«زهرة مهرة».. تضحية بالرجولة من أجل مسكن
الغاية تبرر الوسيلة، لاسيما عندما لا يملك صاحب الغاية الحيلة أو الواسطة التي تساعده على تحقيق غايته، ولكن أن تفقد رجولتك، أو حتى تفكر لمجرد التفكير في أن تتحول من جنس إلى آخر لتستر عورات من تحب فهي مسألة خطرة تستوجب الوقوف مطولاً عند مسببات ذلك التحول.
سخرية راقية وصف نقاد مسرحية «زهرة مهرة» بأنها ممتعة ومتكاملة من ناحية النص والإخراج والأداء، إذ إن العرض تعامل بذكاء مع موضوع حساس، وربما يكون شائكاً جداً، ووقف على حافة التهريج، وقدم السخرية بطريقة راقية. ولفتوا إلى أن الممثلين الرجال استطاعوا تمثيل وتقمص أدوار النساء دون ابتذال، لدرجة أن كثيراً من المتفرجين توقعوا أن زهرة هي امرأة حقيقية، كما أن الحوار بين الشخصيات مفهوم، لاسيما أن اللهجة المستخدمة هي اللهجة المحلية التي لم يجد المتفرجون غير الإماراتيين صعوبة في فهمها. وأعجب النقاد بالسينوغرافيا المستخدمة في العمل، واعتبروها غير معقده، وبرز ذكاء المخرج الذي لم يكن متعالياً على النص أو العرض المسرحي من خلال اختفائه وراء الممثلين والنص، الأمر الذي أبرز شخصيته وأوضح رؤيته الاخراجية. المشاهد لبروفات مسرحية زهرة مهرة يجد اختلافاً واضحاً في المعالجة الاخراجية مع الحفاظ على قوة العمل، ويظهر ذلك في مشاهد المشادات الكلامية بين زهرة ومهرة والتي كانت لم تخل من السباب والشتائم والألفاظ الزائدة عن الحاجة، أما في العرض المسرحي فكان الحوار راقياً. |
تدور أحداث مسرحية «زهرة مهرة» في أحد المجتمعات الخليجية، أو ربما العربية، التي فضل مخرج العمل أحمد الأنصاري، عدم تحديد أو حتى الإشارة إلى الواقع المكاني الذي تدور فيه الأحداث، فيما حافظ على اللهجة الإماراتية أثناء تحاور الشخصيات.
تنطلق المسرحية مع مشهد شبيه بحرب القدور «الأواني المنزلية» المتطايرة وصراع نساء لا يخلو من السباب والشتائم المتبادلة بين الأطراف المتعاركة، ليجد المتفرج نفسه حائراً في تحديد هوية الأصوات النسائية وماهية العلاقة التي تربط بين أفرادها، خصوصاً في وجود بقعة ضوء مسلطة على رجل مستقل بهدوء وسط القدور والأواني المتناثرة والمتطايرة على مقربة منه وكأنه اعتاد المشهد.
وما إن يضاء المسرح حتى تتبين للمتفرجين شخصية السيدتين اللتين كانتا تتبادلان السباب بلهجة إماراتية قديمة، ويظهر الفنان إبراهيم سالم في دور الأرملة المسنة مهرة، والفنان جمال السميطي في دور الأرملة الشابة زهرة، والفنان الشاب مروان عبدالله صالح في دور كعبوس، مندوب الحكومة، التي يفترض أن تقدم تقريرا حقيقيا عن منزل كل من الأرملتين، وبيان مدى استحقاقهما منح البيوت الشعبية.
تحاول الأرملتان كسب ود مندوب الحكومة على اعتبار أن مصيرهما بيده ومعلق بذلك التقرير الذي يفترض أن يكتبه بحيادية وبحسب الحالة الاجتماعية وتطابق شروط المعاينة، إلا ان المندوب لا ينفك عن ابتزاز الأرملتين مقحماً التقرير والبيوت في مسائل شخصية، فالأرملة الشابة زهرة تسعى إلى إغوائه بشبابها لدرجة أنها تعتزم الزواج به بمجرد حصولها على منحة بيت الحكومة، أما الثانية فكونها مسنة تستغل ضعفها، وقلة حيلتها فتحرص على استعطافه بالبكاء والنواح.
ويظهر في المشاهد صراع الضمير بين شخصية مهرة العجوز ومحمود الرجل الذي اختفى طوال السنوات خلف شخصية مهرة ليتمكن من الحصول على بيت حكومي يؤويه وأسرته التي عانت وتجرعت أنواع العذاب عندما تعرضت ابنته الصغيرة للاغتصاب على يد عزاب يقطنون منطقتهم.
أجندة عرض اليوم اليوم: الأحد 25 مارس. المسرحية: «صهيل الطين». تأليف: إسماعيل عبدالله. إخراج: محمد العامري. الفرقة: مسرح الشارقة الوطني. المكان: قصر الثقافة. الزمان: السابعة مساء. |
وفي مشهد الاتفاق بين كعبوس وزهرة، التي اتفقت مع مهرة على أن يوقع كل من المندوب كعبوس وزهرة على ورقة تلزم الأخيرة الزواج به بعد أن تحصل على منحة السكن، وفي حال تراجعها عن الاتفاق او إخلالها بهذا العقد يلزمها سداد مبلغ مليون درهم لكعبوس، وبالفعل توقع زهرة وكعبوس على الاتفاق ليتفجر فصل جديد من كشف الحقائق عندما تحاول زهرة فضح أمر المندوب وايصال أوراق الاتفاقية للحكومة، إلا أن كعبوس يعتدي على زهرة بالضرب، حتى تظهر شخصيتها الحقيقية بأنها رجل هي الأخرى، وتواجهه بل تنفعل في سرد معاناتها التي دفعتها لانتحال شخصية أرملة وهو رجل حقيقي، إذ إنه طوال 20 سنة يحاول الحصول على منحة بيت حكومي عوضاً عن منزل والدته التي آوته وأطفاله حتى كبروا وباتوا يعيرونه بأنه لم يتمكن من شراء منزل بدلاً من بيت الدته المتهالك حتى جاء اليوم الذي سقط سقف المنزل وردم والدته.
تعد المسرحية كوميديا سوداء تعتمد على مبدأ المضحك المبكي في الوقت نفسه، إذ يقدم الفنانون الثلاثة مفارقات تمس المشاعر الانسانية لدى المتفرج لاسيما في وجود حقوق مسلوبة واحتياجات تبرر الوسيلة للوصول إليها، وإن كان من تلك الوسائل الاستغناء عن الرجولة.
وتكشف مشاهد المسرحية عن قضايا اجتماعية خطرة، منها هجران العائلات لمنازلها بعد حصولها على المنح السكنية وتأجيرها للعزاب، وما يمكن أن يتبع ذلك من انتشار الجرائم وأهمها الاغتصاب والسرقة، إضافة إلى قضية الواسطة التي تلعب دوراً كبيراً في تحديد مصائر المحتاجين، خصوصاً عندما تمنح صلاحيات لموظفين غير أكفاء فيستغلونها ويقفون حاجزاً أمام مصالح الناس.