«ألف ليلة وديك».. شهرزاد تقـود الشعب لإسقاط شهريار

«بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد»، هي عبارة لطالما رددتها شهرزاد في أسطورة «ألف ليلة وليلة»، أثناء روايتها لقصص خيالية تمكنها مع صياح الديك وطلوع شمس الصباح من التحايل على موت محتم كان مصير من سبقنها من جواري شهريار، ورغم أن الأسطورة تحمل احتمالية قتل شهرزاد على يد شهريار أو ربما أن يقع الأخير في حب الجارية الجميلة فيعفو عنها أو ربما يتزوجها، ولكن أن ينقلب الحال فيموت شهريار بتحريض من شهرزاد على يد شعبه، فذلك هو الرأي الرشيد الذي جاء به مؤلف مسرحية «ألف ليلة وديك»، لفرقة مسرح دبي الأهلي، طلال محمود، والتي عرضت أول من أمس ضمن أيام الشارقة المسرحية، في قصر الثقافة بالشارقة، إذ أقحم المؤلف فكرة الربيع العربي وثورات الشعوب على حكامها الظالمين في أسطورة خيالية تجردت من السياسة واكتفت بمشاعر حميمية تربط الجارية شهرزاد بمولاها شهريار، بعيداً عن شعبه وأبناء ولايته، إلا أن ذلك الجانب البعيد المظلم استفز مؤلف المسرحية، ليحبك منه قصة جديدة تضاف إلى قصص ألف ليلة وليلة الشهيرة.

الليلة الأخيرة

انتقام من «الذكر الوحيد»

بعد اقتحام الشعب الثائر لقصر شهريار، تجمع المحتجون والمقموعون والمهمشون من نساء ورجال حول شهريار، وانهالوا عليه بالضرب والتعذيب، انتقاماً منه على سنوات العذاب والبطش والتنكيل التي عانى فيها الشعب وذاقوا الأمرين.

والجميل في المشهد الذي اقتبس من مشاهد لسقوط زعماء دكتاتوريين كان مصيرهم الموت على يد الثوار، هو التحام الشعب وصموده أمام بطش شهريار، الذي لم يكف عن القول بأنه «الذكر الوحيد في الولاية»، حتى انتهى وقتل على يد الشعب الثائر من خلال نتف ريشه الذي تطاير ليصل إلى جميع الولايات، في اشارة إلى بزوع شمس الحرية دون صياح الديك، إلا ان ريش الديك كان منقذاً للشعب بأكمله وليس لشهرزاد فقط.

تبدأ مسرحية «ألف ليلة وديك»، من الليلة الأخيرة والتي سبقتها ألف ليلة من القصص والحكايات التي سردتها شهرزاد لتلهي شهريار وتثنيه عن قتلها، بعد اتفاق عقد بينهما يقضي بألا يقطع رأسها على أن تحكي في كل ليلة حكاية تسعد وتمتع شهريار، وأن تسكت مع سماع صياح الديك.

المشهد الاول للمسرحية يظهر موكب شهريار عند دخوله قاعة القصر، واعتمد مخرج العمل مروان عبدالله على فكرة خيال الظل في تضخيم ذلك الدخول، الذي لم يخل من البهرجة والفخامة والسمو الذي ظهر به شهريار والذي أدى دوره الممثل رائد الدالاتي، فعلى اليمين الجواري وعلى اليسار عازفو الموسيقى التي غالباً ما كانت موسيقى مباشرة وغير مسجلة، وفي الوسط تربع شهريار على عرشه بجبروت وعنفوان في انتظار الجارية الجديدة التي سيقطع رأسها قبل طلوع الشمس.

وهنا تبدأ حكاية الديك الذي أطاح بشهريار، ففي إحدى الليالي وبعد أن سئم شهريار من صياح الديك الذي كان بمثابة المنقذ لشهرزاد التي جسدت دورها الفنانة بدور محمد، من حكم مصيري سبقنها إليه مئات الجواري والحسناوات، قرر شهريار قتل الديك، ليتمكن من قتل جاريته، وما كشف فعلته تلميحه لشهرزاد بأن الليلة ستكون الأخيرة، فعرفت ان الديك اختفى وقررت وجاريتها ميسون التي أدت دورها الممثلة نصرى المعمري، أن تستبدلا الديك الصياح بديك آخر يحول دون موتها.

وأثناء رحلة البحث، تحايلت شهرزاد بالاتفاق مع جاريتها ميسون على سكان الولاية بأن طلبت منهم البحث عن ديك بديل لديك القصر الذي سرق مما ازعج شهريار، وهي بذلك تكون حصلت على ليلة إضافية في ساعات عمرها التي توشك على الانتهاء فيما لو لم تجد ذلك الديك.

بداية الثورة

فوجئت شهرزاد أثناء البحث عن الديك بين سكان الولاية، بأن الشعب يعاني بطش شهريار، الذي أوقف نسلهم وسلب رجولتهم ليصبح هو الذكر الوحيد في الولاية، كما أن الأخير أمر كذلك بمنع تكاثر الدجاج لكي لا يسمع صوت صياح الديك مرة أخرى ويتمكن بذلك من قتل شهرزاد وينهي سلسلة الحكايات التي سئمها أصلاً، فحرضت السكان على التمرد على شهريار، وجعلت من نفسها قدوة وملهماً لتفجير ذلك السخط والغضب الذي اختنق به الشعب وآن أوان التحرر منه، فشهرزاد باتفاقها مع شهريار أنقذت الكثير من جواري وفتيات الولاية من المصير الذي ينتظرهن مالم يتحرك الشعب وينتفض على مولاهم الظالم الذي حرمهم من أبسط حقوقهم وهو التناسل والتزاوج المشروع وإنجاب الأولاد والبنات، ليستمر نسلهم ويواصلوا دائرة الحياة التي أراد شهريار ببطشه وغروره أن يوقفها.

وفي المشهد الأخير، الذي يكاد يكون الأكثر قوة في العمل، تواجه شهرزاد شهريار وتتمرد عليه واصفة إياه بالمغرور والمتكبر، الذي أعماه بطشه عن رؤية شعبه المقموع، والذي احتشد آلاف الثائرين الغاضبين منهم والمحتجين والمتظاهرين أمام بوابات قصره ليثأروا منه، بعد أن فتحت تلك البوابات امام الشعب بأمر من الوزير الذي كان متعاطفاً مع الشعب أصلاً وطالما نصح شهريار بالتغيير والاصلاح خوفاً مما لا تحمد عقباه، وبالفعل تمكن الشعب من قتل شهريار، واعتبرت شهرزاد ملهمة الشعب وشرارة الثورة على الظلم.

إعجاب واضح

إلى ذلك، اعتبر مسرحيون ونقاد شاركوا في الندوة التطبيقية التي تلت عرض مسرحية «ألف ليلة وديك» في قصر الثقافة في الشارقة، أن العرض متكامل، إذ كانت الرؤية الدرامية والاخراجية واضحة ولم يكن هناك أي خلل في تفاصيل السرد للمسرحية، كما أن الموسيقى الحية والمباشرة التي دخلت بسلاسة خدمت العرض، فيما كانت سينوغرافيا المسرحية متنوعة ولم تشهد أي بذخ أو مبالغة، لاسيما اعتمادها على فكرة خيال الظل ما جعل العرض مدهشاً وخلاباً، وأجمعوا على فكرة تجديد التعاون بين المخرج والمؤلف في اعمال مسرحية مشتركة، إذ إن التناغم والسلاسة في التعامل والتفاهم واضحة على العمل المقدم.

ولفت كثيرون إلى أن «العرض وظف التراث المسرحي، إذ لم يخدم ذلك التراث الفولكلور المحلي فقط، إنما خدم التراث الفلكلوري العربي أيضاً، حيث كان العمل شديد الالتصاق بالعالم العربي من خلال الموسيقى والازياء وسينوغرافيا العمل بشكل عام».

وأعجب المسرحيون بفكرة ارتداء الشعب أقنعة مقلوبة عند استماعهم لخطاب شهريار، في اشارة إلى ان الأخير معزول تماماً عما يحصل في الولاية وان الشعب يقف ساكناً وأخرس في ظل حكم جائر، كما يحسب لمصلحة المخرج الشاب مروان عبدالله المزاوجة الجيدة بين اللغة العربية الفصحى واللهجة العامية وإن رجح كثيرون أهمية الاعتماد على اللغة الفصحى في العروض المقبلة. أما ما أخذ ضد المخرج فهي تلك المناطق السوداء المظلمة على خشبة المسرح، على اعتبار أنها خطأ في المنهج الاخراجي وليست خطأ تقنية حصل أثناء العرض، كما نوه البعض إلى ضرورة التركيز على الشخصيتين الرئيستين «شهريار وشهرزاد» من خلال تحسين الاداء والتفاعلية أثناء العرض، خصوصاً شهريار الذي كان ضعيفاً ويحتاج إلى اعادة بناء للشخصية التي يجسدها.

الأكثر مشاركة