المسرحية تتناول قصة أب يربط مصير أسرته بوهم
ثور على «الخشبة» يـفاجئ جمهور «النطاح»
فوجئ جمهور «أيام الشارقة المسرحية»، أول من أمس، بظهور ثور حقيقي على خشبة معهد الشارقة للفنون المسرحية، اثناء مشاهدة مسرحية «النطاح» لفرقة مسرح دبا الحصن، التي تمثل أول العروض المحلية المشاركة ضمن مسابقة «الأيام المسرحية»، الأمر الذي فسر الغرض من الفقرة التحذيرية التي أعلنت قبل بدء عرض المسرحية، والتي نبهت الحضور الى أن «المسرحية تحتوي على مشاهد لا تصلح لمرضى القلب والضغط، وكذلك على مرتادي الملابس الحمراء الجلوس في المقاعد الخلفية للمسرح».
«النطاح» من تأليف واخراج وتمثيل الفنان عبدالله زيد، عكست صورة الأب العاجز عن اعالة اسرته المكونة من زوجة مريضة وطفلين تفوقا على والدهما بالوعي والنضج العقلي، خصوصاً أن ذلك الأب استسلم لليأس معلقاً مصير أبنائه الصغار وزوجته المريضة التي تحتاج إلى اجراء عملية سريعة، بفوز ثوره «النطاح» بمصارعة الثيران ليتمكن من جني الأموال وسداد ديونه التي تراكمت عليه.
ذلك الثور الضخم، رغم اهتمام الأب به ورعايته ومعاملته معاملة خاصة جداً قد لا يحظى بمثلها طفلاه، من خلال توفير أجود انواع الطعام والشراب له، إضافة إلى الحظيرة المجهزة بكل ما يحتاج إليه «ثور» ليتمكن من الفوز في المبارزة، إلا أنه دائماً ما يخذله، خصوصاً بعد هزائمه المتكررة ونتائجه المتدنية في مصارعة الثيران التي تشهدها القرى الريفية كل يوم جمعة.
موهبتان في التمثيل لم تخلُ عروض مسرحيات المخرج والمؤلف عبدالله زيد من المواهب الواعدة التي يكتشفها بنفسه عاماً تلو الآخر، ليخرج هذا العام بطفلين موهوبين هما أحمد الجرن الذي سبق أن شارك في أعمال مسرحية، وعبدالله نبيل الذي بهر الجميع بأدائه الاحترافي، اثر التدريب الجيد الذي خضع له ليصل لهذا المستوى من الأداء. وقال عبدالله نبيل (11 سنة) لـ«الإمارات اليوم» إن «مسرحية (النطاح) هي أولى مشاركاتي في عمل مسرحي محلي، وجاءت تلك المشاركة بتشجيع من خالي على وجه الخصوص، ولأنني أحب التقليد والتمثيل كوني مشاغبا قليلاً وأمتلك طاقة حركية كبيرة، فكان لابد من توظيفها في عمل جيد». وعلى الرغم من الأداء الجيد الذي ظهر به نبيل، إلا انه لأول مرة يقف على خشبة المسرح ويقدم عرضاً وصفه بأنه «ضخم»، كما أنه تلقى تدريباً مكثفاً على أداء دوره في المسرحية لم يتجاوز شهراً ونصف الشهر، ويطمح نبيل إلى أن يصبح ممثلاً شهيراً يشارك في أعمال مسرحية أخرى، لاسيما انه يستطيع التوفيق بين العمل المسرحي ودراسته. وحول العرض لفت نبيل إلى انه استمتع كثيراً بالدور، خصوصاً أن الفنان عبدالله زيد اضفى جواً أسرياً خلال تمرينات العمل، كما أن زميله الطفل أحمد الجرن الذي يشاركه في اداء المسرحية كان مثل الصديق له، مشيراً إلى انه في بداية التحضيرات للمسرحية تخوف كثيراً من فكرة وجود ثور عليه التعامل معه، ولكن مع التعود والتدريب تلاشى ذلك الخوف. |
هكذا تدور أحداث المسرحية بين مفارقات لواقع مفرح ومبكٍ في الوقت ذاته، إذ إن الأب «سعيد»، الذي يؤدي دوره عبدالله زيد، استسلم للثور وخضع له بأن كرس مستقبله وحياته لتحقيق الفوز الذي يتوقع ألا يأتي، إلا أن الأب بالغ في انتظار ذلك الفوز، لدرجة أنه ترك بيته وصار يشارك ثوره المدلل في الحظيرة، ليتمكن من رعايته والاهتمام به، بل فاق ذلك بالحديث والسهر معه، فتارة يعاتبه وأخرى يعنفه على خسارته المبارزة، وتارة يلاطفه ويحنو عليه.
مشهد
يبدأ المشهد الأول للمسرحية، بظهور الثور على خشبة المسرح ولكن بطريقة باغتت الجمهور الذي اعتقد أن خللاً ما أصاب ستارة المسرح التي فتحت لتكشف المسرح المغطى بالأعشاب ثم تغلق ليعاود فتحها ويظهر الثور الضخم ذو الحدبة في أقصى يمين المسرح، وسط ضحكات متشنجة وقهقهات متوقعة الأسوأ بوجود ثور شبه طليق عدا ذلك الحبل المربوط في فتحة أنفه.
وفي الجانب الأيسر، يظهر الأب «سعيد» الذي اعتاد أجواء الحظيرة ومجالسة ثوره النطاح، في جلسة لا تخلو من الطرب وزجاجات المشروبات الكحولية، التي رافقته لتخفف من معاناة خسارة النطاح المتكررة، لاسيما أنه ربط مصيره بمصير ثور، فتارة يتحدث إلى زجاجة الخمر ويشكو لها همه، وتارة أخرى يواجه النطاح وينهال عليه بسيل من الشتائم والسباب على اعتبار انه يعي ما يقوله، ويستوعب حالة المتردية التي بات يعانيها من جراء خذلان النطاح له.
وتتصاعد أحداث المسرحية، ووسط حالة نكران الواقع والهذيان، وذهاب العقل الذي تميز به الإنسان عن البهيمة، يدخل الطفلان أحمد الجرن بدور عبدالله الابن البكر وعبدالله نبيل في دور الابن سالم إلى خشبة المسرح، ولكن بطريقة انفرادية، تسلقا باب الحظيرة واقتحماها بعد رؤية النطاح، ويعكس ذلك الدخول مدى شقاوة الطفلين اللذين لا يخافان أو شيئاً في ظل الظروف التي جعلتهما ينضجان مبكراً، فهناك والد «سكير» وهنا أم تواجه الموت جراء اصابتها بمرض عضال.
أمل
لأن الأب وعد طفليه بعدم احتساء المشروبات الكحولية، على اعتبار أن الوعد دَيْن، وأن الأب القدوة لا ينقض عهداً، تمكن من الاختباء بين رزم الأعشاب الجافة، حتى لا يراه أطفاله وهو في حالة سكر حتى الثمالة، إلا أن الطفلين بذكائهما افتضحا أمر والدهما، وصارا ينصحانه ويذكّرانه بالوعد وبالحالة المتردية التي وصل إليها من الشرب، خصوصاً أنه بات يعرف بالسكير، الأمر الذي انعكس على حال الطفلين بين اقرانهما، الذين يعايرونهما بوالدهما ويتهجمون عليهما ويضربونهما، وحال أمهم المريضة التي تنتظر المال لتتمكن من تلقي العلاج، وأكدا له أن النطاح ليس المنقذ، إنما على «الأب» أن يتحرك ويعمل جاهداً ليحصل على المال الكافي وإن تتطلب ذلك بيع النطاح أو الحظــيرة.
ومع اصرار الأب على اعداد النطاح لمصارعة الثيران، اضطر الطفلان إلى مسايرة والدهما من خلال تكثيف الاهتمام بالنطاح لدرجة انهما غنيا ورقصا له، كما أنهما تفرغا لإطعامه ورعايته، كما الطفل المدلل لدى أسرته. وفي أثناء تحضير النطاح للمبارزة ووسط انشغال الطفلين بإعداد النطاح ومحاولتهما ايقاظ والدهما من نوم عميق جراء ثمالته في الليلة السابقة، تلقى سالم مكالمة يطلب المتصل فيها محادثة والده، ليقع كالصاعقة على رؤوسهم نبأ وفاة امهم التي لم يمهلها مرضها لحين فوز النطاح غير المتوقع أصلاً.
لهجة
قال المخرج والمؤلف والممثل عبدالله زيد لـ«الإمارات اليوم» إنه غير راض عن الأداء الذي خرجت به مسرحية «النطاح»، خصوصاً أن التمرينات التي سبقت العرض قدمت بطريقة أفضل وأقوى، معتبراً أن «العرض ليس أفضل ما شاهده من ناحية الأداء».
وأكد أن «المخرج المجنون هو من يقدم فكرة وجود ثور حقيقي وبهذا الحجم الضخم على خشبة مسرحية، وفي عرض حي ومباشر، وهو ما أثار اعجاب ودهشة كثير من المسرحيين الذي شهدوا بأنهم لأول مرة يشاهدون ثوراً في عمل مسرحي»، وهذا جانب جيد يحسب للمخرج والمسرحية، اذ من المتوقع أن يتم تكريم واختيار الطفلين احمد الجرن وعبدالله نبيل للفوز بجوائز أفضل ممثلين صاعدين.
وحول لهجة المسرحية، أفاد زيد بأن «اللهجة هي التي ميزت العمل المسرحي، إذ تم اختيار لهجة سكان دبا وتحديداً أهالي الريف، التي هي قريبة نوعاً ما إلى اللهجة العمانية، وتمتاز اللهجة بمد نهايات الكلمات والعبارات التي قد تكون غريبة إلى حد ما عن أهالي وسكان المدن».
ولفت زيد إلى أن «الطفلين المشاركين في العمل يعتبران من الخامات الجيدة والواعدة إذا ما تمتدريبهما بطريقة جيدة. وبخصوص الطفل عبدالله نبيل الذي أعجب أداءه الجمهور، فهو من جيراني، وكنت دائماً أشاهده يلعب ويتحرك بطريقة تبشر بولادة نجم».
وعلق على مسألة الثلاجة المليئة بزجاجات المشروبات الكحولية، قائلاً إن «الشخصية غير سوية، فعلى الرغم من انه محتاج إلى كل فلس لتلـــبية احتياجات اسرته وتوفير العلاج لزوجته وسداد ديونه المـــتراكمة، إلا أنه لا يكف عن شراء الخمور التي تنسيه معاناته الحقيقية، أما وجود الكم الهائل من تلك الزجاجات فمن الطبيعي ذلك لأن الأب (سعيد) سكير من الدرجة الأولى».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news