«الشارقة للبحث النقدي» تستعرض تجــــــارب وخبرات في التشكيل العربي
المفاهيمية.. حفـــــــــل تــأبين للفـن التقليدي
«المفاهيمية في التشكيل العربي» هو عنوان الدورة الرابعة لجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي، والتي تنظمها إدارة الفنون التابعة لدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، إذ انطلقت جلسات الندوة المصاحبة للجائزة أمس، بعرض البحوث الفائزة وتجارب خبرات الفنانين الذين أسهموا في المفاهيمية في التشكيل العربي، وبدت الآراء التي تناولت المفاهيمية العربية كأنها «حفل تأبين للفن التقليدي».
وتناول البحث الفائز بالجائزة الأولى للجائزة تحت عنوان «المفهومية في الفن التشكيلي العربي - تجارب ورؤى»، للباحث المغربي إبراهيم الحجري، مدخلاً نظرياً في المفاهيمية وأدوات اشتغال الفن التشكيلي المفهومي، وعرض تجارب ورؤى متنوعة أسهمت في تطور الفن المفاهيمي في الدولة والوطن العربي.
وقال الحجري، إن «انتقال الفن المفهومي للمنطقة العربية كان أسرع من انتقال المدراس الأقدم، إذ استغرق 20 عاماً فقط، وظهر المفهوم في المنطقة في نهاية الثمانينات أو بداية التسعينات من القرن الماضي، من خلال فنانين تلقوا دراساتهم الأكاديمية في الخارج وتأثروا بهذا الاتجاه الجديد، ما أدى إلى إسهامهم في الترويج لثقافة الفن المفهومي في المنطقة، خصوصاً في وجود بينالي الشارقة وتوافر الإمكانات الفنية والمادية التشجيعية». ولفت إلى أن «التحول على مستوى التجارب الفنية يخضع إلى عوامل منها ما هو ذاتي يخص الفنان نفسه ومنها الموضوعي الذي يمتد ليشمل المكونات السياسية والسوسيوثقافية والاقتصادية التي يقترحها المحيط الذي ينتمي إليه الفنان».
الفن فكرة
حسن شريف.. التعددية في الفن
قال الفنان الدكتور عبدالكريم السيد في الجلسة الأولى لجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي «المفاهيمية في التشكيل العربي» إن «الفنان يخلق حالة بصرية لتصبح بدورها موضوع مادة لاستجابة المشاهد أو رد فعله، والفنان حسن شريف هو مثال على هذا، إذ يأخذه عمله، ولا يدري متى يتوقف، وقد يستغرق العمل ساعات أو شهوراً، والفكرة موجوده في الذاكرة، والذاكرة التي يحوي صندوقها مخزوناً وافراً من الأشياء والذكريات ويخرج بعضها متفرقاً أحياناً، وتخرج أخرى دفعة واحدة، ويأتي الناتج معكوساً بشكل اندماجي مع العمل الفني الذي يؤديه الشريف». ولفت عبدالكريم إلى أن «الشريف أحياناً يضع الحبال على الأرض بشكل عشوائي أو يضعها في كيس، والمهم أنه قدم هذا العمل الفني انعكاساً لمنظر مر عليه ربما حين كان طفلاً يسير حافي القدمين على شاطئ البحر يضرب كل طوبة أو علبه قديمة، ثم يمر على صانعي السفن وصانعي الحبال، ورغم تطور المدينة والتقدم الحضاري ألغى الإنسان إلا أن الشريف يعيد الانسان بأعماله إلى الصور التي عاشها، ويكرر: هذا ما صنعته يداي». |
تابع أن «الفن المفهومي قام على مجرد الفكرة، ونهض على معنى يراود مخيلة الفنان مستفيداً من الطلقات العلمية والإمكانات التي تتيحها الثورة التكنولوجية الحديثة إلى استحضار مسألة «براغماتية الفن»، وهو حالة من الصراع الداخلي وحالة من الوعي الفكري لتدارك الأحداث وتحقيق الاستقرار الذهني، إذ إن الفن المفهومي في التشكيل اتجاه يمثل حق عودة كاسحة للاستعاضة عن اللوحة المسطحة بكل ما هو متاح ومتوافر في الواقع من وسائط التصوير التقليدي».
وأوضح الحجري في بحثه أن « الفن التصوري المفهومي ينهض على أساس إعطاء أهمية كبرى للفكرة أو المعني، وتهميش الأسلوب والشكل الجماليين وإزاحة هلامية دور الفنان الماهر أو الظاهرة، إضافة إلى إشراك المتلقي في بناء المعنى وتأسيس النموذج الفني والانفتاح على المحيط المجتمعي والواقع السوسيوثقافي للمجتمع الذي يحيط بالفنان».
وأكد الحجري أن «معطيات ومقومات الفن المفهومي قلبت ترسانة المفاهيم النقدية الفنية ودعت بشكل جاد إلى التفكير في مظاهر نقدية جديدة وإرساء أدبيات جمالية مغايرة ليس احتفالاً بالتجربة، إنما تماشياً مع مقتضيات عالم شديد التطور لا يهدأ على حاله، لاسيما في اعتماد النظام على خامات ووسائل جديدة في الفن التشكيلي وتشغيل خامات بديلة عن الصباغة والحبر والألوان العاكسة والطين والحصى والتشييد في الفراغ والتجميع عبر المواد الجاهزة والأشياء الحقيقية بأسلوب ثلاثي الأبعاد».
وحول مظاهر المفهومية في الفن التشكيلي العربي، قال الحجري إن «الفن التشكيلي العربي تأثر بمفاهيم الحركات الجديدة بما فيها المفهومية، جزئياً أو كلياً، سواء عبر اطلاع ومواكبة بعض الفنانين العرب لما يستجد في الساحة العالمية من خلال المشاركة في المعارض العالمية الدولية والاحتكاك بالتجارب الأخرى، والسعي إلى توظيف هذه الثقافة البصرية المستعارة تقنياً وأسلوبياً في تطوير الأداء وفتح آفاق الاشتغال على مدى واسع».
مخاوف وآمال
استعرض البحث الفائز بالمركز الثاني للجائزة للباحث محمد الزبيري، مخاوف وآمال المفاهيمية في التشكيل العربي، من خلال رصد مدى تفاعل الفنان العربي (مفاهيمياً) مع الحراك والغليان الشعبي الذي تشهده بعض الميادين العربية والذي شكل في الحقيقة فرصة لهذا الفنان العربي كي يختبر فاعلية أدواته وصدقية منهجه المفاهيمي، الذي بات البعض يعول عليه كثيراً.
ويطرح البحث قراءة أولية لخطوط الفن المفاهيمي في البلاد العربية وإطلالة موازية على اشراقات الفنان العربي وصولاته وجولاته في الميدان المفاهيمي، إضافة إلى التطرق لبعض النماذج في الوطن العربي في أهم بؤر تجاربهم، ووقفات عند أهم محطات رموز النهج المفاهيمي.
وقال الزبيري إن «السؤال الجوهري للفن المفاهيمي والتمحور حول كيفية اكتساب الفن لمدلوله، دون جواب حتى الآن، رغم تراكم التجارب ومرور الأحقاب، الذي بدأ من عمل (حجرة المعلومات) و(كراسي وثلاثة كراسي) إلى اليوم، ولم تكن محاولات المفاهيميين الاجابة عن سؤالهم الأزلي سوى حفل تأبين للفن الجاد على مشارف قبر اللوحة».
ولفت إلى أن «الفنان العربي تحمل اليوم على عاتقه أمانة ثقيلة، إذ عليه ألا يبقى حبيس تلك الأنماط التقليدية والأنساق المتقادمة لحالة الفن، بل يتحمل مسؤولية دفع عجلة فنوننا إلى الأمام واللحاق بقطار الفن ما بعد الحداثي، خصوصاً أن المفاهيمية في مقدمة تلك التيارات التي باتت تكتسح الملتقيات الفنية العالمية وتلقى ترحيباً لافتاً على الصعيد العالمي».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news