«دبي للشعر الشعبي».. القصيدة تذيب الحواجز
جاءت الأمسية الثانية لملتقى دبي للشعر الشعبي التي أقيمت مساء أول من أمس، في مركز دبي التجاري العالمي، بحضور سمو الشيخ ماجد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس هيئة دبي للثقافة، جماهيرية بامتياز، ونجح شعراء الأمسية الثلاثة : الإماراتي محمد المر بالعبد، والسعودي فلاح القرقاح، والكويتي عبدالله علوش، في إذابة الحواجز، وتقليص المسافات التي تبعد ما بين منصة الشعر وجمهوره، في أمسية سادها أجواء القصيدة النبطية لجمهور غفير أمضى سهرة نهاية الأسبوع في حضرة القصيدة النبطية.
وشهدت الأمسية تنويعات رائعة للشعراء الذين تنقلوا بسلاسة عبر حقول الشعر وأغراضه، لتضم الأمسية إلى جانب قصائد صبت بشكل رئيس في إطار الشعر الوطني، أخرى تطرقت بصيغتي الوصف والفخر لبعض مآثر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وسمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، راعي الملتقى، فيما استفاد الشعراء من مخيلاتهم الخصبة في إيجاد صور شعرية مبتكرة، خصوصاً في وصف إمارة دبي التي أقروا لها بأنها نموذج فريد في الجمع بين المتقابلات أو المتضادات الإيجابية.
غزل
ملح الأمسيات، أو الشعر الغزلي وإن غاب إلى حد ما في مستهل الأمسية، إلا أنه لم يلبث أن فرض نفسه بشكل واضح على قصائد الشعراء، وبدا التنافس جلياً بينهم في هذا المجال على مدى قدرة كل منهم على تقديم تراكيب وصور شعرية قادرة على انتزاع إعجاب الجمهور، الذي يعلن فوراً نتيجة هذا التنافس من خلال تصفيقات جاءت بمثابة صكوك إجادة، لكن اللافت أن الشعراء الثلاثة تماهوا مع أجواء نفسية دفعت باتجاه إلقاء نموذجي للأشعار، مع اختلاف الأجواء النفسية للقصائد.
وللمرة الثانية على التوالي لم تمر الأمسية، دونما ذكر للغائب الحاضر عن أجواء تلك الدورة الناضجة لملتقى دبي للشعر الشعبي، الشاعر محمد بن الذيب، من قبل منصة الشعراء، قبل أن يستهل الشاعر فلاح القرقاح بأبيات عبر فيها عن فخر الشعراء بتشريف سمو الشيخ ماجد بن محمد، لهذه الأمسية، جامعاً في صيغة شعرية أسماء شعراء الملتقى في أمسياته الثلاث.
القرقاح الذي حافظ على خفة ظل ملحوظة، سواء في تعليقاته، أو في قصائده، استهل ببداية، منطقية، تحدث فيها عن علاقة الشعر بالمعاني الخليجية، ليتخذ ذلك مسوغاً للوصول إلى غرضه الشعري، في المديح والفخر:
القصيد يسطر امجاد ويخلد سير
ويكتب الاحساس في حزن ولا في فرح
اشهد ان هذي رسومه وهذا مدهله
الطموح اللي لغيره لاتاق ولا طمح
حظه الطيب مخليه لمحمد اخوي
ومن يخاويه احلقوا دقني كانه قمح
ما نمى واينع وحاله ثمار الا هنا
في فياض كل ما مرها البلبل صدح
غزليات جديدة
إلقاء الشاعر الكويتي عبدالله علوش، تميز بكثير من الثقة، والتجاوب مع الجمهور، الذي طالبه بإلقاء قصيدة «على متن السحاب» الغزلية، لكنه لم يستجب لهذا الطلب، وأصر على أن يفاجئ الجمهور بغزليات جديدة، من دون أن ينسى أن يتساءل عقب إلقائها ما إذا كان بالفعل محقاً في الانحياز لجديد إبداعه، وهو تساؤل قوبل برد إيجابي من الجمهور الذي طالبه بالمزيد. مفاجأة عبدالله علوش الحقيقية كانت في قصيدة خلطت ما بين الغرضين الاجتماعي والسياسي، وادخرها لختام الأمسية متعرضاً فيها بلغة عذبة فصيحة هذه المرة وليست شعبية، للمرارات التي عاناها الشعب الليبي الشقيق على مدار عقود بسبب القمع والبطش السياسي، معتبراً ذلك مقدمات طبيعية لما آل إليه هذا الشخص الذي ظلت الإحالة إليه طوال القصيدة بضمير الغائب، صاباً عليه صفات الديكتاتورية والصلف والغرور والظلم، قبل أن يصرح في بيتها الأخير بأنه يقصد الرئيس الليبي السابق معمر القذافي. حضور الشاعر أبوالطيب المتنبي تكرر للمرة الثانية، خلال أمسيتي الملتقى، لكن هذه المرة عبر عبدالله بن علوش الذي كشف ضمن إصراره على مفاجأة جمهوره بجديده، عن قصيدة قام بإهدائها إلى راعي الأمسية، سمو الشيخ حمدان بن محمد:
هاج الخليج لشعر ياسبّاحه
واعتلى صفق أمواجه المجتاحه
للمدح متنبي يا سيف الدوله
يوم الغزل بلابله صداحه
والشعر لو حاكم لقى فرسانه
وخيولهم في خدمته جمّاحه
هذي سنوات الادب والقمة
مِشّي دموعك يا عيون الساحه
الله يبيض وجه شيخ الفزعه
فزاع شيخٍ يرتهي مدّاحه
والناس من بيّح بهمه ريّح
حمدان همه كل طيب وباحه
فسحة إبداع
الوصول إلى قصائد من إبداع الشاعر الإماراتي محمد المر بالعبد، كان يعني في الأمسية دائماً فسحة مع أشعار تنحاز دائماً إلى المفردات التي توائم يتم النسج بينها لصياغة معاني قادرة على ملامسة وجدان المتلقي، من خلال قدرة استثنائية للشاعر على التنقل بين الأفكار المختلفة، من دون أن يتسبب ذلك في فجوة بين منصة إلقاء الشعر والجمهور، وهو ما يعني أننا بصدد تجارب شعرية صادقة، فضل بالمر أن يبدأها بقصيدة «على نهج زايد» التي مطلعها :
على نهج( زايد) نهجــنـا و الدروب حياد
نعـــزّ الكرام و كلمــة الحق نرفدها
وهـــذا ثــرانا للمكارم .. سـهاد
مهــاد سما باسم دولة زايد الخير وحّــدها
سـقى الله ثـرى زايـد من الطيبـات أرفاد
مثل ما سقى داره و مكّـن عمايدهــا
و مكّـن ( خليفـة ) لي عليـه الثنــا ينقاد
زعيم البـلاد وظـل هلهـا وقـايـدها
خليفـة ابــن زايـد لــذي بالمـــواقف زاد
عيـونه قـبل يمنـاه للـدار يفــردهــا
ويمنــاه بوخالـد .. محمــد .. دوا الاكباد
ذا ماخَلَـت كبـــد المعــادين يكمـدها
واذا هو تعــزوى باســم أخـوه، اعتزت لبلاد
على ما يبـا صقـر المحافل وسيدها
يـــبانـا ذخر وسـناد .. يـينـا ذخر وســـناد
حقوق الوطن بأرواحنـا له نسددها
استثمر بالمر ثراءه وقدرته على صهر الألفاظ في بوتقة البوح الشعري من خلال قصيدة «بني ياس» التي استعرض فيها أسماء الكثير من القبائل الإماراتية، دون أن يقع في فخاخ التكلف، وهي واحدة من القصائد التي شهدت تفاعلاً ملحوظاً مع الجمهور، الذي احتاج إلى الاستغراق في الصمت من أجل الانصات لغزليات بالمر الذي أجاد بشكل لافت في إلقاء قصائده، على نحو تآزر مع طاقات رفيقيه في الأمسية، في إحداث حالة استثنائية من الانسجام بين منصة الملتقى النبطية وجمهوره.