«إخوان شما».. أعمق من قضية حبل غسيل

«إخوان شما».. حكاية بسيطة ذات دلالات عميقة. تصوير: أشوك فيرما

تربط الأخوة صلة دم مهما طال الزمان وتوالت المشكلات لن يتحول الدم ماءً أبداً، ولكن إذا كان حبل الغسيل وصية والد لأبنائه وقيداً طال رقابهم، بل تعداهم إلى ابنائهم، فكيف يكون الخلاص والعتق؟

مسرحية «إخوان شما» هي حكاية بسيطة ذات دلالات رمزية عميقة، تعاني انقسامات وتعددية تطال الشخصيات نفسها وعلاقة كل شخصية بالأخرى، الذين رغم تعدد اهتماماتهم، إلا ان قضية تافهة في الأساس وحّدتهم وحالت دون تفرقهم، وهو حبل الغسيل الذي أوصى والدهم بإبقائه والحفاظ عليه دون ان يتعدد مهما كانت حاجة الاشخاص تفوق القدرة الاستيعابية لذلك الحبل.

تبدأ المسرحية التي عرضت في معهد الشارقة للفنون المسرحية، أول من أمس، بمشهد معركة شرسة بين زوجتي الأخوين الممثل مرعي الحليان في دور حميد، هو بكر العائلة وكبيرها بعد وفاة والده والقائد والمسيطر على بيت الاسرة، وعبدالله الذي جسد دوره الفنان حسن رجب، وهو الأخ الطيب والمسيطر عليه من قبل زوجته وشقيقه حميد، والذي لا يحرك ساكناً دون مشورة، والذي اعتاد أن يقاد لا أن يقود.

عراك

الممثل سيّد الخشبة

قال مخرج المسرحية إبراهيم سالم إن «الممثل سيد خشبة المسرح، وهو الأهم، فمن خلاله توصل الفكرة، فمهما وصلت إليه السينوغرافيا من قوة والتقنيات الحديثة من هيمنة يبقى الممثل هو عصب المسرح ولا يتغير بتغير تلك الأمور، لذلك كان اشتغاله على الممثلين واضحاً من خلال اظهار التعددية في الشخصيات نفسها على مسالة الحبل، كما برزت التعددية والانقسام في تعامل الشخصيات مع نفسها وذاتها».

واعتبر سالم ان «قضية الحبل الذي وحدهم قضية تافهة في الأساس، لذلك تم التعاطي معه بتهميش، إذ لو كان هو الجوهر لما وضعته كمخرج في آخر الخشبة ولكنت في كل مشهد استبدلت الملابس المعلقة عليه، كما أن ايقاع الممثلين كان أسرع في البروفات أكثر من العرض المسرحي بسبب خطأ في الايقاع».

وعلق على اقتراح حول مسألة عرض العمل مستقبلاً بعيداً عن خشبة المسرح، قائلاً إن «الممثل هو الذي يضفي حميمية على العرض وليس القاعة، لذلك أينما عرض العمل ستكون هناك حميمية واضحة ناتجة عن تلك الصادرة عن الممثلين».

الزوجات يتعاركن على حبل الغسيل ولمن ستكون أولوية نشر الملابس، ففاطمة زوجة حميد، والتي جسدت دورها الممثلة الصاعدة سلوى الأميري، تعتقد بان اولوية تعليق الملابس ونشرها لها، على اعتبار ان زوجها هو البكر، وصاحب القرار والمسيطر على البيت وصاحب الكلمة المسموعة والذي حل مكان والده، وبالتالي هي تحل تلقائياً مكان المرحومة والدتهم. فيما الزوجة الشابة نورة، والتي أدت دورها الفنانة بدور الساعي، لا تقنعها تلك المسائل، وتعتقد أن من حق زوجها أن يكون له رأي في هذا البيت، كونه يمتلك الحصة نفسها التي ورثها حميد عن والدهم، لذلك فإن الحبل يفترض أن يكون لها.

وبتوالي المعارك ووسط حالة من الفوضى الناجمة عن تراشق الشتائم والسباب، تتسع دائرة المشكلة وتتجاوز الزوجات لتصل إلى الإخوة، الذين تدخلوا في بادئ الأمر لفض العراك، إلا أن كيد النساء كان اكبر من مشاعر الأخوة، فكل واحدة منهن باتت تستميل عاطفة زوجها بطريقتها، فزوجة حميد استغلت وضعها الصحي، كونها حاملاً، أما نورة فهي الحبيبة والمدللة لدى زوجها عبدالله والذي لا يقبل إهانتها، وبالتالي انتقلت المشادات بين الأخوين.

وبتدخل الأخ الصغير جاسم، الذي جسد دوره ابراهيم أستاذي، والذي كان يحاول فض النزاع، يتنقل الجميع إلى مسألة أخرى تفوق ذلك الحبل إلاّ انها تتمحور حوله، وهي أن جاسم عاطل عن العمل ولا يصلح لشيء سوى الأكل والنوم على حساب الأخوين حميد وعبدالله، الأمر الذي اعتبره جاسم نوعاً من المعايرة، كونه لم يجد وظيفة طوال ثلاث سنوات على تخرّجه، تتناسب مع طموحاته في مجال التكنولوجيا الحديثة والإنترنت.

ثورة جيل

فصل جديد من كشف المعاناة مع استمرار امتداد ذلك الحبل كأساس لعلاقتهم، عندما يقرر جاسم التنازل مع عزبته لأبناء شقيقة حميد المتكدسين في غرفة واحدة، لاسيما ان حميد ينتظر مولوداً جديداً. في المقابل، يحصل جاسم على حصته من البيت وحقه من إرث والده، الا أن حميد يقابل ذلك الطلب الذي اعتبره مقايضة ومساومة بأبنائه، بالرفض القاطع، خصوصاً ان وصية والدهم واضحة بالوحدة وعدم التفرق مهما تعددت المشكلات، مع الطاعة والانصياع لشقيقهم الأكبر وعدم مخالفة أوامره.

ومن هنا يبدأ تمرد الجيل الجديد على القديم، والذي يقف أمام تحقيق طموحاتهم وانفتاحهم على الحياة، لاسيما أن الشقيق الأوسط عبدالله ينتظر مولوده الأول، بعد سنوات من الحرمان من الانجاب بسبب عدم الاستقرار النفسي والمكاني الذي تعانيه زوجته، ما اضطرها إلى تناول حبوب تحول دون انجابها.

وبعد القهر والسيطرة التامة من قبل حميد يتحد عبدالله وجاسم للوقوف في وجهه والمطالبة بحقوقهم، ومنها تعدد حبل الغسيل والتحرر من وحدته القاسية وسيطرته التي الغت حياة بقية أفراد العائلة، فصار الصراع واضحاً بين الجيلين، الجيل الجديد، عبدالله، يمد حبال الغسيل بشكل طولي بين أبواب الغرف، أما الجيل القديم، حميد، فكان يسد ابواب الغرف بالحبال، الأمر الذي يعكس تفاقم الصراع بين الأجيال في غياب لغة الحوار.

أجندة عرض اليوم

اليوم: الأربعاء 28 مارس .2012

المسرحية: طورغوت.

لفرقة: السويسي.

المكان: قصر الثقافة في الشارقة.

الزمان: الساعة السابعة مساءً.

عمل يومي

قال نقاد ومسرحيون في الندوة التطبيقية لمناقشة عرض «أخوان شما»، إن النص وهو من تأليف مرعي الحليان، «فيه ترهل واسراف وأمور زائدة كان لابد من ان يستغنى عنها، إلا ان روح المخرج كانت واضحة وحاضرة على العمل، هناك افكار اخراجية ذكية في تحريك الشخصيات منها مشهد المشادات والعراك بين النساء والذي يتخلله حركات راقصة بين عبدالله ونورة». واعتبرت المسرحية هي العمل المسرحي اليومي الذي يمكن أن يلتصق به الناس كونه من واقع حياتهم اليومية، كما ان المخرج اشتغل على الشخصيات وابرز تفاصيها فضلاً عن وضوح ملامح الشخصيات في الممثلين وظهور فكرة تباين الاجيال، من خلال اهتمام الجيل الحديث بالتكنولوجيا والانترنت والحفاظ على الصحة أما الجيل القديم فكان يهتم بإنجاب العيال.

تويتر