مؤلفات وأزمات
«العين تسمع والأذن ترى».. عقبات بالجملة
عام 1972 والرئيس المصري السابق محمد أنور السادات يحاول اجتثاث بقايا سلفه جمال عبدالناصر، كان ممن تعرضوا للمضايقة الدكتور ثروت عكاشة، الذي روى جانباً من تلك المضايقات في مذكراته، ومنها أن موسوعته «العين تسمع.. الأذن ترى» كان قد صدر منها جزآن في مصر عن طريق دار المعارف المصرية، وبأمر من السلطات لم يستطع عكاشة طباعة جزأين جديدين، وحينما حاول نشرهما في بيروت لم يتمكن أيضاً، نتيجة لضغوط من السلطات المصرية.
يفصل ذلك الراحل عكاشة، قائلاً «كما تفعل الطيور المهاجرة في مواسم الجفاف أخذت جزأين آخرين من الموسوعة كانا قد أعدا للطبع وقصدت بيروت. وقبل أن يغشانا المساء كان في زيارتي بالفندق الدكتور عبدالوهاب الكيالي مدير المؤسسة العربية للدراسات والنشر. أتى يعرض علي أن تقوم مؤسسته بنشر بقية أجزاء الموسوعة كلها، فلم تمض ساعة واحدة حتى كان العقد ممهورا بتوقيعنا». إلا أن النشر لم يتم، فلقد هدد الكيالي من أن يتراجع عن تنفيذ العقد، وإلا تعرض لمصادرة مطبوعاته في مصر.
لم يستسلم ثروت عكاشة لذلك، وأرسل خطابا إلى رئاسة الجمهورية، يستفسر عن أسباب منع النشر والمضايقات التي يتعرض لها، وجاءه الرد بأن طباعة مؤلفاته خارج مصر «عمل تجاري»، ولا شأن للسلطات بها، تألم عكاشة من وصف مشروعه الثقافي والعلمي بأنه «عمل تجاري»، وأعطى نسخة من رسالة ورد رئاسة الجمهورية إلى عبدالوهاب الكيالي لكي يتمكن من نشر الموسوعة دونما خوف.
عقبات «العين تسمع» لم تنته عند ذلك، فالجزء الخامس الخاص بالتصوير الإسلامي منع من دخول مصر، وصدر قرار من الأزهر الشريف بحظر تداوله في مصر، لاشتماله على رسوم مسيئة، وتصاوير تشير إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم. حاول ثروت عكاشة الدفاع عن «الصور الرامزة»، والاستشهاد بكتب ومخطوطات كثيرة تراثية ورد فيها أكثر من تلك اللوحات والرموز. وأكد أنه ليس منشأ ولا مخترع تلك الصور في دراسته العلمية الجادة، وليس الغرض منها التجريح من شأن رموز دينية، بل كان غرض كثير من المنمنمات هو التبجيل والتعظيم، مشيرا إلى ضرورة مناقشة تلك القضية بالبحث والتحليل، وليس بالمصادرة والمنع.
عقد مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر اجتماعاً في 26 أبريل 1987 لمناقشة قضية كتاب «التصوير الإسلامي» لثروت عكاشة، واتفق أعضاء المجمع رفض الكتاب، ومنع تداوله، وتحريم الرسوم الواردة فيه، وقال بيان المجمع، إن «الصور المرسوعة للشخصيات الدينية بالغت ما بلغت من حسن التصوير لا يمكن إن تصل إلى الحقيقة ولا إلى الصورة التي تكمن في وجدان المسلم التي ترتفع إلى درجة عظيمة من الاحترام، ومن ناحية أخرى فإن هذه الصور تخضع لخيال الرسام أو المصور وثقافته وعقيدته واتجاهاته الخاصة وميوله الطائفية، وهذا مصدر خطر شديد».
وبعد أخذ ورد، استبعد الدكتور ثروت عكاشة بعض المنمنمات الواردة في الجزء الأصلي من الكتاب نزولا على رأي الأزهر الشريف.
وتعد موسوعة «العين تسمع والأذن ترى» درة ثروت عكاشة، التي عمل عليها عقوداً طويلة، إذ استغرق إعدادها أكثر من 35 عامًا، وتؤرخ الموسوعة للفن في العالم، يستطيع قراءتها الصغار والكبار، و«تضم ما بين دفتيها آثارا فنية بين سمعية ومرئية لها صورها الساحرة وتشكيلاتها الجذابة»، واحتوت الموسوعة على تحليل لروائع فنية خلدها الإنسان على مر الأجيال، ووصفها عكاشة بأنها «مسيرة عمر، وحصيلة أسفار مختلفة إلى أقطار، منها ما بعد ومنها ما قرب، وغرام من وراء هذا كله كان يدفعني إليه دفعاً لا نظرا إلى مغنم، ولا جريا وراء كسب».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news