«القيم الإنسانية في مسرح الرحباني» باتحاد الكُتّاب
احتفاء جمالي بالحياة
يحتل مسرح الأخوين عاصي ومنصور الرحباني، مكانة متميزة في تاريخ الفن اللبناني والعربي، فهو لم يقتصر على كونه مسرحاً يقدم أعمالاً فنية وحسب، بل أصبح كنزاً من كنوز لبنان، ووساماً على صدر الوطن، وجزءاً مهماً من هويته، بفضل ما تميز به المسرح الرحباني من الإنسانية والشمولية في الرسالة الفنية الفكرية الأدبية. بحسب ما ذكر الكاتب السوري دكتور مفيد مسوح، الذي أشار إلى المكانة الكبيرة لدور الفن، لدى الأخوين رحباني، في البناء والتطوير وفي توعية الناس وتوجيه طاقاتهم لخدمة الوطن وحمايته، وفي تجميل حياة الناس وملء أوقات راحتهم بالفرح والسعادة، ما يشيع روح المحبة والسلام.
وأوضح دكتور مسوح أن «هذه المكانة الفريدة التي بلغها المسرح الرحباني استندت إلى كثير من القيم الإنسانية، التي صبغت تراث الأخوين رحباني من خلال مسرحهما الممتد بين عامي 1960 ـ 1977». مستعرضاً، خلال المحاضرة التي أقيمت أول من أمس، في افتتاح أنشطة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في أبوظبي لعام ،2012 ونظمها اتحاد الكتاب بالتعاون مع مجلس العمل اللبناني، أبرز القيم الإنسانية في مسرح الأخوين رحباني، ومن بينها الإنسانية صفة طبيعية لدى البشر، ففي مسرحهما أضاء الأخوان رحباني على النقاء في خصائص الطبيعة وفي علاقة الناس بها، مشيراً إلى أن عرض طبيعية الصفة الإنسانية لدى الأخوين رحباني لا يقتصر على موقف الإنسان من الإنسان أو المجتمع، بل يتعداه إلى علاقته بمكونات الطبيعة الأخرى، كالأشجار والزهور والقصب والكرم، فيبرز في الأعمال التأرجح بين حب الناس الطيور من ناحية، وحبّهم الصيد رياضة وتسلية من ناحية أخرى. الصياد في الحكاية الرحبانية رياضي يعشق الطبيعة وعصافير يتبادل معها الكر والفر والملاحقة والمناورة، وفي نهاية المطاف يُطمئِن الصياد العصفورة التي جرّحه الشوك وهو يركض خلفها من وادٍ إلى واد بأنه لن يؤذيها، لأن الإنسان الرحباني صديق الطبيعة ومكوناتها الجميلة.
ومن السمات المهمة التي توقف أمامها دكتور مسوح في المسرح الرحباني، احتفائه بالإنسان والأرض والوطن باعتبارها مفردات تشكل وحدة البيئة الفكرية الرحبانية. «الوطن بمفهومه الرحباني ليس أرضاً تحددها خطوط وفوقها سماء وعلى سطحها مياه، بل أرض يسكنها الإنسان ويعيش عليها سعيداً مطمئناً منتجاً مبدعاً مسهماً في تطوير حياته وحياة الآخرين، مبادلاً إياهم السلم والمحبة والعطاء، ومشاركاً في المسؤولية عن تنقيتها من الشوائب وحمايتها وتجميلها وتلميع صورها، وهو أرض حرّة لا يحتلها غرباء، يعيش عليها أبناؤها سعداء فاعلين متحابين متفاهمين. والأرض ليست تراباً وصخوراً وماءً يروي الزرع، بل كل هذا في علاقته بحياتنا فوقها عملاً وأملاً وتجميلاً واحتفالاً وفي حريتها وحريتنا»، موضحاً أن «الوطن المنكوب في المفهوم الرحباني ليس حالة يأس وقنوط، بل وضع مؤقت له متطلباته، من أجله يسعى الوطنيون المخلصون إلى تأمين ما يمنحهم القوة لاستعادة أرضهم المحتلّة وحرية شعبها المسلوبة مهما غلا الثمن».
وأضاف دكتور مسوح أن «للمرأة في مسرح الأخوين رحباني مكانة الصدارة في المجتمع، فالمرأة هي (البطل) في جميع المسرحيات عدا مسرحية (أيام فخر الدين)، حيث وضع النص الرحباني المرأة في قمة العمل الدرامي محملاً إياها دور الريادة في إدارة العمل، أو توجيه الأحداث إلى قيادة الصراع»، نافياً أن تكون فيروز هي السبب وراء هذه الظاهرة، فقد قامت الفنانة صباح ببطولة عملين هما «موسم العز»، و«دواليب الهوى». مشيراً إلى اهتمام الأخوين رحباني بالأسرة منذ انطلاقتهما في الخمسينات، معتبرين أن الأسرة خلية جسد الوطن الرئيسة وعماده، فصورا البيئة الأسروية عبر علاقات الأبناء بالبنين والأسر ببعضها بعضا ومجتمعات الضيع المتجاورة، وما يملأ حياة الناس خلال عملهم أو بعده، في الأيام العادية أو في الأعراس والأعياد وطقوسها الاحتفالية ووسائل الناس التعبيرية في أيام الفرح كما في أيام الشدائد.
وأشار الكاتب صاحب «جماليات الإبداع الرحباني» إلى أن مدى جدية تعامل الأخوين رحباني في تعاملهما مع الوقت، حيث حرصا على وقتهما وعمرهما كي يتمكنا أن ينجزا ما أرادا إنجازه.
أما الحب، في المسرح الرحباني، بحسب ما أوضح المحاضر، فهو يعكس ثقافة الحياة والتفاعل معها، ويرافق الناس في أوقاتهم المختلفة عبر المكان والزمان والطقوس والفنون، وبصفتيه: الشمولية والمحدودية، في «حالة» الرجل والمرأة من دون سلخها عن المجتمع والبيئة والوطن.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news