نصّ دقيق ومعالجة إخراجية متواضعة

«كشتة».. دعوة صريحة لمواجهـة المخاوف

صورة

دعوة صريحة لعدم الاستسلام للمخاوف والوهم، توجهها مسرحية «كشتة»، التي عرضت أول من أمس، ضمن عروض مهرجان أيام الشارقة المسرحية، إذ تحاول المسرحية تثوير كل انسان لا يستطيع مواجهة مخاوفه، فيصبح سجيناً لمخاوف ربما تعود إلى أخطاء اقترفها، ولا يملك الجرأة لمواجهتها، خوفاً من مصير مجهول قد يخيم على مستقبله.

«كشتة» هي كلمة محلية تعني الخروج في رحلة مع الأصدقاء، قد تكون رحلة للبر أو صيداً في البحر أو حتى التسكع في الشوارع أو المراكز التجارية، والكشتة يفترض أن تضفي جواً من السعادة والسرور في النفوس، إلا أن كشتة المؤلف والفنان عبدالله صالح، والمخرج الشاب غانم ناصر، اختلفت كثيراً فكانت نهايتها تعيسة.

مجهود يستحق التقدير

اعتبر نقاد ومسرحيون في الندوة التطبيقية المصاحبة لعرض «كشتة» ان العمل يلامس كل انسان لا يستطيع مواجهة مخاوفه، التي قد لا يكون لها أساس من الصحة والواقعية، مشيرين إلى ان العمل على مستوى النص جيد، لكنه يركز على معاقبة الذات والتقوقع النفسي، ويعتبر النص صعب التنفيذ والمعالجة.

ورأوا أن هناك إسرافاً في الحركات غير اللازمة التي لم تخدم النص أصلاً، كما أنه لا يوجد تواصل بين شخصيات العمل، إذ إن الممثلين كان أداؤهم خارجياً وليس نابعاً من تقمص الشخصية، وظهر ذلك من خلال الانفعالات والصراخ الزائد والتشنجات المصطنعة. كما لوحظ وجود اشكالية في استخدام الإضاءة، لاسيما ان المخرج استخدم أكثر من أسلوب في اضاءة المسرح، ما أوجد فوضى غير متعمدة، إضافة إلى وجود اسراف في الديكورات والقطع الزائدة عن الحاجة لاسيما الفخامة في الديكور، إذ لم تكن هناك معايشة صادقة إنما ايهام بالواقع وتصنع واضح.

ونصح النقاد مخرج العمل الشاب غانم ناصر بإحكام قيادة الممثلين الذين فلتوا على المسرح، لاسيما عدم اظهارهم الإحساس اللازم واكتفوا بإثارة عواطف الجمهور بالصراخ والانفعال المبالع لدرجة التصنع، إلا أن العرض يستحق التقدير، إذ إن هناك جهوداً جيدة من الناحية الإخراجية على الرغم من أن النص دقيق في كتابته وكان يتطلب رؤية اخراجية ومجهوداً كبيراً.

تبدأ المسرحية من النهاية التي باتت مصير الأصدقاء الثلاثة: غانم السكير، الذي أدى دوره الفنان الشاب أحمد مال الله، وهو متزوج ولديه طفلة في الخامسة من عمرها، ومروان المهندس الذي يطمح لاستكمال الدراسات العليا، وجسد دوره الفنان حمد الحمادي، إضافة إلى حسن الذي تخلى عنه والداه وتركاه من دون مستقبل، وأدى دوره الفنان حميد فارس. يجد الأصدقاء انفسهم حبيسي مزرعة قديمة تعود لأحد أفراد عائلة غانم، ويختبئون من مصير يجهلونه وسط مخاوف حبكتها عقولهم التي توقفت عن التفكير الإيجابي، وانحصرت في النقطة السوداء على الحائط الأبيض.

اختباء

تتصاعد الأحداث بوتيرة بطيئة، وحوارات بلا جدوى، إذ يجد الأصدقاء الثلاثة أن بقاءهم مختبئين في تلك المزرعة لم يعد ملائماً، لاسيما أنهم شبه معزولين عن العالم الخارجي، وليسوا على اطلاع بما يحصل وما ينتظرهم من مصير مجهول بالنسبة لهم، إلا أن الواقع عكس ذلك، فمصيرهم هو السجن، أو ربما حبل الإعدام، الذي لم يفارق تفكيرهم لدرجة انهم باتوا يحلمون بما يعرف بـ«عشماوي» وهو يقودهم إلى مصيرهم.

استيقظت ضمائر الأصدقاء متأخراً، تحديداً بعد شهر من الرحلة التي لم يتوقعوا نهايتها بهذه المأساوية، لتنتهي بهم الحال مختبئين في منطقة نائية بعيدة عن أعين رجال الأمن والشرطة، وبمجرد سماعهم صوت دورية الشرطة، تصيبهم نوبة من الذعر والهلع، تذكرهم بمصيرهم المرتبط بمخاوفهم، فحسن صاحب السوابق الإجرامية والعاطل عن العمل، انقلبت حاله فصار أكثر التزاماً بالدين، وبات الناصح لصديقه غانم الذي انغمس في حالة من اللاوعي، المراد به الانفصال عن العالم والواقع المحيط به كي لا يفكر في مصيره المجهول، ويصاب بفزع دائم مثل صديقه مروان، الذي بمجرد سماعه صوت سيارة تمر بجانب المزرعة يدخل بعدها في نوبة من الهستيريا والبكاء، خوفاً من حبل المشنقة.

مفارقات

تظهر المسرحية مفارقات بين الشخصيات، فأحدهم يحتسي الخمور ويتأثر بموسيقى أغنية لأم كلثوم، والآخر يفترش الأرض ساجداً وراكعاً مناجياً الله ليفرج همهم، والأخير لا يبارح السقيفة لكي لا تفوته مراقبة المكان خوفاً من مداهمة الشرطة لهم، وانتظاراً لوصول الإمدادات الغذائية التي باتت على وشك النفاد.

يدخل الشبان الثلاثة في مونولوج ليكشف كل منهم معاناته في الحياة من حرمان وضياع وتشرد وصولاً إلى تقييمهم وضعهم الحالي وما أصابهم من خوف وهلع من المجهول، فقرروا أن يضعوا حداً له من خلال اعترافهم بجريمتهم التي أبقتهم مختبئين من العدالة طوال شهر كامل، ولم يتفقوا على انهاء معاناتهم وخروجهم من المزرعة، وفضلوا عدم مواجهة مخاوفهم، وعدم مبارحة مكانهم لحين الفرج.

وتعود قصة الأصدقاء إلى يوم الكشتة، إذ ذهبوا في رحلة صاخبة لم تخلُ من المسكرات، سواء مشروبات أو مواد مخدرة، وجاءهم صديق آخر لم يقصدوا التسبب في وفاته إلا ان وجوده معهم في الكشتة لم يكن مرحباً به، فبدأوا مشاكسته بأن ألقوه في حفرة لم يكونوا على علم بأنها مليئة بالزجاج وأسياخ الحديد المتناثرة، ولأن الظلام كان حالكاً فضلوا الهرب والاختباء عن مساعدة الصديق، فيما أكدت لهم هواجسهم انه مات، وسيكون مصيرهم حبل المشنقة.

وفي نهاية، ينغلق الأصدقاء على انفسهم داخل المزرعة، رافضين مواجهة المجهول الذي قد يكون أرحم من الحال ال وصلوا إليها، أو ربما لا تكون هناك جريمة من الأساس وأنهم كانوا يتوهمون ذلك أو قد يكون الشخص الذي دفعوه في الحفرة حياً يرزق ويعيش حياته بشكل معتاد، لذلك فإن مواجهة المصير أفضل من الاحتضار جراء هواجس النفس والخوف من المجهول.

تويتر