشابك مع العرض، وتتحول إلى فضاء مواز لمضمون للعمل من دون الدخول في تفسيرات له. أنجز صليبي شكلاً ذكياً، ولغة بصرية ذكية، الشاشة الذاكرة، الآنا، الآخر، لكن هذه الشاشة النافذة، التي منحت العمل بعداً بصرياً شيقاً، تجاوزت دورها من عنصر مكمل إلى أداة تفسيرية، خصوصاً مع مشهد الاعتقال والضرب الذي لم يضف إلى العمل، خصوصاً أن آلية الاعتقال والتعامل مع السجناء في سورية باتت أمراً معروفاً، ونشاهده يومياً على شاشات التلفزة.

مازن الناطور اشتغل جاهداً على تقديم فرجة ممتعة، لكن ضخامة شكل الديكور بدت بمثابة الثقل على كاهل الناطور الذي بدا متردداً ومقتصداً في أحيان كثيرة. ينطلق بنا بعيداً في حضوره كممثل، ثم ينكمش. بدا كأنه لم يكن مستعداً للمغامرة خارج الخطة المرسومة، وحافظ على وجوده داخل بنية الشخصية، من دون استرسالات تذكر، كنا نتمناه مثلاً أن يواصل الرقص حد الإنهاك، لكنه تمكن في مواقع كثيرة من خلق علاقة ملموسة مع الجمهور الذي تفاعل مع العرض بشكل واضح، وهي قيمة تتجاوز الملاحظات التي يمكن الإشارة إليها.

«سوناتا الربيع» عمل مسرحي رشيق، لم يُطل وحافظ على إيقاع جيد وصولاً إلى ذروته التي قررت فيها الناطور هدم المعبد فوق رؤوس الجميع.

حضور ليتواني

لا تحتاج الممثلة الليتوانية بيروتي مار، إلى من يصفها بالممثلة الكبيرة، هي كذلك وبامتياز. في عرضها «العاشق» الذي قدمته، أول من أمس، ضمن فعاليات مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، وضعتنا بيروتي أمام حضور مضيء. تجوّلت بنا في طيات وتجارب وهموم شخصية مركبة عرفها العالم، من خلال رواية تحمل الاسم نفسه للكاتبة الفرنسية الشهيرة مارغريت دوراس.

لا تكمن صعوبة هذا العرض في أنه يروي حكاية شعرية وأدبية بامتياز، بل أيضاً في قرار التصدي لها ومسرحتها بعد تخليصها من ثقلها الأدبي، بدا تطويع العمل كمن يضع حداً بين الأدب والمسرح، والحفاظ على حكاية يمكن تطويعها وإنجازها على الخشبة.

في رواية «العاشق» نعيش قصة مركبة تقوم على مئات التفاصيل الدقيقة المرتبطة بذاكرة دوراس الفوتوغرافية، حكايا عن الفقر الذي عاشته مع أسرتها وأخوتها الكثر الذين كانوا ينامون في سرير واحد، إلى أن تلتقي على إحدى العبارات بذلك الشاب الصيني الثري ويعرض عليها أن ترافقه في سيارته «الليموزين»، لتبدأ من هذه اللحظة قصة عاطفية مأساوية تتشابك، وصولاً إلى جملتها الشهيرة في نهاية الرواية «رغم كل ذلك الحب لم أعد أتذكر ملامحك».

بدت بيروتي حذرة في عملية إعدادها للنص الأصلي، حافظت على الخط الأصلي أو ما يمكن اعتباره روحية الحكاية، مكتفية بالخط الدرامي الذي تنقلت بين تفرعاته بمهارة وقدرة مميزة على المزج بين ذلك الطابع الحكائي، وتقمصها للحالات المتلاحقة والمرتبط في بنية وعقلية الشخصية والنمط، الذي كانت تفكر وتعمل من خلاله. تجاهلت بيروتي مسألة الطبقية في النص الأصلي وركزت تماماً على خصوصية العلاقة بين رجل وإمرأة في ظل ظروف إجتماعية قاسية.

تقشف بيروتي في عملية الاقتباس قابلها أيضاً رؤية إخراجية رمزية للمخرج أندريوس جاكوشيونيس. ليس هناك في عمق الخشبة إلا تلك القماشة التي حملت خيط سجائر الشخصية التي كانت معادلاً بصرياً ارتكازياً. على الأرض كانت بعض الأدوات داخل ذلك الإطار المربع، وفي نهاية المطاف لم نكن أمام إلا ممثلة قادرة على حمل عرض من دون مساعدة تذكر.

بدت الأزمنة في العرض متداخلة بشفافية محيرة، التحولات التي كانت تقوم بها بيرتي بين شخصيات العمل بدت هشة وبسيطة بطريقة محيرة. لايبدو أن الممثلة كانت عابئة في إظهار انفعلاتها الخارجية بقدر مابدا جهدها واضحاً على سحب الجمهور إلى سلسلة من التحولات الداخلية في عقل ونفسية العاشقة التي تورطت في علاقة عاطفية عبثية ومدمرة.

لاتخاف بيروتي من جسدها، توظفه بكامل طاقته وإمكاناته وممكناته في خدمة العمل. وهي ميزة بدت واضحة في جميع تجاربها، أو على الأقل في العروض التي قدمتها خلال هذا المهرجان. الحزن لا تقدمه بيروتي بشكله التقليدي، ولا الفرح نراه كما نعرفه، ثمة إضافات واقتراحات دائمة تقدمها هذه الممثلة للظرفين النفسي والعاطفي.

في هذا العرض أيضاً، كما هي الحال في العرض الأذربيجاني، كانت الخشبة طيعة تماماً، وكان نضج الأداء والتمثيل ميزة استثنائية، وتأكيد جوهر فن المونودراما القائم بشكل أساسي وجوهري على أكتاف الممثل الذي يمكن أن تشكل التوظيفات الإخراجية المبالغ فيها عائقاً وسبباً في تشتيت العمل والتشويش على مهارة الممثل وقدراته، في فن يحتفي به وحده فقط.


المهرجان يحتفي بعمرو سعد

احتفى مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، مساء أول من أمس، بالفنان المصري عمرو سعد، إذ نظمت ندوة للحديث حول تجربة سعد في مجلس مسرح دبا بالفجيرة، وأدار الحوار وقدم الفنان فيها الإعلامي حسام عبدالهادي بحضور كبير من الجمهور، ونخبة من الفنانين العرب والأجانب ضيوف المهرجان.

واستعرض سعد بداياته الفنية التي جاءت بالمصادفة، بعد أن كان مخططاً لنفسه أن يتجه إلى عالم الصحافة، وبنى لنفسه الأحلام في هذا الاتجاه، الا أن رغبة والده في أن يلتحق بكلية تضمن له لقمة العيش، كما قال، جعلته يتجه إلى عالم الديكور، إذ التحق بكلية الفنون التطبيقية بالقاهرة، ليصبح مهندس ديكور في ما بعد، وليعمل في هذا الحقل خمس سنوات، إذ اتته بعدها الفرصة للدخول إلى عالم السينما، بعد أن رشحه يوسف شاهين وخالد يوسف للقيام ببطولة فيلم «حين ميسرة» ،2009 والذي قاده إلى النجومية، ومهّد له العمل في فيلمه الثاني «دكان شحاته» الذي ضمن له الجماهيرية. وأضاف سعد في معرض حديثه عن تجربته، أنه «كان مرشحاً في بداياته لبطولة فيلم (خيانة مشروعة) بدلاً من هاني سلامة، إلا أنه رفض الفيلم، لأنه لم يجد نفسه في الدور، بل وجد ضالته في فيلم (حين ميسرة) الذي اشتغل على تحضيره خمس سنوات». وذكر الفنان للجمهور الحاضر أنه ليس خريجاً في مدرسة يوسف شاهين، بل من مدرسة عمالقة التمثيل في مصـر مثل: محمـود المليجي وأحمـد زكي ونور الشـريف وسعاد حسني، فهم من تعلم منهم وشاهدهم باستمرار، مشيراً إلى أنه بصدد البدء بتصوير فيلم جديد بعنوان «أسوار القمر» الأسبوع المقبل.

وبعد الجلسة دار نقاش ثري بين الحضور والفنان، فيما اقترح الفنان الكبير نور الشريف على سعد أن يحرص على خوض تجربة التمثيل المسرحية مرة كل أربع سنوات، لأنها تجربة ضرورية لكل ممثل لشحن قدراته. وانتهى اللقاء بقيام رئيس المهرجان محمد سعيد الضنحاني بتكريم الفنان وتقديم درع المهرجان له.

تويتر